كلمة رئيس الجمهورية، الأمين العام للجبهة، بمناسبة الذكرى الـ 42 لإعلان الجمهورية ، 27 فبراير 2018
ولاية السمارة ، 27 فبراير 2018 (وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة) - القى اليوم الثلاثاء رئيس الجمهورية ، الأمين العام لجبهة البوليساريو السيد ابراهيم غالي كلمة خلال اشرافه على انطلاق الاحتفالات المخلدة للذكرى الـ 42 لاعلان الجمهورية الصحراوية .
بسم الله الرحمن الرحيم
السيدات والسادة،
أود في البداية أن أرحب بكل الأشقاء والأصدقاء الذين يحضرونهذا الاحتفال، والقادمين من كل أنحاء العالم. من الجزائر الشقيقة، الحاضرة بوفد عالي المستوى، يقوده السيد أمومن مرموري، والي ولاية تندوف. ومن جنوب إفريقيا التي نهنئ رئيسها السيد ماتاميلا رامافوزا على انتخابه رئيساً للبلاد، ونشكره على رسالة التهئنة التي وجهها للشعب الصحراوي في عيده الوطني. كما أحيي الوفود القادمة من موريتانيا الشقيقة ومن إسبانيا وإيطاليا وفرنسا والسويد والدانمارك وتونس وهولندا وألمانيا وغيرها.
ها هو الشعب الصحراوي يحتفل بمرور اثنين وأربعين عاماً على قيام الدولة الصحراوية، كتجسيد ميداني وأبدي لإرادة كل الصحراويات وكل الصحراويين، أينما تواجدوا، في العيش بحرية وكرامة على كامل ترابهم الوطني.
إننا ونحن نخلد هذا الحدث لنقف قبل كل شيء وقفة ترحم وإجلال على أرواح كل شهيدات وشهداء القضية الوطنية، وفي مقدمتهم مؤسس الدولة الصحراوية، شهيد الحرية والكرامة، الولي مصطفى السيد، والرئيس الشهيد محمد عبد العزيز الذي قادها على مدار أربعين عاماً.
وإنها لمناسبة لنستحضر بكل تقدير وعرفان تضحيات شعبنا التي قدمها بشجاعة وسخاء، بكل فئاته ومكوناته، بشبابه ورجاله ونسائه، في كل مواقع تواجده، و في المقدمة، اليوم كما بالأمس، مقاتلو جيش التحرير الشعبي الصحراوي.
اثنان وأربعون عاماً من عمر هذه الدولة الفتية تنقضي اليوم، حافلة بالمكاسب والانتصارات، على مختلف الواجهات والمستويات. لقد تعزز البناء المؤسساتي للدولة الصحراوية وتمكنت في وقت وجيز من إرساء الأسس العصرية للإدارة والتسيير، واستطاعت أن تقهر ظروف الحرب والتشريد واللجوء لتصنع تجربة متميزة في تاريخ البشرية. إن وجود الهيئات التنفيذية والتشريعية والقضائية للدولة الصحراوية، وعملها جنباً إلى جنب، في تعاطي يطبعه الانسجام والتكامل، يعكس ليس فقط قدرة هذا الشعب على مسايرة التطورات ولكن على تحليه بالوعي والنضج والمسؤولية.
الجمهورية الصحراوية اليوم حقيقة وطنية، قارية ودولية لا رجعة فيها، تحتل مكانتها باقتدار كعضو مؤسس في الاتحاد الإفريقي، حيث تساهم بانتظام في تنفيذ استراتيجيات وخطط وبرامج المنظمة القارية، خدمة للسلام والاستقرار والازدهار للشعوب والبلدان الإفريقية، في أفق تجسيد أجندة 2063.
وإننا لنسجل بتقدير موقف شعوب إفريقيا وبلدانها التي أكدت من جديد، عبر قرارات الاتحاد الإفريقي، تشبثها الكامل بضرورة تصفية الاستعمار نهائياً من القارة، ودعمها المطلق لحق الجمهورية الصحراوية في استكمال سيادتها على كامل ترابها الوطني. وقد برهنت إفريقيا غير ما مرة على ذلك، ما تجلى في إفشال محاولات مغربية متكررة للمساس من مكانة الدولة الصحراوية، وبالتالي من مصداقية المنظمة القارية، في مناسبات عديدة في مالابو ودكار ومابوتو والقاهرة وغيرها. وشكلت مشاركة الجمهورية الصحراوية في القمة الخامسة للشراكة بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي انتصاراً لكفاح الشعب الصحراوي العادل، ومنعطفاً بارزاً في تكريس الموقف الإفريقي المبدئي الموحد.
على المملكة المغربية أن تستخلص الدرس جيداً، وأن تدرك بأن إفريقيا لن تقبل أبداً أي مظهر من مظاهر الاستعمار على أراضيها. على المملكة المغربية أن تستوعب بأن انضمامها إلى الاتحاد الإفريقي، جنباً إلى جنب مع الجمهورية الصحراوية، هو إقرار بالواقع الوطني الصحراوي الذي لا يمكن نكرانه أو القفز عليه، وأن هذا الانضمام لا يمكن أن يكون أبداً مطية لتشريع الاحتلال اللاشرعي لأجزاء من بلد أفريقي.
على المملكة المغربية أن لا تطمع يوماً في أن تتخلى إفريقيا عن الأسس التي قام عليها الاتحاد الإفريقي، أو أن تتساهل مع أي طرف يحاول المساس من وحدتها وانسجامها أو التلاعب بقوانينها ومبادئها. على المملكة المغربية أن تعي جيداً بأنها ملزمة، كبقية أعضاء الاتحاد، باحترام مقتضيات قانونه التأسيسي للاتحاد. وفي إطار تطبيق هذا القانون وقرارات الاتحاد، بما فيها قرارات القمة الثلاثين، المنعقدة شهر يناير المنصرم، فإن الجمهورية الصحراوية مستعدة للدخول فوراً في مفاوضات مباشرة مع جارتها المملكة المغربية من أجل حل النزاع القائم بينهما، بتطبيق قرارات الشرعية الإفريقية والدولية، وفي مقدمتها احترام حق الشعوب في تقرير المصير والاستقلال، واحترام الحدود الموروثة غداة الاستقلال.
كما أن قرار المحكمة العليا لجنوب إفريقيا بأحقية الدولة الصحراوية في ثرواتها يعد تحولاً مهماً، من شأنه دعم المكاسب التي تحققت في المعركة القضائية والقانونية ضد النهب المغربي لثروات بلادنا الطبيعية، في انسجام مع القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. وفي هذا السياق بالذات، كان قرار محكمة العدل الأوروبية في ديسمبر 2016 كلمة فاصلة، بتأكيده على الوضع القانوني للصحراء الغربية، باعتبارها بلداً منفصلاً ومتميزاً عن المملكة المغربية.
وقد أصدرت محكمة العدل الأوروبية هذا اليوم، 27 فبراير 2018، قرارها بشأن اتفاقية الصيد البحري بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المغربية. ورغم قيام بعض الأطراف، بما فيها داخل الاتحاد الأوربي نفسه، بمحاولات للتأثير على قرار قضاة المحكمة، إلا أن القرار جاء تأكيداً لقرار المحكمة السابق في ديسمبر 2016، ومنسجماً مع مقتضيات القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، والذي أكد على ضرورة موافقة الشعب الصحراوي، عبر ممثله الشرعي والوحيد، جبهة البوليساريو، على أي استغلال للثروات الطبيعية للصحراءِ الغربية. إن هذا القرار الجديد انتصار جديد ليس فقط لحق الشعب الصحراوي وكفاحه العادل، ولكن للشرعية ولقيم العدالة وحقوق الإنسان التي تأسس عليها الاتحاد الأوروبي نفسه.
وفي وقت نلح فيه على ضرورة تحمل الاتحاد الأوروبي لكامل المسؤولية تجاه حل النزاع الصحراوي المغربي، وعدم تشجيع المملكة المغربية على انتهاكاتها وإفلاتها من العقاب، فإننا نتوقع من مفوضية الاتحاد الالتزام الكامل بالقانون الدولي والقانون الأوروبي، وبالتالي التقيد بقرار محكمة العدل الأوروبية، والامتناع عن توقيع أي اتفاق مع المملكة المغربية، يمس الأراضي أو المياه الإقليمية للصحراء الغربية.
السيدات والسادة،
في احتفالاتنا لهذا العام، نشهد العديد من الفعاليات التي تعكس قوة التضامن الدولي مع كفاح شعبنا العادل، على غرار تظاهرة صحراء ماراطون الدولية التي تطورت مع مرور الوقت، واقترنت بتخليد ذكرى قيام الدولة الصحراوية، وشهدت تزايداً ملحوظاً في عدد المشاركين، أفراداً وبلداناً، من مختلف قارات العالم. وإضافة إلى الفعاليات المعروفة، الثقافية والرياضية وغيرها، نسجل هذا العام تنظيم الندوة الدولية للمقاومة السلمية، التي تحمل اسم الشهيد ديدا اليزيد، رحمه الله.
وبهذه المناسبة، لا يمكن إلا أن نحيي جماهير شعبنا في الأرض المحتلة وجنوب المغرب والمواقع الجامعية التي لم تتوقف يوماً عن صنع فصول رائعة من المقاومة السلمية، في وجه قمع ووحشية وحصار دولة الاحتلال المغربي. وإذ نترحم على محمد الأيوبي وجميع شهداء انتفاضة الاستقلال، فإننا نحذر الأمم المتحدة والعالم من تبعات السياسات الخطيرة التي تنتهجها دولة الاحتلال المغربي ضد المواطنين الصحراويين العزل عامة، والنشطاء الحقوقيين والمعتقلين السياسيين خاصة. نعيد التذكير هنا بأن هذه السياسات تنذر بفصل جديد من الإبادة الممنهجة التي مارسها المغرب منذ اجتياحه العسكري لبلادنا في 31 أكتوبر 1975، وخاصة بالنظر إلى الحالة المزرية للمعتقلين السياسيين جراء ظروف الاعتقال وممارسات التعذيب والتضييق والإهمال.
ونحن نجدد استعداد الطرف الصحراوي للتعاون مع جهود الأمين العام للأمم المتحدة، السيد أنطونيو غوتييرش، ومبعوثه الشخصي، السيد هورست كوهلر، لاستكمال تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية، فإننا نطالب بالتدخل العاجل لإطلاق سراح معتقلي اقديم إيزيك ومعتقلي الصف الطلابي وامبارك الداودي ويحي محمد الحافظ إيعزة وجميع المعتقلين السياسيين الصحراويين في السجون المغربية. لقد حان الوقت لاتخاذ خطوات ملموسة لضمان أمن وسلامة هؤلاء المعتقلين وجميع المواطنين الصحراويين العزل إزاء الممارسات المغربية التي تستهدف حياتهم ووجودهم، بما في ذلك الإسراع في إيجاد آلية أممية لحماية حقوق الإنسان في الصحراء الغربية ومراقبتها والتقرير عنها. كما أن عدم وقف النهب المغربي للثروات الطبيعية الصحراوية وعدم تفكيك الجدار العسكري المغربي، الجريمة ضد الإنسانية، يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني في الصحراء الغربية.
السيدات والسادة،
الجمهورية الصحراوية وهي تحتفل بمرور اثنين وأربعين عاماً على قيامها، تفخر اليوم بعلاقاتها الدولية الواسعة، وتعتز أيما اعتزاز بأشقائها وأصدقائها وحلفائها في كافة أنحاء العالم. ولا يمكن أن تمر مناسبة كهذه دون أن نجدد آيات العرفان والتقدير والامتنان إلى الجزائر الشقيقة، بقيادة فخامة الرئيس المجاهد عبد العزيز بوتفليقة.
الجزائر الأبية التي لم تتردد في تبني القضية الصحراوية ودعمها ومساندتها، على غرار كل قضايا التحرر في العالم، في موقف منسجم تمام الانسجام مع مثلها ومبادئها ومع الشرعية الإفريقية والدولية. كما أننا مرتاحون لمستوى علاقات الأخوة والصداقة والجوار والتعاون والتنسيق التي تربطنا بموريتانيا الشقيقة.
وإننا نتوجه بالتحية إلى كل أعضاء الحركة التضامنية الدولية مع كفاح الشعب الصحراوي في إسبانيا وأوروبا والعالم، مؤكدين على المسؤولية القانونية والتاريخية والأخلاقية للدولة الإسبانية تجاه استكمال مسار تصفية الاستعمار وتقرير المصير في الصحراء الغربية. كما نناشد الدولة الفرنسية التوقف عن تبني الموقف المنحاز إلى الأطروحة التوسعية الاستعمارية المغربية، ودفع المغرب إلى الامتثال لتطبيق قرارات الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، للتوصل للحل العادل والدائم، بتمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه، غير القابل للتصرف أو التقادم، في تقرير المصير والاستقلال.
الشعب الصحراوي يبعث في هذا اليوم رسالة سلام ومحبة إلى شقيقه الشعب المغربي، ويؤكد للعالم بأن الدولة الصحراوية المستقلة السيدة على كامل ترابها الوطني ستكون دعامة حقيقية للسلم والاستقرار والتنمية في المنطقة، وستساهم بكل تعاون في تحقيق آمال وطموحات بلدان وشعوب المنطقة، في كنف الاحترام المتبادل وحسن الجوار.
الدولة الصحراوية المستقلة هي الحل. قوة، تصميم وإرادة لفرض الاستقلال والسيادة. شكراً والسلام عليكم.