-->

العلاقات الاسبانية المغربية تدخل مأزق جديد بسبب الصحراء الغربية المحتلة

يوشك شهر سبتمبر على نهايته ولا يبدو في الأفق المنظور أن رئيس الحكومة الإسبانية سيزور المغرب، كما روجت لذلك الصحافة الإسبانية الشهر الماضي.
وكان رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، قد قطع مع تقليد سياسي سار عليه كل رؤساء الحكومات الإسبانية منذ الانتقال الديمقراطي ويتمثل ذلك التقليد في اختيار المغرب كأول محطة خارجية يزورها رئيس الحكومة، حيث فضّل سانشيز أن تكون فرنسا أول دولة يزورها في 22 جوان الماضي لتتوالى بعد ذلك جولاته الخارجية أوروبيا وحتى خارج القارة العجوز، إذ أجرى سانشيز جولة في أمريكا اللاتينية في الـ27 من الشهر الماضي شملت كلاًّ من الشيلي وبوليفيا وكولومبيا وكوستاريكا، وإلى حدّ الآن لا يبدو أن رئيس الحكومة الإسبانية يفكر في زيارة المغرب بسبب الأزمة السياسية الصامتة بين البلدين والتي بدأت تطفو على السطح مع برودة ظاهرة في العلاقات السياسية بينهما.
ولا يتعلق الأمر برئيس الحكومة فقط، بل يتعداه ليشمل المؤسسة الملكية الإسبانية التي لا زالت تنتظر موافقة الرباط على تحديد موعد لزيارة ألغيت مرتين متتاليتين دون ذكر الأسباب، فحتى اللحظات الأخيرة قبل حلول يوم الثالث من جانفي الماضي، كان ملك إسبانيا فيليب السادس سيزور المغرب، لكن في اللحظات الأخيرة تم إلغاء الزيارة ولم يتم توضيح الأسباب، بينما ذكر الديوان الملكي الإسباني أن الزيارة تم تأجيلها إلى غاية شهر مارس الماضي.
حان موعد الزيارة في شهر مارس لكن تم تأجيلها للمرة الثانية دون تحديد الأسباب الحقيقية التي أدت إلى ذلك، وبعد إلغاء زيارة مارس الماضي لم يتم تحديد أي موعد جديد رغم إلحاح المؤسسة الملكية الإسبانية لتحديد موعد للزيارة غير أن نظيرتها المغربية لم تستجب لذلك، بسبب طول مدة عطل الملك المغربي التي يقضيها خارج البلاد.
وقد تجاوزت الأزمة بين البلدين النطاق الدبلوماسي إلى التجاري، حيث اتخذ المغرب في الفاتح من أوت الماضي قرارا أحاديا ومن دون استشارة مدريد بغلق المعبر التجاري لمدينة مليلية، ما أدى إلى خسائر اقتصادية معتبرة تكبَّدها رجال الأعمال من الطرفين وساهم في خنق المدينة اقتصاديا.
ويرى بعض الخبراء الاقتصاديين الإسبان أن المبررات التي ساقتها السلطات المغربية هي غير مقنعة وأن الأمر يتعلق بخروج الأزمة السياسية الصامتة بين الرباط ومدريد للعلن. وكان المغرب قد عرض على المستوردين تفريغ بضائعهم في ميناء قرب الناظور، بدل مليلية، مقابل تخفيضات تصل 30 بالمئة وقد صاحب ذلك إغلاق المعبر التجاري مع المدينة.
وتعدُّ مدينة مليلية هي الوحيدة التي تمتلك معبرا تجاريا مع المغرب وهو المعبر الذي تم فتحه بطلب من المغرب سنة 1956، أي مباشرة بعد نيله الاستقلال، لحاجة المغرب إليه لتصدير المعادن من مناجم منطقة الريف التي لم تعُد موجودة اليوم.
ويرجع متابعون هنا في مدريد أسباب انزعاج الرباط من الحكومة الإسبانية الاشتراكية التي وصلت إلى الحكم مطلع شهر جوان الماضي بعد حجب الثقة عن الحكومة اليمينية السابقة، تعود بالدرجة الأولى إلى مواقف الأحزاب المتحالفة مع الحكومة؛ فإذا كان الحزب الاشتراكي الحاكم يمتلك 84 مقعدا فقط من أصل 350 من مقاعد البرلمان الإسباني، فإنه بحاجة إلى دعم أحزاب اليسار لتمرير القوانين عبر البرلمان ولمحاولة إكمال ما تبقى من العهدة قبل إجراء انتخاباتٍ عامة سنة 2020، ويرى متابعون أن ما يغضب الرباط في التحالف الحكومي هو مواقف الأحزاب اليسارية والقومية التي تدعم بشكل مباشر القضية الصحراوية كحزب بوديموس الذي يمتلك 67 مقعدا والذي طالما دافع عن القضية الصحراوية وله مواقف جد متقدمة، إذ التقى زعيمه بابلو اغليسياس سنة 2014 الرئيس الصحراوي الراحل محمد عبد العزيز، كما زارت زعيمة الحزب بالأندلس، تيريزا رودريغيث، مخيمات اللاجئين الصحراويين قبل أشهر ونددت بموقف الحكومة الإسبانية من القضية الصحراوية.
أما الأحزاب القومية فهي الأكثر دفاعا عن القضية الصحراوي باسبانيا، نظرا لما ترى فيه من تطابق في القضايا، فالحزب القومي الباسكي يعدّ من الأحزاب الأكثر مساندة للقضية الصحراوي سواء إنسانيا أم سياسيا ولم تتوقف زيارات مسؤوليه ولقاءاتهم مع قادة جبهة البوليساريو، والأمر نفسه ينطبق على حزب اليسار الجهوري الكتلاني الذي ساند الحكومة الاشتراكية وله مواقف جد متقدمة من القضية الصحراوية.
كل تلك الأسباب جعلت الرباط تصعِّد في الأزمة بينما لا تحاول مدريد معالجة الأمر، رغم حاجتها للمغرب في ملفات كثيرة لعل أهمها الهجرة والتبادل التجاري والتنسيق في مجال مكافحة الإرهاب. لكن تماسك الحكومة الإسبانية ومحاولتها إرضاء حلفائها في الداخل أهم من إصلاح العلاقات مع المغرب التي تزداد برودة يوما بعد يوم.
المصدر : رأي اليوم - الصحفي البشير محمد لحسن

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *