-->

بعد تاجيلها. انطلاق الانتخابات البلدية بتونس بالسماح لاول مرة منذ الاستقلال بتصويت أفراد القوات الأمنية والعسكرية


تأتي الانتخابات البلدية التي انطلقت يوم الأحد بتونس، استكمالا للمسار الانتقالي الديمقراطي الذي وصفه المجتمع الدولي بأنه "خطّوة هامة"، و "صفحة تاريخية" في الانتقال الديمقراطي لهذا البلد.
و تعتبر هذه الاستحقاقات - التي تأجلت لمرات عديدة، لأسباب سياسية، أو لدواع أمنية -، أول انتخابات بلدية بعد الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس زين العابدين بن علي مطلع عام 2011.
و قطعت الديمقراطية الناشئة في تونس خطوة "نوعية" نحو بناء نظام ديمقراطي، يستدعي المزيد من الوفاق بين مختلف النخب السياسية. إذ تم خلال هذه المرحلة الانتقالية تم تحقيق العديد من الإنجازات، أهمها إصدار دستور "متميز" للبلاد، بالإضافة إلى المصادقة على القانون الانتخابي وبقية المؤسسات الدستورية.
و للمرة الأولى منذ استقلال تونس، صوت أفراد القوات الأمنية والعسكرية في هذه الانتخابات لاختيار ممثليهم بالمجالس البلدية، إذ كان النظام السابق في تونس، يحظر على قوات الأمنية و العسكرية التصويت باعتبار أن عليهم البقاء بعيدا تماما عن الحياة السياسية. لكن بعد ثورة 2011، تم إنشاء نقابات خاصة بالشرطة تطالب بحقوقهم المدنية.
ويجيز القانون الانتخابي الجديد لقوات الأمن والجيش التصويت فقط في الانتخابات البلدية، في اقتراع سيسمح بترسيخ الانتقال الديمقراطي في البلد.
و كشفت انتخابات المجلس التأسيسي التي جرت في تونس بعد الثورة عن مشهد سياسي جديد، إذ قاد تحالف إسلامي (حركة النهضة) وعلماني (حزبا المؤتمر والتكتل) الفترة الانتقالية الأولى، في ظل ظروف وصعوبات اقتصادية وأمنية، وضغوطات سياسية داخلية وإقليمية دفعت به إلى الابتعاد عن السلطة لصالح حكومة كفاءات وطنية.
و شهدت تونس منذ ثورة عام 2011، إجراء ثلاث انتخابات هامة تعتبر "أول تجربة ديمقراطية " تحققت في المنطقة العربية، تتويجا للمسار الانتقالي، كان أولها في نهاية العام نفسه، انتخاب مجلس تأسيسي، ثم في عام 2014 تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية أشاد بها المجتمع الدولي، من حيث إشراف هيئة مستقلة عليها- الهيئة العليا للانتخابات-، ومشاركة أغلب الأطياف السياسية فيها، وتميزها بالشفافية والنزاهة.
ففي 23 أكتوبر 2011 ، أقبل التونسيون بكثافة على صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في أول انتخابات حرة في تاريخ بلدهم. وانبثق عن الاستحقاق الانتخابي الذي نظم بعد 9 أشهر من الثورة، "المجلس الوطني التأسيسي" الذي اضطلع بمهمة صياغة دستور جديد للبلاد.
و تصدّرت نتائج الانتخابات "حركة النهضة" -التي كانت محظورة في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي، وتم الاعتراف بها رسميا في مارس 2011- ، إذ حصلت على 89 مقعدا من أصل 217 يتكوّن منها المجلس التأسيسي، متقدمة على "حزب المؤتمر من أجل الجمهورية" (يسار قومي) بزعامة المنصف المرزوقي بـ29 مقعدا و الذي انتخبه فيما المجلس الوطني التأسيسي، رئيسا للبلاد، في حين كلّف نائب زعيم حركة "النهضة" حمادي الجبالي بتشكيل الحكومة.
في 26 يناير عام 2014 ، أقرّ المجلس الوطني التأسيسي دستورا للبلاد، في ظل اضطرابات سياسية، اغتيالات واعتداءات إرهابية، حيث منح للبرلمان والحكومة صلاحيات واسعة على حساب صلاحيات رئيس الجمهورية، وكرّس مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء في المجالس المنتخبة.
وأدّى إقرار الدستور الجديد إلى تخلي إسلاميي "النهضة" طواعية عن السلطة وتشكيل حكومة تكنوقراطية.
و في نفس العام (26 أكتوبر)، جرت استحقاقات تشريعية لانتخاب مجلس نواب الشعب الذي يعد أول برلمان منذ الثورة، بعد تأخيره لسنتين تقريبا عن موعده الأصلي.
وعلى الرغم من المخاوف من حدوث اضطرابات، أو اعتداءات إرهابية ، جرت الانتخابات في ظروف حسنة ، وأشاد بها مراقبون دوليون، ووصفوها بـ"انتخابات شفافة وجديرة بالثقة".
و فاز في هذه الانتخابات حزب "نداء تونس" الذي قدّم نفسه على أنه "مناهض للإسلاميين" و ضمّ سياسيين من اليسار ومن يمين الوسط بزعامة الباجي قائد السبسي، بعد حصوله على 86 مقعدا من أصل 217 مقعدا يتكوّن منها البرلمان، متقدما على حركة "النهضة" التي اكتفت بالحصول على 69 مقعدا.
و شهد نفس العام اجراء انتخابات رئاسية (يوم 23 نوفمبر) فاز بها زعيم "نداء تونس" الباجي قائد السبسي (92 عاما) بأغلبية (55،68%) على حساب الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي.
و قررت آنذاك حركة "النهضة"- التي لطالما عارضت مبدأ انتخاب الرئيس بالاقتراع العام المباشر- عدم ترشيح أي ممثّل عنها، مشيرة إلى أنها تترك لأنصارها حرية الاختيار "لانتخاب رئيس يضمن الديمقراطية".
و منذ تلك الانتخابات، فان الحكومات المتعاقبة تضم ممثلين عن أبرز أحزاب البلاد وشخصيات مستقلّة.
و بالرغم من التحديات السياسية و الأمنية والاقتصادية، فان المسار الانتقالي في تونس يسعى إلى التجاوب مع المتطلبات السياسية في إرساء نظام ديمقراطي حقيقي تتطلع إليه فئات اجتماعية واسعة، وخصوصا الشباب الذي يعاني من بطالة مستفحلة، بالإضافة إلى الإرهاب وتحقيق الاستقرار و استرجاع هيبة الدولة والتحكم فى الاسعار وإعادة بناء الاقتصاد التونسي.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *