-->

معركة أزمول النيران.. اختراق الحزام.


الفيلق الرابع 
الجزء الثاني : معركة أزمول النيران.. اختراق الحزام. 
الكاتب : حمدي ميارة 
مساء الثاني عشر أكتوبر 1984 كان الصحراويون يحتفلون بالذكرى التاسعة لعيد الوحدة الوطنية التي نظمت الاحتفالات الرسمية بها في ذلك العام بولاية الداخلة وفي تلك الأيام كانت هذه الولاية مزدحمة جدا على عكس مظهرها اليوم. 
وفي مخيمات اللاجئين الصحراويين كانت الاحتفالات والاستعراضات وزيارات الوفود الأجنبية الصديقة هي حديث الساعة داخل تلك الخيم التي كانت تبدو في ذلك المساء جميلة ومتناثرة وسط الظلام قبل أن تلوح من أبواب بعضها أضواء خافتة. 
وفي نفس المساء كان آلاف المقاتلين الصحراويين يتحركون بحذر شديد نحو جزء محدد من الجدار الدفاعي المغربي كان قد تم إختياره قبل ذلك بعناية ليكون بداية تداعي أسطورة الجدار الأمني المغربي. 
ومن مسافة غير بعيدة كانت مجموعة الاستطلاع تراقب ذلك الحزام الطويل الذي يمتد متعرجا كثعبان يغوص في الرمال. 
كان الجو بارد نسبيا في وادي أسكيكيمة مكان تحشد الفيلق الرابع للمشاة الميكانيكية الذي تشارك عناصره في الحرب لأول مرة بعد سنتين من التدريب المتواصل. 
لقد تم التحضير لذلك اليوم الشهير بعناية شديدة وعملت القيادة العسكرية على أن يتزامن هذا الهجوم مع تخليد ذكرى الوحدة الوطنية ولعله كان أيضا تذكير بالنصر الساحق في معركة ݣلتة زمور التي وقعت قبل ذلك بثلاث سنوات بالتحديد , لقد تم اختيار نفس اليوم الثالث عشر أكتوبر ليكون موعدا جديدا لكتابة التاريخ وسيكون هذا اليوم بعد ذلك هو بداية هجمة المغرب العربي الكبير وتحطيم ذلك الحاجز الذي كان إلى ذلك المساء يوفر الحماية للجنود الغزاة ويشد معنوياتهم الرخوة. 
في تلك الليلة كان الهدوء يلف وادي أسكيكيمة بشكل غريب رغم وجود مئات المقاتلين المتأهبين على ضفافه ينتظرون ساعة الاقتحام. 
كانت تلك الليلة مهمة جدا بالنسبة للمهاجمين فهم يدركون جميعا أن سمعة المقاتل الصحراوي على المحك,لقد كان هذا الجدار اللعين يقف حاجزا أمامهم منذ سنوات رغم الهجمات المستمرة التي كانت تشن على أطرافه من حين إلى آخر ورغم ذلك لم يتمكنوا من تجاوزه. 
كان الجو العام مشحون بمزيج من التحدي والرغبة العارمة في إحراز نصر ساحق يعيد إلى الأذهان أمجاد گلتة زمور ولبيرات وأريدال وسيكون النصر مضاعفا لو تمكنوا من تحطيم الجدار الرملي وإقبار أسطورته إلى الأبد. 
في ليلة الاستعداد للمعركة يسود وضع خاص يطبعه الترقب والحذر وأضعف الأسباب قد تؤدي إلى فقدان عامل المفاجأة وهذا يعني أن إشعال النيران ومهما كانت الأسباب ممنوع تماما, وبطبيعة الحال سيبيت المقاتلون تلك الليلة بدون عشاء ولا شاي والأنيس الوحيد في ذلك الوادي المشحون وفي تلك الأمسية ,التي عادة ما تكون طويلة هو السلاح. 
يتفرغ المقاتلون في مساء اليوم الذي يسبق المعركة لصيانة أسلحتهم الفردية وتحضيرها للمعركة فلا شيء أصعب من تعطل السلاح أثناء القتال. 
وفي العادة يتم تعيين عناصر المشاة الذين سيتكفلون بتأمين المهندسين المكلفين بفتح الثغرة في الحزام لتسهيل مرور الآليات أثناء المعركة ويقع على عاتق هذه المجموعة عبء المسير على الأقدام لمسافات قد تكون طويلة إضافة إلى التسلل وحماية الثغرة حتى وصول أولى طلائع المهاجمين. 
كانت نقطة الانطلاق نحو المعركة من واد أسكيكيمة حوالي 20كلم تقريبا, وهذه المسافة وإن كانت طويلة بالنسبة للمشاة إلا أن ناقلات BMP1 تقطعها في وقت وجيز وخصوصا أثناء الاقتحام. 
قبل غروب شمس الثاني عشر أكتوبر إجتمعت قيادة المعركة لدراسة آخر التفاصيل التي قدمتها الناحية الخامسة المكلفة بعملية دراسة القطاع وإختيار مكان نقطة الهجوم , وبعد دراسة كل المعطيات المتوفرة تم إعتماد الخطة التالية: 
الناحية الخامسة والكتيبتين الأولى والثانية من الفيلق الرابع في الميمنة (الخالفة العربية). 
الناحية الثانية بفيالقها المدرعة في الميسرة (الخالفة العسرية). 
الناحية الثالثة والكتيبة الثالثة من الفيلق الرابع في القلب (المحرد). 
وتتولى وحدات المدفعية إضافة إلى فيلق الدبابات التابع للناحية الثانية مهمة قصف القواعد التي توجد على جانبي جبهة المعركة لمنعها من نجدة القواعد المهاجمة. 
وطبعا ستتكفل وحدات الدفاع الجوي بتأمين أجواء المعركة والتصدي للطيران المغربي في حالة تدخله. 
وخلال هذا الاجتماع تقرر أن تتولى الكتيبتين الأولى والثانية من الفيلق الرابع اجتياح العمق ومطاردة الجنود الفارين وأسرهم وطبعا ستتولى النواحي الأخرى مهمة إحتلال وتمشيط باقي قطاعات الجبهة المستهدفة. 
لقد كانت الأوامر صارمة جدا فيما يتعلق بضرورة إختراق الحزام المغربي مهما كانت النتائج. 
تم تحديد ساعة الصفر الخامسة فجرا وهذا يعني في التقاليد القتالية الصحراوية أن كل المقاتلين المشاركين في المعركة وبكل عتادهم سينطلقون في وقت واحد وبأقصى سرعة ممكنة نحو مساحة محدودة هي جبهة المعركة ومهما حدث لا يمكن التراجع أبدا قبل الوصول إلى الهدف. 
كان الهجوم فجرا أو طيحة الفجر علامة مسجلة باسم الصحراويين منذ زمن بعيد فقد كان أسلاف هؤلاء الرجال يستخدمون هذه الطريقة منذ عشرينيات القرن الماضي عندما كانوا يغيرون على التجريدات الفرنسية (أصنگ) في حفرة ودان وتوجنين وأم التونسي وغيرها والفارق الوحيد الآن هو نوع وحجم العتاد. 
وعلى حد علمي خلال كل مراحل الحرب لم يحدث يوما أن هاجم الصحراويون فجرا وتم ردهم دون النصر. 
وبالنسبة للميمنة تولى استطلاع الناحية الخامسة مهمة تحضير الثغرة وعند الخامسة فجرا زمجرت محركات ناقلات BMPثم بدأ الاقتحام. 
عشرات الناقلات المدرعة والدبابات والسيارات تسير بأقصى سرعتها نحو نقطة واحدة من الجدار وبشكل سريع إختلط هدير المحركات ودوي القذائف وأزيز الرصاص وتحولت تلك المنطقة رغم الظلام إلى ساحة كبيرة تضيئها القذائف والصواريخ والقنابل الضوئية ويعلو فوقها الغبار ليحجب كل شيء. 
لقد جرت العادة أن يتولى رجال الهندسة العسكرية مهمة اختيار النقطة المناسبة للعبور وتجهيزها بالمتفجرات وسينتظر هؤلاء حتى تقترب أولى طلائع المهاجمين ليفجروا تلك الثغرة وهم تحت نيران العدو. 
لقد كانت وحدات الهندسة التابعة للناحية العسكرية الخامسة هي أول من تمكن من تفكيك حقول الألغام المزروعة أمام الجدار حيث تسللوا في الهزيع الأخير من الليل ودون إثارة أي ضجيج تمكنوا من الوصول إلى حقل الألغام, كانوا يسمعون بوضوح ضحكات الجنود المغاربة الذين لم يتصوروا ما كان يحدث. 
زحف الرجال بحذر شديد وسط الظلام يتلمسون طريقهم بين الحجارة ولسعات نبات الجمرة الشائك داخل حقل الألغام وبعد جهد كبير تمكنوا من نزع صواعق ومفجرات الألغام المزروعة في ذلك الحقل وتركوها في مكانها وفي الليلة الموالية عادوا إلى نفس الحقل وحملوا كل الألغام التي كانوا قد نزعوا صواعقها سابقا. 
كانت هذه هي المرة الأولى التي يكتشف فيها الصحراويون طريقة نزع الألغام المزروعة أمام الجدار أياما معدودة قبل بداية هجمة المغرب العربي الكبير. 
بعد تفجير ثغرة العبور بوقت قصير وصلت أولى موجات المهاجمين على محور الميمنة وحدات المشاة المحمولة على سيارات لاندروفير التابعة للناحية الخامسة تصل إلى مكان الثغرة وتصطدم مباشرة بقوات العدو المدعمة بكثافة نارية كبيرة أعاقتهم عن مواصلة التقدم مؤقتا لكن وصول الناقلات المدرعة التي كان الجنود والضباط المغاربة في ذلك القطاع يرونها لأول مرة قلب كل الموازين. 
كان دخول الوحدات المدرعة صاخب جدا وبدت تلك المدرعات السريعة مخيفة ساعة الفجر وهي تجتاز الحزام بكل قوة وجنازرها تمهد الأرض وتجعل منطقة ثغرة العبور سلسة أمام سيارات لاندروفير. 
كانت جنازر العربات تطلق الشرر وهي تدوس على الصخور والحجارة وتقتحم بأقصى سرعتها نحو أعماق الحزام في مشهد جعل جنود العدو يفرون جماعات ووحدانا نحو المجهول وفي نفس الوقت تقريبا كانت الناحية الثانية والناحية الثالثة المدعمتين بوحدات مدرعة تجتاحان بقية جبهة المعركة. 
حدث كل شيء بسرعة وكان واضحا منذ اللحظات الأولى أن حجم المفاجأة وقوة الاقتحام الذي يحدث لأول مرة منذ سنوات قد أذهل العدو وترتب على ذلك هروب أغلب الجنود الذين كانوا في النسق الأول من الحزام. 
كان الظلام لازال يخيم على أرض المعركة رغم أن أضواء القذائف والصواريخ كانت تبدد الظلمة من حين لآخر وفي نفس الوقت اختلطت أصوات الأسلحة وصيحات الرجال وضجيج محركات السيارات وهدير محركات BMP1 غير المألوف بالنسبة للجنود المغاربة. 
بعد تجاوز الثغرة التفت الكتيبة الثانية من الفيلق الرابع نحو اليمين لإحتلال وتدمير القاعدة وواصلت الكتيبة الأولى إقتحامها لأعماق العدو. 
وعلى الفور وقعت مواجهة مباشرة بين ناقلات BMP1 المدعومة بسيارات تويوتا التي تحمل رشاشات 23 و14,5 ملم الصحراوية من جهة ودبابت SK105 ومصفحات M113 المغربية من جهة أخرى. 
وبشكل سريع ومنظم بدأ الإجتياح وكانت الناقلات المدرعة تتقدم بالتناوب نحو العمق ثم تطلق النيران مستهدفة دبابات العدو وخلال كل مراحل هذا التقدم ظلت رشاشات الناحية الخامسة تصب كل نيرانها نحو تلك الأسراب التي تبعثرت بسرعة بفعل ضغط الهجوم وكثافة النيران. 
لقد وجدت دبابات SK نفسها عاجزة تماما عن مضاهاة سرعة هذه الناقلات الخفيفة التي تجيد المناورة وفي أقل من ساعة حسمت معركة الأعماق وبدت تلك الدبابات المغربية فريسة سهلة أمام قواذف RBG7. 
كانت هذه هي المرة الثانية التي يستخدم فيها الصحراويون بفعالية هذه الناقلات بعد معركة گلتة زمور ومنذ ذلك اليوم حفرت هذه المدرعة السريعة اسمها في تاريخ حرب الصحراء الغربية. 
خلال ساعة فقط تمت السيطرة بالكامل على كل جبهة المعركة وبعد إنقشاع الظلام وإتضاح الرؤية تبين حجم الدمار الهائل الذي لحق بالجيش المغربي, وكانت مشاهد الحرائق تشتعل في كل الاتجاهات والدخان يتعالى نحو السماء ويشكل مظلة سوداء فوق تلك المنطقة والأشلاء متناثرة في كل مكان. 
لقد تصادف دخول الناقلات فجرا مع هروب الجنود المغاربة من القواعد بحثا عن النجاة لكنهم في الواقع كانوا على موعد مع جنازر هذه المدرعات التي داست بعضهم أثناء المطاردة ثم تسبب الخوف الكبير والهلع البالغ والهروب العشوائي في موت العديد من الجنود المغاربة سحقا تحت جنازر ناقلات BMP , ورغم أن هذا الأمر غير مقصود ووقع كحوادث منعزلة إلا أنه ساهم بعد ذلك في نشر الرعب بين جنود العدو الذين أصبحوا يخافون من هذه الناقلات السريعة "الشيران" وفيلق الشباب الذي لا يرحم. 
أثناء الانسحاب تبين أن ثغرة الناحية الخامسة بدون حماية بعد أن تركتها المجموعة المكلفة بتأمينها والتحقت بالوحدات التي تقاتل في العمق ,وقبل ذلك بوقت قصير كان قد انقطع الاتصال بناقلة قائد الفيلق التي كانت تقاتل مع الكتيبة الأولى بعيدا خلف الحزام , وبفعل الظلام ابتعدت هذه الناقلة عن الكتيبة وعند محاولتها الرجوع شاهد طاقمها مجموعة من الدبابات المغربية وعلى الفور إتجهوا نحوها ,كانت الرؤية غير واضحة خلال ذلك الصباح وظنوا أن تلك الدبابات ناقلات صحراوية وعندما إقتربوا منها وتمكنوا من تمييز الدبابات بوضوح كان الأوان قد فات للتراجع وتمت إصابتهم بصاروخ أطلق من مسافة قريبة. 
وعلى الفور جرح قائد الفيلق جرحا بليغا وأصيب أيضا سائق الناقلة وأستشهد اثنان من الطاقم هما الشهيدان محمد فاظل إبراهيم أدليل وسيد أحمد آبه معط اللا. 
في تلك اللحظات العصيبة ترجلت بقية المجموعة من الناقلة التي تحولت بسرعة إلى كتلة من اللهب ووجدوا أنفسهم في مواجهة كتيبة من الدبابات المعادية, ستة رجال فقط من بينهم جريحان زحفوا إلى منطقة قريبة وإستعدوا للشهادة. 
لقد كانوا في وضع صعب جدا وهم يواجهون عشر دبابات SK مدعومة بعدد من السيارات التي تحمل الرشاشات, وطبعا كانوا يدركون خطورة وضعهم وبعد قليل وقعوا في الأسر. 
وهؤلاء المقاتلين الستة هم: قائد الفيلق محمد ودادي,سائق الناقلة محمد المحجوب الظيف, لحبيب سامو عمار,محمد الأمين حسني بعيلا , محمد سالم بابي محمد وأحمد مماي عيناتو. 
وفي هذه الأثناء كانت بعض القوات المعادية قد وصلت إلى مسافة قريبة من الثغرة وحاولت السيطرة عليها وعرقلة عملية الانسحاب لكن الكتيبة الأولى من الفيلق الرابع كانت قد وصلت أيضا إلى نفس المكان وعلى مشارف هذه الثغرة وقعت معركة ضارية إشتعلت خلالها ناقلة جنود معادية من نوع M113 وكادت أن تسد ثغرة العبور. 
حاولت الكتيبة الأولى تجاوز الناقلة المشتعلة التي كانت أعمدة الدخان تتصاعد منها وترجل قائد الكتيبة وبعض المقاتلين ليتبينوا حقيقة الوضع. 
وعلى الفور وجدوا أنفسهم مباشرة أمام فصيلة من الجنود المغاربة وحدث الإشتباك سريعا 
ثلاثة مقاتلين صحراويين في مواجهة فصيلة مغربية كاملة,ولعلع الرصاص وإختلطت أصوات البنادق, طلقات فال ثم طلقات كلاشينكوف المتلاحقة وخلال هذه اللحظات القليلة وجد قائد الكتيبة الأولى أبا عالي حمودي نفسه أمام جندي مغربي خرج من خلف الدخان وأطلق عليه النار مباشرة على مستوى البطن. 
حدثت هذه المواجهة السريعة على بعد أمتار قليلة من الكتيبة الأولى التي كانت تنتظر الأوامر وعلى الفور تولى القيادة نائب قائد الكتيبة لكهل الحافظ. 
وفي هذه الأثناء وصلت الكتيبة الثانية ومباشرة أصبح صلحة ولد الراحل قائد هذه الكتيبة هو الذي يتولى قيادة الفيلق بعد تعذر الإتصال بناقلة السيطرة وإصابة قائد الكتيبة الأولى ولكنه أصيب هو الآخر بجراح على مستوى الصدر قرب الثغرة. 
وقبل الانسحاب بوقت وجيز أصيب أيضا لكهل الحافظ نائب قائد الكتيبة الأولى بجراح طفيفة ومع ذلك تمكنت القوة المهاجمة من الانسحاب تحت النيران. 
وفي نفس الوقت كانت الناحيتان الثانية والثالثة تنسحبان بشكل منظم بعد أن اجتاحتا القواعد المستهدفة في جهتهما من المعركة. 
ورغم كل هذه الأحداث التي وقعت خلال معركة السيطرة على الثغرة كان النصر واضح جدا ولعل مشاهد الدمار والحرائق التي نشبت على طول جبهة المعركة والأسرى وحجم الغنائم التي تم إخراجها في وضح النهار وتحت النيران, دليل على قوة الهجوم الذي حدث في ذلك الفجر الدامي. 
لقد دخل عامل جديد في الحرب ومعه بدأت تتشكل سمعة الفيلق الرابع الذي سيكون له شأن كبير في كل المعارك اللاحقة وحتى نهاية الحرب. 
في مساء ذلك اليوم 13أكتوبر 1984 تحلق الشباب حول مذياع من نوع RADIO 10 كان قد تم غنمه في المعركة كانوا يتناولون الشاي ويشعرون بالفخر لقد أصبحوا أخيرا مقاتلين بعد طول إنتظار, وبعد وقت قصير وعلى أمواج الإذاعة الوطنية دوى صوت الموسيقى العسكرية التي كان مجرد بثها في ذلك الزمان يعني أن نصرا قد تحقق. 
كان المذيع يتلو البلاغ العسكري التالي: 
هاجم فجر هذا اليوم 13 أكتوبر 1984 أسود جيش التحرير الشعبي الصحراوي دفاعات العدو الغازي وتخندقاته داخل شريط جدار العار الملكي الواقع مابين وادي الخشبي وازمول النيران ,وهو الشريط الذي يشمل قواعد إسناد العدو الخامسة عشرة والسادسة عشرة والسابعة عشرة والثامنة عشر والتاسعة عشرة و حتى قاعدة الإسناد العشرين والتي هي الحد الغربي لقطاع إنتشار اللواء الملكي السابع المدرع والفيلق الملكي الثامن والعشرين للمشاة.وبعد ساعة كاملة من القتال الضاري تمكنت المفارز البطلة من قوات جيش التحرير الشعبي الصحراوي من إجتياز حزام الملك وإجتياح أربعة قواعد إسناد للعدو وراء الجدار وهي القواعد: السادسة عشرة والسابعة عشرة والثامنة عشرة والتاسعة عشرة. 
وعلى الساعة الثامنة صباحا وصلت قوات جيش التحرير الصحراوي أثناء تقدمها في أعماق حزام العدو حدود ستة كلومترات وهي الحدود القصوى لعمق حزام الملك, وعلى الساعة العاشرة شرعت قوات الجيش الصحراوي في التراجع من أعماق العدو بعد إحتلال قواعد إسناده ودعمه اللوجستيكي,مدة ساعتين. 
وقد ألحق أبطالنا الخسائر الثقيلة التالية بالعدو الملكي: 
- تدمير 07 قواعد إسناد وقاعدتين للدعم اللوجستيكي. 
- تحطيم رادارين للمسح البعيد أرض أرض. 
- تدمير وحرق مالا يقل عن 13 دبابة أغلبيتها SK105, والباقي من طراز M48. 
- تدمير وحرق مالا يقل عن 17 ناقلة جنود M113. 
- تدمير 30 مرابض للمدفعية عيار 155 ملم. 
- تدمير 08 هاونات عيار 120, و16 رشاش ثقيل عيار 14.5 و23 ملم المتعددة الفوهات. 
- حرق أربعة مخازن للذخيرة والتموين والمحروقات. 
- قتل حوالي 70 جنديا وضابط صف ملكي. 
- جرح مالا يقل عن 210 من جنود العدو. 
- أسر 10 جنود من قوات العدو من بينهم ضابط صف. 
وبعد نهاية البلاغ كان يمكن تمييز علامات الرضا على وجوه تلك المجموعة الشابة رغم الإضاءة الضعيفة التي كانت تولدها بعض عيدان بوكحزة المشتعلة والتي كانت تخبو من حين لآخر وبعد صمت قصير تتم أحدهم ( ذوك أحنا....).. 
إن نتائج الحروب تقاس دائما بحجم المكاسب والإنجازات المادية والمعنوية التي تحققت بعد أن ينتهي القتال وعلى هذا الأساس كانت معركة أزمول النيران فتحا مبينا بالنسبة للصحراويين وبفضل نتائجها وشجاعة الرجال الذين خاضوها تمكنت جبهة البوليساريو من تحطيم أسطورة جدار الملك وجلب الأسرى والغنائم من ورائه وتحويله إلى مقبرة للغزاة بعد أن كانوا ينتظرون منه حمايتهم. 
لقد بدأت مرحلة جديدة من مراحل الحرب أطلق عليها بعد ذلك اليوم إسم هجمة المغرب العربي الكبير. 
يتبع....الجزء الثالث: معركة أم لگطة.

Contact Form

Name

Email *

Message *