-->

الإنجيليون الأميركيون.. ماذا يريدون الآن من العرب والمسلمين؟


حين زار وفد من الإنجيليين الأميركيين المملكة العربية السعودية والتقوا بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ثارت التساؤلات بشأن الزيارة وأهدافها، لا سيما أنها جاءت في خضم التفاعلات الدولية الغاضبة بشأن جريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
في نظر البعض كان ذلك وفدا مسيحيا يغتنم فرصة سانحة للتواصل مع السعودية من أجل اختراق الحواجز وإيجاد موطئ قدم للمسيحيين هناك. وفي نظر آخرين، كانت الزيارة أخطر من ذلك في معانيها وأهدافها.
بعد أيام قليلة من الزيارة التي جرت في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، خرج رئيس الوفد الإنجيلي جويل روزنبرغ ليتحدث عن مضامين الزيارة، لكن حديثه كان لوسائل الإعلام الإسرائيلية، وهو ما غلف الأمر بغلاف آخر من الشك. فمن هم أولئك الزوار الإنجيليون؟ وماذا يريدون؟
من هم الإنجيليون؟
كلمة "إنجيلي" هي الترجمة العربية الشائعة لمصطلح "إيفانجيليكل" (Evangelical)، ويُقصد بها في الولايات المتحدة كل الطوائف المسيحية البروتستانتية التي تميزت عن البروتستانت التقليديين بعدد من المعتقدات، أبرزها إيمانها بمفهوم "الولادة الثانية" أو ولادة الروح، ويُعتقد أنهم يشكلون نحو ربع سكان الولايات المتحدة.
يرجع تاريخ الإنجيليين إلى القرن الثامن عشر حين كانت أميركا مجموعة من المستعمرات، لكن هذه الطائفة مرت بتحولات عديدة حتى صارت مشهورة في يومنا هذا بنشاطها السياسي وانخراط كثير من أتباعها في صفوف "اليمين المسيحي"، وتقاطعها فكريا وسياسيا مع إسرائيل والحركة الصهيونية.
ويختلف الباحثون أحيانا في ترجمة كلمة "إيفانجيليكل" التي تتشابه مع "إيفانجيليست"، وهما تشتركان في أصل لغوي معناه الإنجيل. لكن الأولى لها خصوصية أميركية، أما "إيفانجيليست" فتشير تحديدا إلى المسيحيين الذين ينشرون رسالة الإنجيل بهدف التنصير.
لا يوجد إحصاء دقيق للإنجيليين في الولايات المتحدة، وهو ما قد يرجع إلى تنوع التسميات التي يتخذونها لأنفسهم وإلى تعدد فرقهم وكنائسهم، لكنهم بوجه عام يشكلون أكبر كتلة مسيحية في البلاد، ويليهم الكاثوليك، ثم البروتستانت التقليديون (غير الإنجيليين).
إسرائيل وترامب في نظرهم
يؤمن كثير من الإنجيليين بأن المسيح سينزل إلى الأرض لينشئ مملكة الله التي ستستمر ألف سنة من السعادة، كما يؤمنون بأن إسرائيل هي العامل المسرع لأحداث نهاية الزمان، ولذلك فإن دعمها يجب أن يكون من ثوابت السياسة الأميركية، كما يشرح ذلك كتاب "الدين والسياسة في أميركا" للمؤلف الدكتور محمد عارف زكاء الله.
ولكي تتضح خلفية الزيارة الأخيرة للقيادات الإنجيلية إلى السعودية، ينبغي فهم دور الإنجيليين في السياسة الأميركية.
تشير بعض التقديرات إلى أن الرئيس دونالد ترامب حصد في انتخابات الرئاسة 81% من أصوات الإنجيليين البيض.
وتحققت هذه النتائج -التي تفوق ما أحرزه الرئيس السابق جورج بوش الابن الذي وُلد "ولادة ثانية" وفق معتقده- بالرغم من شخصية ترامب التي تتناقض مع كثير من القيم المسيحية، فهو شخص تزوج ثلاث مرات وكان يمتلك نوادي ليلية.
وقد أشارت الكاتبة ميشيل غولدبرغ إلى هذه المعطيات حين كتبت في صحيفة نيويورك تايمز في يناير/كانون الثاني 2017 أن ترامب "غير المتدين" هو "حصان طروادة لليمين المسيحي" الذي يريد السيطرة على السياسة الأميركية.
ولهذا اليمين المسيحي كثير من الشواغل المحلية، لكنه في ناحية السياسة الخارجية يضع نصب عينيه دعم إسرائيل وتقويض أي حراك داخل المجتمعات العربية والإسلامية قد يمثل تهديدا لها بشكل أو بآخر.
في هذا السياق يمكن فهم هوية زوار محمد بن سلمان الذين اختارت صحيفة واشنطن بوست أن تصفهم بوصف دقيق، فهم ليسوا مجرد إنجيليين، بل هم "المستشارون الإنجيليون للرئيس ترامب".
وأشارت الصحيفة إلى أن قادة الإنجيليين البيض يقومون بجهود دبلوماسية في عدة بلدان عربية، فقد التقى الوفد نفسه الذي زار ولي العهد السعودي بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2017. وفي رحلتهم إلى السعودية الشهر الماضي، توقف الوفد أولا في الإمارات لأربعة أيام التقى خلالها قادة الدولة، قبل أن يتوجه إلى السعودية تلبية لدعوة محمد بن سلمان.
وجاءت هذه الجولة في ظل غضبة دولية على القيادة السعودية بسبب اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلده بإسطنبول، وكان هذا أحد محاور النقاش بين الوفد الإنجيلي وولي العهد السعودي.
وكتبت صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن هذه الزيارة قائلة إن "محبّي إسرائيل يمدون يدهم لإنقاذ ولي العهد السعودي"، وتزامن ذلك مع تقرير نشرته "واشنطن بوست" يقول إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي شفعا لمحمد بن سلمان لدى البيت الأبيض في قضية خاشقجي.
رئيس الوفد الإنجيلي إلى السعودية
رئيس ذلك الوفد الإنجيلي "المحب لإسرائيل" هو الكاتب وخبير العلاقات العامة جويل روزنبرغ الذي يحمل الجنسيتين الأميركية والإسرائيلية ويعد أحد المستوطنين في القدس، وسبق أن عمل مستشارا لنتنياهو.
بعد أيام من اللقاء خرج روزنبرغ ليبوح لوسائل إعلام إسرائيلية ببعض ما دار في اللقاء مع محمد بن سلمان.
فقال القيادي الإنجيلي إن ولي العهد السعودي استخدم الاجتماع لنقل رسالة إلى البيت الأبيض وأعضاء الكونغرس الذين يسعون لفرض عقوبات على السعودية؛ مفادها أنه لا يمكن السماح لقضية خاشقجي بأن "تمنعني من كل الإصلاحات التي يجب إنجازها لتحسين حياة الشعب السعودي وحماية أنفسنا من الأعداء.. إيران والإخوان المسلمين والقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية"، وفقا لما قاله روزنبرغ لمراسل القناة العاشرة الإسرائيلية.
وذكر روزنبرغ أن ولي العهد السعودي تحدث أيضا عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكنه طلب من الوفد ألا ينقل هذا الجزء من الحديث إلى العلن.
كما ناقش مع محمد بن سلمان فكرة إنشاء كنائس في السعودية، وقال إن ولي العهد أخبره بأنه لا يستطيع القيام بذلك الآن لأنه سيكون "هدية لتنظيم القاعدة"، ولأن هناك حديثا نبويا يقول "لا يجتمع دينان في جزيرة العرب".
لكنه أضاف أن ولي العهد وعد بأنه سيوعز لعلماء الدين في بلاده لاحقا بالقول إن جزيرة العرب في الحديث ربما تعني مكة والمدينة فقط، أي أنه بالإمكان فتح كنائس في أماكن أخرى بالبلاد.
ميشيل باكمان
من بين الأعضاء البارزين في الوفد الإنجيلي الذي زار السعودية، النائبة السابقة في الكونغرس ميشيل باكمان.
تعد باكمان من الوجوه الإنجيلية البارزة في السياسة الأميركية وأحد أعضاء المجلس الاستشاري الإنجيلي للرئيس ترامب. وكانت عضوة في مجلس النواب الأميركي لعدة دورات، وخاضت محاولة للترشح لرئاسة الولايات المتحدة لكنها باءت بالفشل.
وفضلا عن جولتها الأخيرة، فقد التقت باكمان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ثلاث مرات على الأقل.
أول تلك اللقاءات -وربما أبرزها- كان في سبتمبر/أيلول 2013، حين جاءت مع عضوين آخرين في الكونغرس إلى القاهرة للقاء السيسي -وزير الدفاع آنذاك- في أعقاب الانقلاب العسكري الذي قاده ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي، ومجزرة رابعة العدوية التي تلت الانقلاب.
وكانت تلك الزيارة أول بادرة أميركية معتبرة لتأييد الانقلاب، إذ وقفت باكمان مع زميليها في مؤتمر صحفي عقب اللقاء وراحوا يغدقون الثناء على السيسي ويمتدحون الإطاحة بمرسي وقمع الإخوان المسلمين الذين وصفوهم بأنهم "خطر عظيم" و"عدو مشترك".
التقت باكمان بالسيسي مرة ثانية في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وكانت في تلك المرة ضمن وفد إنجيلي أرسله ترامب إلى القاهرة لبحث عدة ملفات. أما اللقاء الثالث فكان في نيويورك حيث التقى السيسي بقيادات إنجيلية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي.
هذا التواصل الذي لم ينقطع يظهر أهمية الدور الذي يقوم به الإنجيليون، فهم في الداخل الأميركي يسعون للسيطرة على مراكز صنع القرار وتوجيهها، بينما ينشطون في الخارج لدعم وتمكين الأنظمة التي يعتقدون أنها ستكون شريكا مهما في دعم إسرائيل ومحاربة "التطرف الإسلامي" وفق رؤيتهم، لا سيما في أيام فارقة كتلك التي أعقبت اغتيال خاشقجي أو الانقلاب العسكري في مصر.
المصدر : الجزيرة,الصحافة الأميركية,الصحافة الإسرائيلية

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *