-->

معبر الكركرات, عقدة جديدة لتأزيم الوضع في إقليم الصحراء الغربية


تقديم:
شكل المعبر الحدودي “الكركرات”المتواجد في أقصى جنوب إقليم الصحراء الغربية، أحد أهم التحديات التي طالت قضية الصحراء الغربيةوالوضع الاقليمي في شمال أفريقيا بوجه عام، لما عرفه من تصعيد عسكري وتوتر سياسي بلغ أقصى مستوياته خلال السنة الماضية، ما جعل هيئة الأمم المتحدة (الأمين العام للأمم المتحدة وممثله “كيم بولديك” ومبعوثه “كريستوفر روس” في المنطقة) وأعضاء مجلس الأمن، يبذلون جهود كبيرةلإقناع الأطراف بعدم فرض وقائع ميدانية جديدة، تخالف ما كان سائدا فترة سريان وقف إطلاق النار سنة 1991.
تكللت هذه الجهود بانسحاب الطرف المغربي يوم 26 فبراير 2017، في ما عملت القوات العسكرية لجبهة البوليساريو على اعتماد نهج “إعادة الانتشار” في المنطقة بتاريخ 29 أبريل 2017، كخيار لثمرة جهود الأمين العام للأمم المتحدة السيد “أنطونيو غوتيريس” وأعضاء مجلس الأمن الدولي، قصد السماح لجهود الوساطة الجديدة،في القيام بدورها في تقريب وجهتي نظر طرفي النزاع “المملكة المغربية وجبهة البوليساريو”،للانخراط في مفاوضات مباشرة تنهي النزاع القائم وفق تسوية تضمن تقرير مصير شعب الصحراء الغربية، كما تنص على ذلك قرارات مجلس الأمن الدولي.
سنعمل على الوقوف على مواقف أطراف النزاع من أزمةالكركرات (أولا)، لننتقل بعدها لاستشراف مستقبل هذاالمعبر في ظل الحسابات الاقليمية السائدة، خاصة منها فتح معبر تندوف – شوم الرابط بين الجزائر وموريتانيا:
أولا: مواقف أطراف النزاع من أزمة الكركرات
تباينت مواقف أطراف النزاع حول منطقة الصحراء الغربية من أزمة الكركرات، معبرة عن شرعنة ممارساتها في هذا المعبر الحدودي، الذي كاد أن ينسف الجهود الأممية السلمية لحل قضية الصحراء الغربية، عقب استنفار القوات العسكرية لكلى الطرفين على الحدود.
1 ) موقف المملكة المغربية
عمدت المملكة المغربية بتاريخ 11 غشت 2016، على الشروع في تعبيد طريق بري يتجاوز الجدار الرملي المقسم للإقليم الصحراء الغربية، بين تلك الخاضعة للسيطرة المغربية وتلك الخاضعة لسيطرة جبهة البوليساريو، لربط مسافة الستة كيلومتر غير المعبدة بالحدود الشمالية للجمهورية الاسلامية الموريتانية،قصد تيسير عملية عبور السيارات والشاحنات المحملة بمختلف المواد الغذائية والصناعية والتجارية، المتجهة إلى موريتانيا ومنها نحو القارة الأفريقية في مختلف اتجاهاتها.
شرعت آليات خاصة بتعبيد الطرق وبعض الأطقم البشرية، تتكون من مهندسين وعاملين مرفقين بسيارات للدرك الملكي لتوفير الحماية الأمنية لهم، بتجاوز الحزام الرملي ب 2.5 كيلومتر دون أخذ علم من طرف بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو)، التي يتواجد مقرها في مدينة العيون (الصحراء الغربية)، إلا بعد مضي ثلاثة أيام من شروعها في تنزيل توجهاتها على الميدان.
اعتبر مندوب وزارة الخارجية المغربية في مجلس الأمم المتحدة السيد “عمر هلال” في حوار له مع وكالة المغرب الغربي للأنباء، أن تعبيد معبر الكركرات له هدف واحد يرتبط بتأمين عبور العربات والشاحنات نحو القطر الموريتاني بسلاسة، بما يمكن من تطهير المنطقة من المهربين والتجارة غير القانونية، ويجب فصل .قضية المعبر الحدودي عن الوضع السياسي القائم في الاقليم, وفي ذات السياق أثار أحد الباحثين المغاربة مسألة تجاوز الحزام الدفاعي جنوب معبرالكركرات، باعتباره خرق للاتفاق العسكري رقم 01، الذي يمنع على المغرب تجاوزه في الناحيتين الجنوبية والشرقية، وهو الموقف الذي عبرت عنه جبهة البوليساريو والأمم المتحدة وفق ما سنستعرضه في النقطتين التاليتين.
2 ) موقف جبهة البوليساريو
بمجرد شروع الآليات والشاحنات المغربية في تعبيد الطريق البري، الذي يخترق الجدار الرملي جنوب غرب إقليم الصحراء الغربية، توفر لها بعض الوحدات العسكرية والشبه عسكرية الحماية الأمنية، عملت جبهة البوليساريو على إخبار بعثة الأمم المتحدة للمينورسو ومكتب الأمين العام للأمم المتحدة بمستجدات الوضع الميداني،الذي من شأنه أن يفاقم من الوضع الأمني والسياسي، ليس فقط في منطقة الصحراء الغربية وإنما في منطقة الساحل والصحراء، وبضرورة تحمل مسؤوليتها كاملة كونها المسؤولة عن إدارة المنطقة، ويتعين عليها بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي منع أي خرق لبنود اتفاق وقف إطلاق النار، والاسراع باتخاذ الخطوات الضرورية لردع ومنع مثل هذا العمل.
بالموازاة مع ذلك، عملت جبهة البوليساريو على تحريك وحدات عسكرية، من الناحية العسكرية المتاخمة للحدود مع معبر الكركرات، محملة بأسلحة من تقدم الأليات والشاحنات المغربية المكلفة بتعبيد الطريق البري،اعترضت طريقها وحالت دون إتمام مسافة الستة (06) كيلومترات، لم يفصل بين الجانبين سوى مائتي (200) متر، ثم شرعت في إحداث نقطة تفتيش تشرف على مراقبة وتتبع حركة العبور، كمظهر من مظاهر ممارسة السيادة على ذلك الحيز الجغرافي.
عمد مكتب الأمانة الوطنية لجبهة البوليساريو خلال الفترة المشمولة (شتنبر 2016 وأبريل 2017)، بكونه أعلى هيئة تقريرية في هياكلها، على عقد جلساته بكيفية منتظمة للتداول في الوضع الميداني وتفاعلاته الداخلية والخارجية والعسكرية والأمنية والسياسية، واتخاذ القرارات اللازمة قبل أن تقرر إعادة انتشار قواتها في المنطقة، كحل توج لجهود بذلتها العديد من الدول الأعضاء في مجلس الأمن سواء الدائمين منها أو غير الدائمين.
نبهت جبهة البوليساريو إلى الخطورة التي من شأنها أن تنجم عن الخرق المغربي المتعمد لاتفاقية وقف إطلاق النار، وخاصة منها الاتفاق العسكري رقم 1 في منطقة الكركرات، مؤكدة أن إحداث أي معبر على مستوى خط وقف إطلاق النار أو حركة تنقل عبره، هو بحد ذاته انتهاك صريح لها، مطالبة بالتحرك العاجل لتطبيق مضمون قرار مجلس الأمن الدولي لسنة 2017، لمعالجة المسائل الناجمة عن الخرق المغربي في الكركرات، والشروع في مسلسل المفاوضات المباشرة بين الطرفين (جبهة البوليساريو، المملكة المغربية).
3 ) موقف الأمم المتحدة
منذ نشوب أزمة الكركرات وفق الخلفية السابق ذكرها، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق السيد “بان كي مون”، عن انشغاله العميق حيال الوضع المتوتر في منطقة الكركرات، وحث طرفي النزاع على وقف أي عمل يمكن أن يغير الوضع القائم في إقليم الصحراء الغربية أو يؤدي إلى التصعيد بينهما، داعيا إلى سحب كل المعدات العسكرية والعناصر المسلحة لتجنب أي تصعيد عسكري في المنطقة، واحترام اتفاق وقف إطلاق النار وتمكين بعثة المينورسو من الشروع في مشاورات مع طرفي النزاع (المملكة المغربية وجبهة البوليساريو) حول الوضع في المنطقة، مشددا على أهمية احترام الطرفين لالتزاماتهما الموقعين عليها في الاتفاق العسكري رقم 1، وعلى ضرورة احترام بنود اتفاق وقف إطلاق النار لسنة 1991.
بمجرد استلام الأمين العام الأممي الحالي السيد ” أنطونيو غوتيريس” لمهامه خلافا للسيد “بان كي مون” أعرب عن قلقه العميق إزاء تزايد التوترات في محيط الكركرات في المنطقة العازلة، وفق ما ذكره المتحدث باسمه بتاريخ 25 فبراير 2017، الذي أشار إلى أن عناصر مسلحة مغربية وأخرى تابعة لجبهة البوليساريو، لا يزالون على مقربة من بعضهم البعض منذ شهر آب/ أغسطس 2016، تشرف بعثة المينورسو على مراقبته بإقامتها لوحدة متنقلة بين الجانبين، داعيا الطرفين إلى التحلي بأقصى درجات ضبط النفس،وإتخاذ الاجراءات اللازمة لتجنب تصعيد التوترات من جانب الجهات العسكرية أو المدنية، ولا ينبغي اتخاذ أي إجراء قد يشكل تغييرا للوضع الراهن في القطاع العازل.
لقد حث السيد “غوتيريس” بقوة الأطراف على سحب جميع العناصر المسلحة من القطاع العازل دون شروط وفي أقرب وقت ممكن، لخلق بيئة مواتية لاستئناف الحوار في سياق العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، والتمسك بالتزاماتها بموجب اتفاق وقف إطلاق النار وإحترام نصه وروحه.
وهو ما استجاب له الطرف المغربي مباشرة بعد المكالمة الهاتفية التي أجراها العاهل المغربي مع الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 26 فبراير 2017، في حين أعادت وحدات جبهة البوليساريو العسكرية انتشارها في المنطقة، تلبية لطلب غوتيريس وأعضاء مجلس الأمن ودول الجوار بتاريخ 29 أبريل 2017،الشيء الذي حظي بترحيبهم.
اعتمد مجلس الأمن الدولي بالإجماع قراره رقم 2351 المتعلق بالصحراء الغربية أواخر شهر أبريل 2017، قدمت مشروعه الولايات المتحدة الأمريكية، أكدعلى الحاجة للاحترام التام لاتفاقيات العسكرية التي تم التوصل إليها مع البعثة بشأن وقف إطلاق النار، وضرورة الامتثال الكامل لتلك الاتفاقيات.وفي ذات الصدد أقر مجلس الأمن بأن أزمة الكركرات تثير قضايا أساسية تتعلق بوقف إطلاق النار والاتفاقيات ذات الصلة، مشجعا على استكشاف السبل الكفيلة بمعالجة تلك القضايا من خلال التعاون الكامل مع بعثة المينورسو، التي تعتزم المحافظة على وضعها في القطاع العازل، وعلى إجراء مزيد من المحادثات مع الأطراف بشأن عمل البعثة المستقبلي، في المراقبة بالمنطقة والقضايا المرتبطة بالقطاع العازل.
ثانيا: مستقبل معبر الكركرات في الحسابات الاقليمية
لم تنتهي أزمة الكركرات وفق ما كان منتظرا مع المصادقة على القرار الأممي رقم 2351 لسنة 2017، الذي حث على ضرورة إعادة النظر في الاتفاق العسكري رقم 1، وهو ما لم يحدث لاعتبارين أساسيين، يتعلق العامل الأول بتأخر تعيين المبعوث الأممي الجديد السيد “هورست كولر” لمدة ستة أشهر بعد انتهاء مهام سلفه السيد “كريستوفر روس” شهر مارس 2016، بحيث لم يعين المبعوث الحالي سوى يوم 08 غشت 2017. فيما يرتبط العامل الثاني بغياب تفعيل القرار الأممي الأخير، خاصة في الجانب التقني المرتبط بمعاجلة القضايا التي أثارتها أزمة الكركرات، الناجمة أساسا على تغيير بعض الوقائع على الأرض لم تكن حاضرة خلال فترة إبرام اتفاقية وقف إطلاق النار سنة 1991.
تشكل هذه الاعتبارات أسس من شأن الاستناد عليها في استشراف مستقبل معبر الكركرات، في ظل الظروف السياسية التي ترهن حل قضية الصحراء الغربية، وفق مقاربة تضمن تمكين شعبها من حقه في تقرير المصير:
1 ) اعتماد معبر الكركرات كآلية للضغط لكسب منافع سياسية
انتهت أزمة الكركرات عشية إصدار قرار مجلس الأمن رقم 2351 لسنة 2017، بإعادة انتشار قوات جبهة البوليساريو التي كانت مرابطة في الجانب الجنوبي من الجدار، بعد شهرين من سحب المغرب لوحداته وآلياته وإعادتها إلى وضعها السابق، دون أن تنتهي تفاعلاتها بشكل نهائي ما دام القرار الأممي لسنة 2017 لم يجد حيزه في التنفيذ، وفق ما علق عليه أطراف النزاع تطلعاتهم وخاصة جبهة البوليساريو والدول الداعمة لموقفها داخل مجلس الأمن الدولي.
عبر العديد من مسؤولي جبهة البوليساريو وفي أكثر من مناسبة، إلى أن بقاء الوضع على ما هو عليه، من شأنه أن يعيد الوضع في معبر الكركرات إلى سياق الأزمة، ولكن هذه المرة بمبادرة من جبهة البوليساريو، عكس ما حصل في الأزمة الماضية التي تسببت فيها المملكة المغربية، حيث “أكد السيد البخاري أحمد”مندوب جبهة البوليساريو في الأمم المتحدة، من أن “أزمة الكركرات” يمكن أن تتكرر في غياب مسار سلام يحدد الطريق نحو تسوية نهائية لقضية الصحراء الغربية، لأن “أزمة الكركرات لا تمثل سوى نقطة من دائرة كبيرة تتطلب حلولا لعمق المشكل”.وعلى نفس الصعيد أكد سفير جبهة البوليساريو المعتمد في الجزائر السيد “بشرايا بيون” من أن “استمرار الجمود السياسي وفشل مجلس الأمن في الدفع بعجلة مسلسل السلام هو دافع حقيقي لكركرات ثانية، وأن حل “أزمة الكركرات” تم مقابل ضمانات تحريك مسلسل السلام الأممي لحل قضية الصحراء الغربية، وفي غياب ذلك يدفعنا إلى اتخاذ “إجراءات أكثر راديكالية”.
من جانب آخر اعتبر أحد الباحثين المغاربة سعيد الصديقي من أن “التوتر سيبقى قائما وسيتجدد ما لم تتم إعادة النظر في مضمون الاتفاق العسكري رقم 1، لأنه يتضمن بنود تقيد حرية المغرب في التحرك جنوب وشرق الجدار الرملي، الذي يعد وفق لذلك منطقة عازلة إلى جانب مسافة خمسة كيلومترات خلفه”.
لقد عمل ممثلو الأمين العام للأمم المتحدة في بعثة المينورسو في الصحراء الغربية، سواء السابق منهم السيد”فولفغانغ فايسبرود فيبر”أو الحالي السيدة”كيم بولديك”، على تبني منهجية واضحة لتحيين الاتفاقيات العسكرية والتقنية، لتكيفها مع المتغيرات التي طرأت على الوضع الميداني، غير أنها لا زالت لم تقر نجاعتها، بعد أن تم الاشارة إليها في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة في سنة 2012و 2013، على اعتبار أن حالة الجمود التي تطغى على الجانب السياسي تؤثر بشكل أو بآخر على تحين الاتفاقيات العسكرية والتقنية.
تساهم كل هذه الاعتبارات مجتمعة في إبقاء معبر الكركرات، أداة في الضغط والابتزاز السياسي يستغلها كل طرف لكسب نقاط على حساب الطرف الآخر، أو جعلها وسيلة لتحصيل امتيازات سياسية على حساب الأمم المتحدة، تستثمر إما في التعجيل بتحقيق تقدم ملموس يسهم في بلوغ تسوية نهائية لقضية الصحراء الغربية، أو تسخيره نقيض ذلك في تأخير بلوغ التسوية المأمولة وتقويض الجهود الأممية في هذا الشأن.
2 ) ثانوية معبر الكركرات نحو افريقيا
أثر تأزيم الوضع في معبر الكركرات الحدودي على الوضع الاقليمي في الدول المجاورة، بالنظر لتفاعلاتها البنيوية مع عقدة الصراع في الاتحاد المغاربي، عملت النقطة الحدودية للجمارك الموريتانية على التراجع عن المكان الذي كانت تستقر به منذ سنة 2000 (تاريخ إحداث معبر الكركرات)، إلى حيث تتواجد حدودها الجغرافية والسياسية، مما أثار الكثير من الجدل السياسي والأمني بين صناع القرار في المغرب، فيما أثار ارتياح لدى نظرائهم في قيادة جبهة البوليساريو.
أعادت الطريق البرية “تندوف – شوم” الرابطة بين تندوف جنوب الجزائر، والزويرات شمال شرق موريتانيا، التلويح بتجدد تأزم الوضع في منطقة الكركرات، لاعتبارات تتعلق أساسا بالتأثيرات المحتملة على معبر الكركرات، في حالة الشروع في اعتماد هذا الطريق، وانعكاسات ذلك على الاقتصاد المغربي وحركة العبور نحو أفريقيا، مما سيعيق الرهان المغربي على أفريقيا سياسيا واقتصاديا وتنمويا، ويجعلها حسابات لم تأخذ بعين الاعتبار التطورات التي تعرفها منطقة الصحراء الغربية وتفاعلاتها مع محيطها الاقليمي، لتعصف بالعديد من النتائج والمحصلات التي استند عليها صانع القرار المغربي في رسم توجهاتهم نحو القارة الأفريقية، بدءا بالانضمام إلى الاتحاد الأفريقي في قمة أديس أبابا يناير 2017، وعقد شراكات استراتيجية خلال زيارات العاهل المغربي للعديد من دولها، إبان جولته الافريقية نهاية سنة 2016 وبداية سنة 2017.
ترتبط طريق “تندوف شوم” بتوجه استراتيجي ومستدام سهرت عليه الحكومة الجزائرية منذ سنة 2010، لجعل الجزائر المعبر الرئيسي نحو أفريقيا،يخترق الجزائر في اتجاه العمق الأفريقي ويصلها بستة دول (تونس، موريتانيا، مالي، النيجر، تشاد، ونجيريا)، رصدت لأجله مبالغ مالية مهمة، وانصبت الجهود والاهتمامات من طرف مختلف الفاعلين السياسيين والاقتصاديين، لاعتماده كخيار استراتيجي للربط بين الجزائر وأفريقيا.
إن مسايرة هذا التوجه، قد تجعل من معبر الكركرات مسألة ثانوية للعبور نحو أفريقيا، خاصة في ظل التوتر السياسي الذي تمر به العلاقات بين الرباط ونواكشوط منذ خمسة سنوات، يكرسه تدهور الوضع الأمني بعد اتهامات هذه الأخيرة للمغرب باغراقها بالمخدرات، ومشاركته في محاولة اغتيال الرئيس الموريتاني محمد عبد العزيز شهر أكتوبر 2012، مما قد يؤدي إلى غلقه من جانب واحد (موريتانيا)، لكونه غير مؤسس على أي اعتبار قانوني، ويخالف بنود اتفاقية وقف إطلاق النار بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو وفق مقتضيات الاتفاق العسكري رقم 1.
سيتضرر الاقتصاد المغربي بشكل كبير في حالة اعتماد هذا التوجه، كما ستتضرر المملكة بمستوى أكبر من الناحية السياسية، قد “تكسر الحلم” الأفريقي الذي أسست عليه سياستها الخارجية منذ سنة 2014، وخلقت لأجل ذلك شراكات إقتصادية وتجارية قد لا يسعفها الموقع الجغرافي للوفاء بالتزاماتها، ما سيكلفها الكثير سياسيا وإقتصاديا.
خاتمة:
إن الاستفادة من الوضع القائم في إقليم الصحراء الغربية، والعمل على تغيير بعض الوقائع الميدانية خلال فترة ما بعد توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار سنة 1991، أصبحت محل اهتمام كبير من لدن الأمم المتحدة، أكدها قرار مجلس الأمن رقم 2351 لسنة 2017، حيث ستشرف ممثلية البعثة الأممية لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) على عقد اجتماعات تقنية لتحيينها بما يتوافق مع جوهر القضية.
سيتأثر معبر الكركرات بالتطورات التي تعرفها المنطقة في المستويات السياسية والأمنية، وما يصاحبها من تغييرات استراتيجية قد تعصف به، مقابل اعتماد الطريق الجزائري – الموريتاني والطريق الجزائري – المالي وطريق الجزائر- النيجر، كمعبر استراتيجي نحو افريقيا، الذي يمتد على مسافة عشرة ألاف (10000) كيلومتر.
وفي ظل غياب منهجية واضحة تجمع أطراف النزاع في الصحراء الغربية (المملكة المغربية وجبهة البوليساريو) على طاولات المفاوضات، للاتفاق على حل ينهي أمد النزاع في المنطقة التي تجاوزت إثنين وأربعين (42) سنة، بما يضمن حق شعب الصحراء الغربية في تقرير مصيره، ستتجدد الحسابات والتكتيكات التي من شأنها أن تؤثر في وضعية معبر الكركرات القانونية والسياسية والأمنية، لجعله إما معبرا نحو حل قضية الصحراء الغربية، أو عقدة لتأزيمها وتقويض حلها بما يرهنها (قضية الصحراء الغربية) لسنوات أخرى من النزاع الذي طال أمده .
اعداد: د. العربي بجيجة.
باحث في القانون العام والعلوم السياسية المركز الديمقراطي العربي.
المركز الديمقراطي العربي في الشرق الاوسط.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *