وجهة نظر في منظومة التعليم والتربية
إنتهت الندوة السنوية للتعليم والتربية قبل أيام ، وبالكاد لم يلتفت اليها الا المعنيون بتنظيم الحدث وبعض المتتبعين للشأن العام ، كما أنهت قبلها اللجنة الوزارية (لجنة من أطر وزارة التعليم والتربية) إعداد الوثيقة التي تضمنت أبرز الحلول للنهوض بهذا القطاع الذي يتعدى صفة الأهمية ، وبغض النظر عن الهدف والغاية من تنظيم هذه الندوة وبغض النظر عن النتائج التي خرج بها القائمين على المنظومة التربوية من الندوة ومن خلاصات اللجنة ،ومع إحترامي وأحتفاظي بالجهد الرسمي والشعبي المبذول بغية إستدراك الإخلالات المسجلة في هذا القطاع الأكثر من ضروري ، غير أني أرى ان كل مقاربة تهدف الي إحداث نقلة نوعية وإيجابية على مستوى التعليم والتربية يجب أن تنطلق في إعتقادي من ثلاثة محددات رئيسية هي الدولة ،الوزارة الوصية والأسرة أي المجتمع فبين أضلاع هذا الثالوث تكمن تفاصيل النهوض بالقطاع التربوي ، وسأتناول هذه المحددات كل من موقعه .
المحدد الأول : واجب الدولة .......
كثيرا ماتظل الحكومة ساعات وهي عاكفة على سبل تفعيل البلديات بالأراضي المحررة، والحديث عن العجزة والمسنين وعرضا لطريقة توزيع الخيم ، و البحث في اليات النهوض بجيش التحرير الشعبي وموجز حول التنمية ،ومشاكل الأئمة وخطب الأعياد وسبل النهوض بوزارة الوظيف العمومي والأفراد ،وتزداد أهمية الإجتماع وتكثر المداخلات عند تناول موضوع التجارة وخطة المحروقات ، ويتمطط الإجتماع لتجد مؤسسة الهلال الاحمر والصحة العمومية حيزا من تركيز الحضور، قبل أن يعرج الإجتماع على الحالة الفنية للصهاريج و ضرورة الحفاظ على البئية، ومنها الي واقع الإعلام الجواري والمديريات الجهوية للثقافة ،مرورا بإستعراض الحالة الأمنية ولمحة عن العمل الخاريجي و أفاق التعاون ، دون أن يغفل الإجتماع عمل المديرية الوطنية للتشريفات وورقة في برنامج تشغيل الشباب مع الإحتفاظ بالهامش المتروك لعمل المنظمات الجماهيرية وشئ من واقع الأرض المحتلة ومن البديهي أن يحضر المجلس الوطني تصريحا أو تلميحا .
فأين التعليم من كل هذا؟ .. بل أين كل هذا من التعليم ....؟
في الإجابة تكمن مسؤولية الدولة عن هذا المحرك الذي لايتحرك ، وعن موقعه في أولوياتها وهي وحدها المسؤولة عن النهوض به من خلال تحريك وتوظيف كل الهياكل الأخرى لخدمة المنظومة التربوية دون إحداث خلل في نسق ومهام هذه الهياكل، ومع إني أؤمن والكثيرين غيري بأهمية وضرورة كل الأجهزة والهيئات ، ومع هذا يبقى إضفاء صفة الاهمية على هيكل معين وصفة المهم على أخر حقا حصريا للدولة ،وهوماينطبق أيضا على الحلول والمعالجات التي يحتاجها كل هيكل ،وهذا مايحتم على الدولة ترتيب أولوياتها تبعا للأهمية وفي واقعنا يضاف اليها الحاجة من عدمها لهيكل بعينه ، فكيف تتعامل الدولة مع مشاكل وعراقيل المنظومة التربوية ؟ في ظل هذا الكم من الهياكل مصحوبا بإمكانيات محدودة ، وهل تكتسي حلول تلك المشاكل في سياسة الدولة صفة الضرورة و الإستعجال بالمقارنة بمشاكل باقي القطاعات؟ وكيف تثبت الدولة أنها فعلا تولي عناية خاصة بقطاع التعليم ؟ وهل تراعي الدولة شيئا مختلفا أو على الأقل تستحضرأهمية وحيوية القطاع قبل تعيين وزيرها للتعليم ؟
يجب على الدولة أشخاصا ومؤسسات أن تجد السياسة المناسبة التي تُخرج بها المنظومة التربوية من الموقع الذي تحتله داخل كومة القطاعات الأخرى (وزارة كغيرها من الوزارات) وتنقلها الي وزارة ليست كالوزارات ، وإنطلاقا من إيمان الدولة نفسها بمحدودية الإمكانيات ومن الإجماع الحاصل بالأهمية القصوى للتعليم فإن الدولة في إعتقادي ملزمة برسم سياسة جديدة تتمثل في :-
1/جعل من المنظومة التربوية أستثناءا في الخطط والبرامج والمتابعة والمنابر والتحفيز، وهي ملزمة أيضا بأن تعطي الإنطباع بأن التعليم أكبر من أن يُختزل في وزارة .
2/ إدراج التعليم (المنح والتكوين) في برنامج وزارتي الخاريجية والتعاون فلا ضير في بحث الممثلين والسفراء عن فرص للتعليم بالخارج وهو ما قد يزيد من فرص حضور القضية خارجيا على المستوى الشعبي .
3/ البحث عن الصيغة المناسبة لإشراك أمانة التنطيم السياسي بشكل مباشر في النهوض بالنظومة التربوية من خلال تحريك القنوات السياسية القاعدية كالأمناء الأساسين و المحلين والعراف ،وإلزام المنظمات الجماهيرية بالإنخراط في نفس التوجه من خلال برامج التحسيس على أن تكون هذه الأنشطة جزء من البرامج القارة لهذه الهياكل.
4/ توظيف وزارتي الإعلام والثقافة في خدمة المنظومة التربوية من خلال البرامج الإعلامية والثقافية التي تسلط الضؤ على أنشطة الهياكل السياسية الفاعلة في النهوض بالتعليم وتتناول البرامج التعليمية والتربوية بشكل دوري.
5/ ضرورة إلزام مديرية الشوؤن الدينية بأن تلعب دورها في الضغط بإتجاه كل سياسة تتبنى الرفع من مستوى التعليم والتربية من خلال إستغلال الخطاب الديني في كل المناسبات خصوصا وأن الشواهد الشرعية (القرأن والسنة) التي تنص على ضرورة تحصيل العلم كثيرة جدا .
كما يجب التفكير في إشراك وزارة الوظيفة العمومية في هذه السياسة وهذا ماينطبق على موؤسسة الهلال الاحمر وجميع الهياكل الاخرى والتي يجب على الدولة أن تخلق لها تقاطعا مع المنظومة التربوية حتى وإن لم يكن موجودا وظيفيا ،وهنا تكمن خدمة كل القطاعات للقطاع التربوي دون الإخلال بمهامها وهنا فقط تجسد الدولة الإستنفار الرسمي والشعبي الذي يضع المنظومة التعليمية في المقدمة ولو على مستوى الخطاب (وذلك أضعف الإيمان) .
لايمكن لهذه المعالجات التي تنطلق من كوني متابعا للموضوع ومحكومة بموقعي كمواطن ،أن تتعدى وجهة نظر في موضوع أرى أننا نحتاج فيه للكثير من وجهات النظر كل من موقعه .
وختاما أجزم بأن التعليم ظل حاضرا في كل إجتماع غير أني تعمدت عدم ذكره في زحمة تلك الموؤسسات التي ذكرتها في البداية وأترك لكل مهتم ومتابع ترتيب هذه الهياكل وفق محوري الأهمية والحاجة دون إغفال شح الموارد وخصوصية الواقع ، وأكاد أجزم بأن الجميع سيقولون للقائمين على مختلف القطاعات ( أخلعوا نياشينكم ....وضعوا مشاكل قطاعاتكم جانبا ....فأنتم في حضرة التعليم..).
حمدي أبة