جدلية الشعار والممارسة
استهوىتني كثيرا، الشعارات التي تبنتها الجبهة الشعبية منذ ميلادها حتى اللحظة , خلال تلك المحطات التي تقف فيها من حين لآخر، من أجل "استعراض"، ما لديها من طاقات أمام الملأ , ولأجل تحديث أساليب التعبئة والتحريض كمقومات لعناوين لمراحل معينة , ويعود سبب إثارة الموضوع هو ذلك الشعار المرصع بألف رسالة لما يحمله من دلالة , انه : "الشعار والممارسة هما اللذان يحددان هوية الفرد ", واليوم تستوقفنا تلك الهوة السحيقة التي تفصل بين النظرية والممارسة، في ضوء "طوباوية" الأولى، و"براغماتية" الثانية. فيظل الشعار مثل موج عات يتعالى ويتراقص وسط البحر، وسرعان ما يصل إلى اليابسة، ليتكسر عند أول صخرة، غير أن هناك شعارات احتفظت بديمومتها لحسن اختيار مفرداتها , ولقراءة طريقها عبر نظرة تنبؤية لتطورات القضية الوطنية , فظلت هذه الشعارات صالحة للاستعمال زمنا طويلا , فكان شعار , لا وجود لغير الشعب ولا تنظيم إلا التنظيم السياسي , والشعار والممارسة هما اللذان يحددان هوية الفرد , من أولى الرسائل التي تحتفظ بها شعارات الجبهة الشعبية .
غير أن هذا الشعار الذي هو محل الوقفة ، وجدت نفسي منشغلا به، دون مجاملة أو انتصار لمن أبدعه ، ربما لأنه نضال مستمر لحماية الفرد من التردد , أو الانكسار , كونه يقترب من واقعية المناضل والقائد أكثر فأكثر، فليست لدي أي معطيات عن طَريقة نَسج شعار كهذا استطاع أن يعمر طويلا بمتلازمة نضالية عالية , لكني مجبر على الاعتراف بعبقرية الكلمات المكونة له، التي ليس همها الأساسي العناية بالجرس المُوسيقي للمفردات، والحرص على بلاغة اللغة، أكثر من اهتمامه بالجوهر، بل إنشادا للبساطة والموضوعية المطلوبة في الإطار .
إن تلك الشعارات بدءا من : بالبندقية ننال الحرية , مرورا بحرب التحرير تضمنها الجماهير , ولا استقرار ولا سلام قبل العودة والاستقلال التام , كفاح مستمر لفرض الاستقلال الوطني والسلم , وكفاح والتحام من اجل الاستقلال الوطني والسلام , كل الوطن أو الشهادة , وصولا إلى شعار الدولة المستقلة هي الحل , كلها رسائل لا يمكن النظر إلى نصها بمعزل عن ظرفيتها ، وربطها بتطورات القضية الوطنية التي تستحضر السياق العام , كسياق استثنائي، بالنظر لما يعيشه العالم من أحداث , وتطورات تعصف بالنظام وشعاره بين الفينة والأخرى , لا سيما بعدما ما صار يعرف بربيع العرب .
شعارات الانتفاضة ... مقارعة وأصالة
تميزت شعارات انتفاضة الاستقلال بكلمات بسيطة ، ومأْلوفة لدى المتلقي، وتناغمت مع الزي الصحراوي المتميز لتعلن تبني أسلوب النضال المتواصل، بدل المؤقت أو "اللحظي"، والهدف كما جاء في شعار، لا بديل لا بديل عن تقرير المصير , حماية الخيار الديمقْراطي لحل القضية الصحراوية , وربطه بتميز الشعب الصحراوي الذي يحتفظ بحقه في تقرير المصير حسب ما تؤكده مواثيق وأعراف الأمم المتحدة ، ويظهر ذلك بجلاء في استعمال التوكيد اللفظي كرسالة غير قابلة للتنازل , لنعرج على شعار : " رغم كل الجبروت نحن شعب لا يموت " الذي تبنته جبهة الأرض المحتلة كاستنطاق لانتهاكات حقوق الإنسان التي تئن مدننا المحتلة تحت وطأتها الاستعمارية. إلى هنا، تعتبر هذه قراءة شبه ظاهرية للشعارات التي ظلت حناجر مناضلي الجبهة الشعبية ترددها , لكن خلفية هذه الشعارات تنطلق من دمجها ببئتها التي نشأت بها , أي قراءة تلك الظروف التي أطرتها , وحافظت على انسجامها مع ثوابت المرجعية النضالية .
بعبارة أخرى أطرت الشعارات ذات الطابع الحماسي خلال مسيرة شعبنا , لأن تظل ممتدة في الزمان والمكان داخل الفضاء النضالي ، مع استحضار ما يجري من تطورات على مستوى القضية الوطنية ، محليا وجهويا ودوليا ، ولعل هذا ما نلمسه كهاجس يشغل بال اللجان التحضيرية للاستحقاقات الوطنية , التي تعكف على صياغة الشعار ودراسة تأثره بالمعطيات السياسية لتحصين الخط التحريري للجبهة الشعبية ، في أفق السعي نحو إنجاح تجربة المزاوجة بين التحرير والبناء .
هذه مجرد ملاحظات، سجلتها سريعا على متن الشعار والممارسة , والتي أعترف بأنها ستظل مجرد قراءة "صحفية" يظل عمقها محدودا، بسبب عجلة الآلة الإعلامية، وطاحونتها التي تستعجل بنات الأفكار للإسهام في استفزاز النقاش ، غير أنها تظل فاتحة لكتابات أكاديمية رصينة , وفي هذا الصدد، كم أتمنى أن يتم الانتباه إلى الشعارات التي ترفعها بعض الهيئات السياسية , باعتبارها تيرمومتر , تقاس من خلاله جدية تنزيل الممارسة على أرض الواقع وتفاعلها معه.
الصحراء الحرة ـ بقلم : عالي أحبابي 24 فبراير 2018