-->

الحلول الزائفة: الحكم الذاتي للصحراويين و الهجرة القسرية للمغاربة.


بقلم: البشير مصطفى مفتاح
على هامش الحديث عن استئناف جولة جديدة من المفاوضات أو المشاورات بجنيف أو سميها كما تشاء، بإشراف مباشر من المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة السيد هورست كولر حول قضية الصحراء الغربية التي عمرت قرابة نصف القرن، بين طرفي النزاع الرئيسيان جبهة البوليساريو التي تتمسك بضرورة استشارة الشعب الصحراوي في الحل عبر استفتاء حر و مملكة الاحتلال المغربي التي تعرض الحكم الذاتي كسقف اعلى للحل، و في ظل تمسك الطرفين برؤيتهما للحل السياسي الذي تسعى إليه الأمم المتحدة منذ أن احتوت النزاع و أشرفت على وقف إطلاق النار سنة 1991م، تطفو على السطح مع بداية كل مفاوضات الكثير من التكهنات و التصورات داخل الرأي العام الصحراوي و الدولي حول الحل الامثل الذي ينهي هذا النزاع الذي دام لعقود و ينصف الشعب الصحراوي الذي لا زال يعيش في أوضاع مزرية ستبقى وصمة على جبين المنتظم الدولي و على الضمير العربي الذي ولد ميتا.
و إن لم يتم التدارك مع الموقف بحسن نية و انهاء الوضع القائم، فسوف يستمر لعقود اخرى و هو ما يعني للاسف حرمان الشعوب المغاربية من فرص التنمية و الازدهار و التعايش في سلام و هدر المزيد و المزيد من الوقت الثمين و المضي من جهة أخرى في نفس سياسات التخلف و تواصل التهديدات الأمنية و الأزمات الاجتماعية التي تحدق بدول المنطقة، أي أن الضرر هنا جماعي و شامل من استمرار هذا النزاع و خاصة الشعوب المغاربية و منطقة الشمال الإفريقي، التي تزخر بكم هائل من الموارد الطبيعية، في وقت نهضت جل دول العالم الثالث من ويلات التخلف و التحقت بركب الحضارة العالمية رغم ندرة مواردها الطبيعية، بعد أن تعلمت جيدا أن ازدهار الدول يقوم بالضرورة على أساس احترام دول الجوار و سيادتها و إرساء قواعد التعاون الإقليمي و احترام الحدود الموروثة عن الإستعمار.
و للعودة إلى مسار مسلسل السلام الذي تقوده الأمم المتحدة منذ وقف إطلاق بين الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب الممثل الشرعي و القانوني للشعب الصحراوي و مملكة الاحتلال المغربي التي تدعي امتلاكها للاقليم بعد أن سيل غنى المنطقة بالثروات لعابها و استدعى منها الدخول في حرب كان يحسبها الحسن الثاني بأنها ليست الا جولة أسبوعية في اقليمي الساقية و الوادي و استمرت تلك الجولة لأكثر من 42 سنة، تواصلت معها الام و معاناة الشعبين الصحراوي و المغربي.
و السبب الأول و الرئيسي هو جشع النظام المغربي الذي سخر الشعوب و ثرواتها في خدمة غرائزه على حساب رفاهيتها، و قد سبق أن وافق الملك الحسن الثاني على إجراء استفتاء للشعب الصحراوي، لكن سرعان ما أن تم وقف إطلاق النار حتى تنكر لجميع تلك الوعود و عرقل تنظيم عملية تقرير مصير الشعب الصحراوي في وقت كان اللاجئون الصحراويون جنوب غرب الجزائر يستعدون للعودة إلى وطنهم، و في مناورة اولية منه طالب بادراج اسماء المستوطنين المغاربة ضمن قائمين من يحق لهم التصويت في الاستفتاء بعد أن حددت بعثة تقرير المصير في الصحراء الغربية _المينوسو_ السكان الأصليين للاقليم، لان المغرب كان على يقين تام بأن النتيجة النهائية للاستفتاء ستكون الاستقلال و هي نتيجة متوقعة لاي نهاية احتلال، و منذ ذلك الحين و الشعب الصحراوي ينتظر تنظيم الإستفتاء إلي يومنا هذا، و يتجدد الامل مع كل مباحثات رغم الثقة المفقودة لدى جل الصحراويين في المنتظم الدولي و هيئة الأمم المتحدة.
و تقدمت المملكة المغربية سنة 2007 بمقترح الحكم الذاتي من جانب واحد للسكان الصحراويون تحت سيادته و سلطته كحل للنزاع في خطوة غير ديمقراطية، بحكم انها لا تخضع لاستشارة السكان الأصليين (الشعب الصحراوي) و في الوقت الذي يصر فيه المغرب على تقديم هذا المقترح اليتيم و استمراره في التعنت في وجه المواثيق الدولية و القرارات الصادرة عن الجمعية الرابعة لتصفية الاستعمار و توصيات مجلس الأمن الدولي و المنظمات الغير حكومية، و في ظل تغاضيه عن مبادرات الاتحاد الأفريقي الرامية لتنظيم استفتاء حر و نزيه و احترام سيادة الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية و أراضيها، العضو المؤسس و الكامل الحقوق و الواجبات في هذا الاتحاد القاري، و في ظل كل هذه المعطيات تعري سياسات المحتل المغربي جميع حججه لإقناع الصحراويين قبل اقناع المجتمع الدولي بجدية مقترحه الذي ما فتئ أن يقدمه و يتبجحه به في وسائل الإعلام و عبر جهاز دبلوماسيته، فهل يقتنع الصحراويين و يقبلون بسيادة المغرب عليهم ! في وقت هو عاجز حتى عن إيقاف عمليات الهجرة الجماعية نحو أوروبا و إقناع الشباب المغربي الذين يختارون يوميا المجازفة بارواحهم و الارتماء في البحر بحثا عن حياة كريمة في دول اوروبا و قد لا يصلون إلى الضفة الأخرى ؟ 
ففي استطلاع أجراه الموقع المغربي المتخصص في التوظيف Rekrute.com أن عبر فيه 91 %من المغاربة بأنهم مستعدون لمغادرة المغرب والاستقرار في الخارج، مضيفا أن 70 في المئة من المغاربة الذين تقل أعمارهم عن 35 سنة، يريدون مغادرة المغرب من أجل العيش بكرامة.
فالمغرب يعد من أكثر الدول في العالم الذي يهاجر مواطنوه إلى الخارج بحثا عن فرص للعيش الكريم. ففي تقارير دولية مختلفة تصنف الجالية المغربية من ضمن أكبر الجاليات في أوربا وأمريكا الشمالية ودول الخليج، بالإضافة إلى انتشارها في أغلب دول العالم من القارات الخمس.
ومنذ عقود يهاجر المغاربة نحو الغرب عبر طرق سرية مختلفة، فمنهم من يختار ركوب قوارب الموت ومصارعة الأمواج للعبور إلى الضفة الأخرى، ومنهم من يختار مكانا ضيقا بين البضائع التي تحملها الشاحنات التجارية الكبرى.
وأهم أسباب تنامي الهجرة القسرية في الحالة المغربية هو الفقر ومشتقاته المتمثلة في التهميش والحكرة والإقصاء، والناتجة عن سياسة استبدادية فاسدة تستحوذ على الثروة وتترك الفتات وتتزين بتوزيع الوهم في إصلاح الحال والدعوة للتشبث بالآمال.
فخلال سنتي 2017-2018 لقي العشرات من المهاجرين المغاربة حتفهم غرقى، وهي مآساة تتكرر كل سنة بسبب الفقر المنتشر وندرة فرص الشغل، في ظل انتشار الفساد و ارتفاع نسب البطالة و انعدام الحريات الأساسية.
و كيف للمغرب أن يقنع اي صحراوي حتى و لو كان من ازلامه أو ما يسميهم بالمنتخبون أن يقبل باي مقترح تحت سيادة مغرب السماسرة و مغرب الدكتاتوريات، في وقت تعج فيه السجون المغربية من معتقلو الرأي الصحراوي و الريفي، و في وقت تسحل بالنساء و الشيوخ الارض بشوارع العيون و السمارة و الداخلة و بوجدور؟ كيف يقبل اي صحراوي بالعيش تحت سيادة المغرب و هو يتذيل الترتيب في مجال حقوق الإنسان و احترام الحريات ؟ كيف أن يكون له ذلك و معدلات البطالة تبلغ معدلات قياسية في المغرب ناهيك عن المدن المحتلة ! اسئلة واقعية تحرج المغرب قبل أن يخوض في اي نقاش حول اي حل سياسي للصحراء الغربية التي هي ملك لسيدها التاريخي و الابدي الشعب الصحراوي.
و على الشعوب المغاربية أن تنخرط في إرساء دعائم السلم و الاستقرار و انهاء النزاعات التي تحول دون تقدمها من خلال النصوص القانونية الدولية، و لنبني منطقة خالية من الصراعات تبنى على أساس احترام حق الإنسان و على أساس التعاون الذي نسير به معا نحو بناء مستقبل أفضل المنطقة و للأجيال القادمة
اما الاحتلال فعليه أن يعي جيدا بأن زمن استغباء الشعوب قد انتهى و بانه اذا كان قد نجح في احكام قبضته على الشعب المغربي الشقيق المغلوب على أمره، فإن الشعب الصحراوي لم يخضع ابدا و لم يركع الا لرب الخلق سبحانه و تعالى، فلم تثنيه أعتد الدول الاستعمارية عن بلوغ أهدافه في الحرية و العيش بكرامة، و لك ايها الاحتلال في حرب التحرير بين 1975 و 1991 الف عبرة.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *