في ذكرى وقف اطلاق النار بين جبهة البوليساريو والمغرب هل تعود الحرب من جديد؟
تمر اليوم 6 سبتمبر ذكرى اتفاق وقف اطلاق النار بين الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب "البوليساريو" والمملكة المغربية، وهو عمر تواجد بعثة الامم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو)، تبين بفعل التجربة بان العالم يتعامل مع القضايا الدولية مثل تعامله مع وجبات الغذاء، يفضل ويقدم "الوجبات الساخنة" على سواها ضمن "اجندة انتقائية" تحركها المصالح السياسية والاقتصادية في مقامها الاول والاخير، بحسب المراقبين .
وامام استفزازات المغرب الاخيرة وتحركاته العسكرية في المناطق الصحراوية المحتلة وتعزيز قوته وعتاده هناك يبقى خيار الحرب مطروحا لدى جبهة البوليساريو التي تنتظر سنوات السلم العجاف وهي مكتوفة الايدي عن تجهيز جيش التحرير الشعبي الصحراوي، ان تاتيها بحل ينهي معاناة الشعب الصحراوي المفتوحة منذ الغزو المغربي للصحراء الغربية1975.
وفي ظل المستجدات الدولية يطرح المراقبون لمسار التسوية في الصحراء الغربية، السؤال عن "مصداقية" الامم المتحدة ليس فقط في حماية القانون الدولي، بل وايضا في "جدوائيتها" في ظل عالم تسيطر عليه مصالح دولية وتتحكم في صياغة اجندته "انتقائية" غير مسبوقة في توظيف المشروعية وفق "ازدواجية معايير" سواء في تطبيق احترام حقوق الانسان والمشروعية الدولية و حتى في تعريف مفهوم ما هي انساني دون سواه : ففي الوقت الذي كان فيه المواطن الصحراوي يتعرض "للتطهير العرقي" في مخيم اكديم ازيك يوم 8 نوفمبر 2010 وبعدها في مجازر خطيرة في حق الصحراويين العزل كان العالم "مغيب" وبعثة المينورسو غير قادرة على ولوج المخيم مع بقية المراقبين الذين منعوا من دخول الاقليم رغم ان الاقليم يقع تحت المسؤولية المباشرة للامم المتحدة بحسب مقتضيات مخطط التسوية الذي وافقت عليه المغرب وجبهة البوليساريو سنة 1991
ويتساءل المراقبون لماذا يتم الدوس على حق مشروع وطبيعي في تقرير المصير لمواطن، هنا في الصحراء الغربية، وفي منطقة اخرى من العالم تقام الدنيا ولا تقعد لاجل تطبيق ذات القرارات الصادرة عن مجلس الامن سواء في حماية المواطنين او في تطبيق عقوبات على المارقين على المشروعية الدولية.
بعد 29 سنة من بدء وقف اطلاق النار بين جبهة البوليساريو والمغرب، تحت اشراف الامم المتحدة الذي تم يوم 6 سبتمبر 1991 بعد جهد جهيد ومفاوضات "عسيرة وشاقة" انخرط فيها المجتمع الدولي ، بخاصة الامم المتحدة ومنظمة الوحدة الافريقية قرابة عشرين سنة ، حيث التأمت اكثر من اجتماعات ومفاوضات ثنائية وثلاثية في عواصم عالمية،وان بقيت غير مباشرة وعبر الوساطة الدولية منذ اول اتصال بين جبهة البوليساريو والمملكة المغربية سنة 1979، لكن دون تحقيق نتيجة ملموسة بفعل سياسة "العراقيل المغربية وارادة التعنت"
رغم ان اليد الصحراوية كانت "ممدودة" للسلام ، بحسب "التنازلات السخية" التي قدمها الطرف الصحراوي والتعاطي الايجابي في اكثر من مناسبة بحسب مسؤولي جبهة البوليساريو، الا ان القضية لم تصل عتبة البند السابع لتبقى تراوح مكانها ضمن بند المقاربة السياسية والدبلوماسية
وهكذا تظل دار لقمان على حالها:مفاوضات ..وعود .. في غياب فعل وطني حقيقي يقفز بالقضية الى "مصاف الحسم" ويحررها من "مأزق" الجمود الراهن ويطلق العنان لمرحلة جديدة، كان مخيم اكديم ازيك قد ارخ لمنعرجها من الداخل مع بداية ربيع الثورة العربية، كما قال الكاتب وعالم اللسانيات الامريكي، نعوم تشومسكي
ذلكم انه رغم الاتفاقات الموقعة بين جبهة البوليساريو والمملكة المغربية في هيوستن سنة 1997، بعد موافقتهما على مخطط التسوية لتنظيم الاستفتاء سنة 1991، فالرباط كانت في كل مرة "تنكث" عهودها و"تخرق" التزاماتها امام المنتظم الدولي وتعود لنقطة الصفر محمية بالرعاية الفرنسية على مستوى مجلس الامن وغض الطرف من بقية الدول الفاعلة في ظل "ترجيح" كفة المصالح الاقتصادية على المشروعية الدولية
فمنذ سنة 1991 مع وقف اطلاق النار جرت مفاوضات "عسيرة" حول الهئية الناخبة واليات تنفيذ الاستفتاء ووقع الجانبان اتفاقيات ابرزها اتفاقيات هيوستن التي ابرمتها المملكة المغربية وجبهة البوليساريو تحت اشراف الامم المتحدة وبواسطة من كاتب الدولة الامريكي الاسبق جيمس بيكر(هيوستن 1987) المتضمنة لترتيبات واليات تنفيذ خطة التسوية(تجميد نشاط القوات العسكرية، أسرى الحرب، عودة اللاجئين ، الاتفاق على سلطة الأمم المتحدة خلال الفترة الانتقالية،تحديد الهوية وتنظيم الاستفتاء)
ومنذئد جرت مياه كثيرة في ظل تطورات متسارعة ، كان ابرز معالمها اعلان الهئية الناخبة 2000 بعد لملحمة تحديد الهوية، لكن الرباط رفضت النتيجة، واكثر من ذلك ان المملكة المغربية رفضت مقاربة بيكر الشهيرة القائمة على مرحلة انتقالية (حكم ذاتي لمدة 5 سنوات قبل تنظيم استفتاء لتحديد الوضع النهائي للاقليم) كما اقترحه بيكر في خطته المقدمة سنة 2003 والتي وجدت القبول من لدن جبهة البوليساريو ومباركة في مجلس الامن الدولي
في سنة 2004،اعلنت الرباط رفضها لخيار "الاستقلال" ضمن اية مقاربة لحل النزاع، مما حذا بمجلس الامن الى الدعوة لمفاوضات بدون اية شروط مسبقة سنة2006 في اعقاب تقديم جبهة البوليساريو والمغرب لمبادرتيهما اللتين تواجدان على طاولة المفاوضات
و مع انطلاق المفاوضات في جولتها الجديدة،يونيو 2007بمنهاست ، بدأت الامم المتحدة ارادة في تقريب وجهات نظر الطرفين ، لكن ظل المغرب متمسكا برفض خيار "الاستقلال" ضمن اية مقاربة للحل، بينما اعلنت جبهة البوليساريو، قبول الاستفتاء عبر طرح خيارات متعددة (الاستقلال ، الحكم الذاتي او الاندماج في المغرب) مقدمة ضمانات و تنازلات بما فيها الاستعداد لتقاسم "فاتورة" تكاليف النزاع والاستغلال المشترك للثروات وحق المستوطنين في التملك واكتساب الجنسية الصحراوية بحسب رسالة الضمانات التي سلمتها البوليساريو للمغرب خلال جولة مانهاست
ورغم وضعية الجمود، لكن الطرفين واصلا دراسة " الافكار" المعروضة في المقترحين اللذين سبق تقديمهما من لدن جبهة البوليساريو والمغرب منذ 2007 ، لكن لم يحظ اي منهما بالموافقة كاطار "وحيد " للتسوية كما اوضح كريستوفر روس في ختام الجولة الثامنة من تلك المفاوضات يوليو الفارط
براي الملاحظين فان عدم احراز " تقدم جوهري" في طريق تطبيق استفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية مرده "تعنت" الرباط "وفقدان" ارادة سياسية في حل النزاع في ظل غياب ورقة "ضغط ملموسة " مما يجعل المفاوضات بالرغم من اتفاق الطرفين والامم المتحدة على مواصلتها بعد دورة الجمعية العامة، تبقى تدور في حلقة "مفرغة" ما لم تغيير موازين القوى على الارض او تدخل رافعة جديدة تحرك المياه الراكدة