-->

الوحدة الوطنية : غبار الذكرى

نصمت دهرا وننطق كفرا
سلسلة مقالات تتناول الواقع الصحراوي العام
المقال الثالث:
الوحدة الوطنية : غبار الذكرى
إنقضت 43 سنة منذ الإعلان عن الوحدة الوطنية للشعب الصحراوي من طرف الممثل الشرعي والوحيد ورائد الكفاح الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليزاريو)، والتي بدأ معها التحول المنشود والضروري للشعب من حالة التناثر والتشتت إلى حالة الوحدة والتلاحم، وبدا أن القطيعة مع زمن الجاهلية قد حانت، وكل هذا بفضل المبادئ التي تأسست عليها حركة التحرير. ترى  وبعد كل هذه السنوات، هل وصل الشعب الصحراوي إلى الهدف الذي رسمته حركة التحرير؟ وهل أصبح بالإمكان القول أننا أنصهرنا في مجتمع واحد وموحد، وهل فعلا تمت القطيعة بلا رجعة مع زمن القبيلة والجاهلية؟
ما أنبلها من مبادئ، وما أعظمها رسالة، وما أجلها أهداف تلك التي سعت جبهة البوليساريو إلى تجسيدها وإيصالها وتحقيقها، وما أشد المرارة والغصة التي نشعر بها حين نلتفت وراءنا وإذا بدار الأمس لا تزال في مرمى البصر، ورائحة القبيلة النتنة لم تفارق الأنوف، وثقافة الزريبة والحوزة تسيطر على الأذهان وتتغلغل في مفاصل الحركة والدولة.
لقد تناولت هذا الموضوع قبل عشر سنوات من الآن، وكان الأمل يداعبني بأن تغيير سيحدث نحو الأفضل، وتحدثت حينها وقلت، وأتحدث الآن وأقول أن الشعب الصحراوي البسيط كان ولا يزال رائعا ومنسجما ومنصهرا وباحثا عن جسد واحد يجمع فيه شتاته والدليل العلاقات التي نشأت بين سكان المخيم الواحد وبين الطلبة والمقاتلين وفي كل تواجدات المجتمع، ولم يكن يوما الإنسان الصحراوي البسيط سببا في قربنا المستمر من قاذورات القبلية، ولا متسببا في بقاءنا نحوم حول الفضاءات المتخلفة للزمن الغابر.
ومادام الشعب في تركيبته البسيطة قد استجاب وتجاوب وأنصهر وذاب في ما رأته الحركة صوابا وخيرا له ويراه هو (الشعب) الحلم والطريق إلى المجد فمن المتسبب إذن في تأخير وصول القاطرة إلى هدفها؟ ومن المسؤول عن الإستمرار في المراوحة في براثن النتانة؟ ومن الذي عطل مسيرة الوحدة والتوحد؟
التوصل إلى الجواب ليس شاقا ولا مكلفا، إنها النخبة وبعض الإطارات من دائرة السلطة في الحركة والدولة فمن المؤكد أن الشعب في تركيبته البسيطة في دوائر المخيمات لم يتحرك يوما صوب الولاية الإدارية للجبهة (الرابوني) ليدافع عن القبيلة أو يثير النعرات لسبب يتعلق بها، ولكن المؤكد أن أعضاء من النخبة وقيادة الحركة هم من شد الرحال نحو المخيمات الهادئة الموحدة يصرخ ويصيح واقبيلتاه "وللأسف لا يزال هؤلاء يتقلدون أعلى المناصب ويتحكمون في مفاصل الحركة والدولة".
إن المتتبع لمسار حركتنا التحريرية خاصة ما يتعلق ببناء المجتمع سيلاحظ ويشعر بالخيبة، وتغمره المرارة ويغزوه الحزن بسبب التراجع المهول والمعاكس للإتجاه الذي آلت إليه الأمور مع مرور الزمن، وبسبب أنه وبدلا من أن يتقدم المجتمع نحو البناء الراقي الافضل رجع إلى الوراء اكثر من خمسين عاما والأدهى والأمر والذي يدعو للكأبة والغبن أن كل ذلك بسبب مجموعة من الإطارات والنخبة وجدوا في أنفسهم من الشجاعة ما يحرفون به مسيرة ثورة عن سكتها، ويقدمون مصالحهم الضيقة النتنة على مصالح أمة بكاملها ومع ذلك يجرؤون على " الظهور على شاشات التلفاز ويتحدثون على أمواج الراديو عن (ضحيتهم) الوحدة الوطنية، وفي المهرجانات والندوات يتطاير ريقهم على الجماهير التي تعاني المأسي وتواجه النكسات بسببهم" (كلام مكرر عمدا)، ومما يدعو للضيق أيضا أن مركز القرار يصر على الإحتفاظ والتمسك بهم وكأن مجتمعنا لا ينجب.
الصورة العامة لا تخفى على أي كان خاصة ما يتعلق منها بإحترام المبادئ والأسس التي أعلنت البوليزاريو عنها وبسببها (المبادئ والأسس) تهافت الكثير من الصحراويين للإلتحاق بها والإنضواء تحت لواءها، ومن الواجب التذكير والإشارة إلى أن العدو في الجزء المحتل من أرضنا يمارس سياسات قذرة ونتنة مآلها وغرضها العودة بنا إلى ما كنا عليه زمن الجهل والتفرقة، فكيف يجد بعض قادتنا القوة والعذر في ضربنا بنفس السلاح؟ وكيف نسمح لهم بذلك؟ وكيف نتغافل عن قرارات مركز السلطة لدينا بخصوصهم؟ أما آن الأوان للتعامل معهم من طرف القمة والقاعدة وتأديبهم بما يناسب مقامهم المتدني ومعاقبتهم على فرملة قاطرة الثورة.
في الأخير أرغب في التعبير عن الأسى والإحساس بالضياع الذي تسبب فيه ما شاهدناه في المناسبات "للأسف لم تكن إستحقاقات" التي نُظمت في السنوات الأخيرة (مؤتمرات المنظمات الجماهيرية)، من صور فظيعة ومريعة ومدعاة للقرف والتقيؤ والغثيان كونها كانت صورة مصغرة عن ما يمارسه الفاسدين وعديمي الضمائر من النخبة، فقد كان أملنا كبير في الطلبة والنساء والعمال والشباب أن يقلبوا الإناء على قمة الحركة ويفضحوا بتوحدهم تقاعسها وتخليها عن القيم والركائز التي تأسست من أجلها الحركة، ويسببه أيضا (الأسى) التوصل إلى الإستنتاج أننا وخلال قرابة خمسين عاما لا نزال نرواح مكاننا قرب أزبال القبلية ومن يكذب فليسال أي صبي يصادفه عن الموضوع وسيكون في جوابه ما يغني عن اللغة المتخشبة التي يستعملها البعض عند تقييم حال المجتمع، أو ببساطة ليقارن بين لغة ومسميات صبيان المخيم في الثمانينات وما يستخدمونه هذه الايام وحينها سيدرك أين كنا وكيف أصبحنا.
ونختم بالدعاء أن لا يكون المؤتمر الشعبي العام القادم والقريب نسخة كربونية باهتة لما سبقه من مؤتمرات وخاصة ما يتعلق بتصرفات وسلوكات بعض أعضاء القيادة، وممارسة ترسيخ وتشجيع وإستعمال سلاح القبيلة وكأن الأمر مباح، أو كأن المؤتمرين قطيع من الماعز والأبقار لا يضره فرزه وتفريقه بعلامات وتسميات الزمن البائس. 
حمادي البشير

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *