-->

على هامش الارتماء المغربي في احضان التحالف الرجعي مع اسرائيل اي علاقة للبوليساريو مع حزب الله


بقلم: حمة المهدي 
في ظل الازمة التي يتخبط فيها المغرب بعد قرار مجلس الامن الاخير القاضي بضرورة الجلوس مع جبهة البوليساريو على طاولة المفاوضات بدون شروط مسبقة لايجاد حل سياسي للنزاع على الصحراء الغربية، والموقف الافريقي الموحد لدعم عملية تصفية الاستعمار في اخر مستعمرة افريقية ودعوة الدولتين العضوين الجمهورية الصحراوية والمملكة المغربية الى مفاوضات مباشرة لحل النزاع بالطرق السلمية، مع تصاعد الانتقادات الحقوقية والتقارير الدولية حول الانتهاكات المغربية لحقوق الانسان في الجزء المحتل من الصحراء الغربية، والنهب الممنهج للثروات الطبيعية، لم يجد المغرب من مخرج قد يخفف شدة الضغط الدولي سوى الارتماء في احضان التحالف الرجعي العربي الذي تقوده السعودية مع اسرائيل وتنفيذ اجنداته التي كشفها التقارب الإسرائيلي السعودي الاخير في مواجهة ما يسمى الخطر الإيراني، حيث خرج المغرب عن العرف الدبلوماسي في التدرج في قطع العلاقات مع ايران من استدعاء السفير الايراني الى تخفيض التمثيل الدبلوماسي بل جاء القرار المباشر بقطع العلاقات مع إيران وتلفيق جملة من المغالطات اغرب من الخيال ومحاولة الزج بالجزائر في صراعات اقليمية والبحث عن ربط العلاقة بين حزب الله اللبناني وجبهة البوليساريو الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي المعترف بها من قبل الامم المتحدة والمنتظم الدولي، في محاولة يائسة لارضاء التحالف السعودي الامريكي الاسرائيلي، بعدما فشل اسلوب الحياد من الازمة الخليجية التي اشعل ترامب نارها وقطف ثمارها بمئات ملايير الدولارات، ومن اجل توضيح الواضح ووضع النقاط على الحروف في ايديولوجية الثورة الصحراوية نستعرض القراءة التالية لينكشف غطاء الزيف المغربي، وحتى لا نسهب في استعراض الايديولوجيات والمرجعيات الفكرية والدينية التي زعم المغرب ارتباطها بجبهة البوليساريو على مدار العقود الماضية وبالرغم من تناقضاتها، الا ان المغرب حاول ركوب موجهة كل مرحلة دون استحضار سابقتها، لذا سنستعرض المرجعية الفكرية والسياسية لجبهة البوليساريو فبضدها تتضح الأشياء. يتساءل البعض عن هوية الثورة الصحراوية ومرجعيتها الايدولوجيا والفكرية والسياسية المؤطرة لها، وهو سؤال مشروع طالما تعلق الامر بحركة تحرير وثورة مسلحة تنشد التحرر، تتأثر بما يدور حولها من مواجهة بين القوى الثورية وقوى الاستعمار من جهة والأنظمة الرجعية من جهة اخرى وتتقاطع مع بعضها نفس القيم والمنطلقات الثورية، في ظل صراع الايديولوجيات وتنوعها وتصدير الثورة، وبشكل جلي لا لبس فيه تقطع خطابات وممارسات مفجر الثورة الصحراوية الشك باليقين لتؤكد انها ثورة بهوية وإيديولوجية الشعب الصحراوي الذي انطلقت من عمقه، وينبوع معطاء لتضحياته في سبيل اجتثاث الظلم والقهر والاستعمار الجاثم على الصحراء الغربية والمسلط على شعبها من جذوره متخذة الكفاح المسلح اسلوبا لتحقيق اهدافها والجماهير حاضنة شعبية ومحركا لها ووقودا لعطاءاتها والحرية والكرامة شعارا وعنوانا لها. 
فلم يكن الولي يساريا في فكره او اشتراكيا في نهجه ولم يعلنها ثورة شرقية ولا غربية، بل كان متحررا من كل الايديولوجيات السياسية منفكا من الارتباط بأي من المعسكرين الشيوعي والرأسمالي، والأجندات الدولية، وحرب الاجنحة بين الغرب والشرق، معتمدا في فكره وفلسفته الثورية على قدسية رسالة الشعب العربي في الساقية الحمراء ووادي الذهب ومشروعية كفاحه التحرري وإرادته التي لا تقهر. 
تميّزت خطاباته ـ رحمه الله ـ بالاعتزاز بالانتماء للهوية الوطنية، ومنابعها الاصيلة والفهم العميق لتعاليم الدين الحنيف والفخر بتاريخ الشعب الصحراوي الزاخر بالقيم النبيلة ذات الدلالات والمعاني العميقة، وفق تصور فلسفي نادر، يجمع بين الحفاظ على ما هو اصيل من قيم وتراث وثقافة المجتمع ونبذ ما هو دخيل وعالق من ترسبات الاستعمار ومخلفات الجهل والضياع، وتشخيص الواقع المعاش بدقة لا متناهية وضرب الامثلة والاستشهاد بأشياء ملموسة وقريبة من ذهن المخاطب وإيجاد الحلول المناسبة لها والتنبؤ الصادق لكل الاحتمالات التي يمكن ان تواجه مسار الثورة في استشراف يملؤه التفاؤل بالغد المشرق للجماهير مع تواضع منقطع النظير وبساطة في الملبس والمجلس واعتماد أسلوب الرفق واللين في معاملة مختلف شرائح وفئات المجتمع، وهو ما مكن له من القبول وخلّده في قلوب الجماهير لما أتصف به من عبقرية فذة وأخلاق عالية.

ومما يدحض محاولات المغرب تشويه الثورة الصحراوية ووسمها بالشيوعية والردة تارة وبالإرهاب والتطرف تارة أخرى، والعلاقة مع داعش حينا وحزب الله الشيعي حينا اخر، تشبُع الولي بهوية شعبه العربي المسلم، واستشهاده بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية وتأكيد قدسية ونبل الاهداف التي انطلقت من اجلها الثورة الصحراوية في تحقيق الحرية والكرامة لشعب تحاول قوى الرجعية والهيمنة والاستعمار استعباده وفرض الوصاية عليه 

وهنا نجد الولي يخاطب الوازع الديني في الشعب الصحراوي المسلم والترغيب في الجهاد بوضع المقارنة بين من يقاتل في سبيل الله وينخرط في معركة تحرير الوطن وينال شرف الشهادة والأجر عند الله وبين من يقاتل في صف الاستعمار والكفر فيكون مصيره الضياع والهلاك، فيقول "ان العمليات موفقة ابتداء من عملية التفاريتي التي استطاعت ان تعزل نقطة مراقبة يوجد بها مسلمين متعاملين مع النصارى مجندين ضد شعبهم ودينهم، ضد شعب اراد الاستقلال والتحرير، اراد طرد الاستعمار والكفر وحتى وإن تظاهروا بإسلامهم فإنهم منافقين ووجب مقاتلتهم لان الله يقول: ((جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم)) ثم يؤكد ان العملية التي تمت في التفاريتي عزلت مكان النصارى عن المسلمين ويعتبر ذلك تجديد في الخطة، ثم يشيد بسلسلة العمليات التي نفذها المجاهدون في حوزة وأجديرية وأمكالا رغم سقوط عدد من الشهداء إلا ان الخسائر كانت اكبر في صفوف الاسبانيين والعملاء، وهي بشائر يزفها للمجاهدين في سبيل الحق.
ثم يعتمد اسلوب المرونة والحوار مع الذين اختار الاصطفاف مع الاستعمار ضد بني جلدتهم، ويحاول استمالتهم للحق وإقناعهم بان التاريخ سيحكم عليهم وان الجماهير ستلفظهم وتتبرأ منهم حتى يعدلوا عن مسار الخيانة ويصححوا الخطأ الذي ارتكبوه في حق شعبهم، فيقول:"هناك فئة من الصحراويين اضطروا اقتصاديا للذهاب الى المستعمر لتشغيلهم بعد موت مواشيهم ولم يأتوا ليس لأنهم يحبون الاسبان او للدفاع عنهم وإنما من اجل الحصول على قوتهم وقوت عائلاتهم، ولما تم الاعلان عن الثورة اصبح الصدام فيما بينهم وإخوانهم لأنهم اقوى منهم معنويا واقوى منهم في التاريخ وأفضل منهم في عقيدتهم وأكثر فائدة وأفضل عقيدة في الحرية" فهناك ظروف دفعت البعض الى الحفاظ على مصالحه مع المستعمر لكن المصلحة الكبرى والتي يمتد نفعها ليعم الصحراويين جميعا هو توحدهم حول هدف الاستقلال الوطني وصون كرامتهم، لان الاستعمار سيرحل يوما ما وستبقى الخيانة وصمة عار تلاحق كل من تعاون معه او ساعد في إطالة عمره. 
ثم يحذر من الخيانة وجزاء أي خائن يعمل ضد مصالح الشعب وإرادته ووجوب مجابهته "هنا لم يعد الفرق وارد بين النصراني او اليهودي الذي يقول انه مسلم او يصلي. إما ان يوافق على استقلال هذه الدولة وأنها دولة الشعب وتخدم مصالحه او انه انسان ضد الشعب وتتم محاربته بأي شكل من الأشكال.
ومن تجليات الفكر المرتبط بهوية الشعب وعقيدته الاسلامية فقه الولى في تفسير بعض القضايا المرتبطة بالدين ونورد على سبيل المثال تحديده لماهية المنكر ومراتب وشروط تغييره، وان يكون بقدر مسؤولية التكليف التي يحددها الدين الحنيف ويستشهد الولي على ذلك بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "من رأى منكم منكرا فليغيره ..فعمر بن الخطاب كان يغيره بيده انطلاقا من مركزه في إمارة المؤمنين وولي امر المسلمين ولديه قدرة التغيير باليد .. فإن لم يستطع فبلسانه (الفعل غير ممكن) فإن لم يستطع فبقله وذلك اضعف الايمان فمثلا عجوز لم تعد قادرة على فعل شيء وتلاحظ المنكر ورغم ذلك فإنها غير قادرة على فعل شيء ومع ذلك فإن قلبها ينكر ويرفض هذا المنكر على الاقل" 
وفي تسلسل فكري يتطرق الولى الى استهداف المستعمر لبعض القيم الاصيلة في المجتمع ومحاولته التأثير عليها بالإغراءات والرذائل التي روجها لتخدير العقول وصرف انظار الصحراويين بها عن الالتحاق بالثورة والانشغال بتحرير وطنهم ويستعرضها الولي في جملة من الامثلة "عندما اعلنت الثورة تولد الوعي بان وطننا قبل بطوننا وكرامتنا قبل بطوننا، تاريخنا قبل بطوننا وكذلك بالنسبة للشباب الذي حاول المستعمر تغييبه عن الثورة عن طريق فتح البارات والمراقص والخمور" وبالرغم من هذا كله تفطن المستعمر ان الثورة اصبحت واقعا وان الحياة لم تعد بشكلها وان الرجل الحي هو الذي يموت من اجل وطنه ويطبق اوامر الله واحتياجات وطنه" ليخلص الولي الى ان الثورة اصبحت تتقوى يوميا والاستعمار يضعف يوميا كما ان الثورة اصبحت نوعيتها تتغير فبدلا من المناشير اصبح هناك عمليات قتل للإسبانيين المحتلين ومطاردة عملائهم...
وبخلاف ما يحاول الاحتلال المغربي ترويجه من تأثر مفكر الثورة الصحراوية بالفكر الشيوعي او الماركسية اللينينية او الالحادية التي تَعتبر الدين افيون الشعوب، خاطب الولي شعبه باللغة التي يفهمها والأسلوب الذي يلامس واقعه ويؤثر فيه، والمتمعن للأسلوب الخطابي الذي استخدمه مع الجماهير الصحراوية ومرجعيته الفكرية يجد ارتباطا وثيقا بهويتها وشحذ مشاعرها بقيم التضحية النابعة من الدين والتاريخ البطولي للشعب الصحراوي وقدرة الشهيد الولي على الاستشهاد بالآثار والأحاديث النبوية وانتقاء النصوص الشرعية وتبسيطها بالشرح المستفيض يعكس سعة اطلاعه وقدرته على الاستنباط ووضع الشواهد في محلها واستخدامها للإقناع والتأثير في المخاطب ما يجعلنا عاجزين عن الاحاطة بكل الدلالات والمغازي التي يقصدها بضرب هذه الامثلة والنصوص الدينية ويثبت من جهة اخرى انه ابن بيئته ويحمل نفس منطلقات شعبه ولم يتأثر أبداً بما هو مناقض مع ثوابته ليكون بحق المفكر الذي استطاع الجمع بين الثورة في سياقها التحرري العالمي والحفاظ على خصوصية شعبه وهويته وجعلهما محفزا ومعلما من معالم الطريق التي تنير الدرب نحو تحقيق الهدف المنشود. 

Contact Form

Name

Email *

Message *