-->

قراءة في الفكر العسكري للزعيم الراحل محمد عبد العزيز رحمه الله


مقدمة: في إطار البحث عن ما يفيد التجربة الوطنية خاصة العسكرية منها وحتى لا نذهب ضحية النسيان أو الإهمال وحتى نضع الشباب أمام مسؤوليتاهم الوطنية في إثراء التجربة العسكرية وإغناء المكتبات العسكرية والوطنية فإنني أتقدم بهذه المحاولة المتواضعة معولا على مساعدة الشباب المثقف الذي درس العلوم العسكرية في جميع مستوياتها التكتيكية والعملياتية وعايش جزءا كبيرا من التجربة سنوات الحرب واستفاد من تجربة المقاتلين وقيادتهم الميدانية وتهيأت لهم الفرصة في البحث والمقارنة بين قوانين الحروب المأثورة عن التجارب السابقة والتي شكلت عقيدة عسكرية أكاديمية دونت ثم درست في شكل قوانين صارمة لا تقبل المساس بها ومن يخل بها يكون ناقص الرتبة أو الأقدمية والتقدير.
الموضوع:
يقول الزعيم الراحل محمد عبد العزيز رحمه الله ""سجل مقاتلوا جيش التحرير الشعبي الصحراوي ملاحم بطولية تجاوزت كل الإعتبارات والحسابات العسكرية المعهودة."
التحليل:
تعرف الحرب على أنها دلك العمل المسلح لفرض الإرادة بالقوة والتدابير العملية المادية والبشرية على الخصم بغية التغلب عليه وتحقيق النصر،وقد عرفت الحروب مند أوجد الله تعالى أدم عليه الصلاة والسلام ودريته على الأرض حيث سالت الدماء في أول جريمة بين ابنيه هابيل وقابيل ،ومنذ ذلك التاريخ والحروب مستمرة بمعدل مذهل ومخيف ،وبحسب الدراسة المعرفة أختصارا بإيفان.س. بلوخ نقلتها المجلة الصادرة عن الأكاديمية السورية بقلم الدكتور عزيزشكري فإن معدل الحروب يساوي 75% حروب مقابل 25% سلم .الشئ الذي وفر للباحثين في تجربة الحروب قوانين وموسوعات لا حصر لها وتناولت أنواع الحروب من حرب عصابات ،حرب مواقع ،حرب مواجهات ،إلى أن وصلوا إلى ما يعرف بالمعركة المشتركة الحديثة وأسلحتها وقواتها وأهدافها وكونها قد تنتهي بالحسم بأسلحة التدمير الشامل،ولكن مهما تكن الوسائل والتقنيات المستخدمة في الحرب فإنها لا تستغني عن الإنسان واستخدام تقنياته وذكائه وقدراته البدنية والفكرية حتى ولو استخدمت ما يمكن استخدامه من الالات الإلكترونية ووسائل الكشف والتدمير.
وقد تقرر في قوانين الحروب أنه لا بد أن تكون القوات التي تقوم بالهجوم أكبر ثلاث مرات في تعدادها وأسلحتها من العدو الذي سيهاجم ،ويترتب على هذا أن القوة المتمسكة بالدفاع تقاوم قوة أكثر منها ثلاث مرات ،وقاعدة أخرى تقر أن القوات العسكرية لا يمكنها قطع أكثر من مسافة 250 كلم في 24 ساعة بسرعة مقررة. ولابد من استخدام البوصلات والج ب س والخرائط للتوجه وقوانين أخرى تحكم نظام الإعاشة في المعدلات اليومية والشهرية للمؤن والماء ووسائل الطهي والخدمات اللوجستيكية والتأمينات الفنية والمواصلات ووسائل الكشف والإستطلاع .......الخ
المقارنة الجزء الأول:
دخلت القوات المغربية بتعداد 160ألف جندي ثم إرتفع هذا الرقم ليصل إلى 220 ألف جندي بعد سنتين من الحرب مستخدمة الدبابات والطائرات والمدفعية ومختلف صنوف الذخائر والأسلحة وشنت الحرب بالقيام بمسح شامل للمنطقة اتت فيه على الأخضر واليابس وتقف وراءها قوى كبرى تمدها بالخبرات والأسلحة والمدد وبعد أربع سنوات هزمت بفعل تكتكات المقاتل الصحراوي البطل الذي كسر ميدانيا قوانين الحروب وتجاوزها متحديا ما أبدعته تجارب الحروب من قوانين وتكتكات واستراتيجيات قائمة على مبدأ القوة والنسب الافتراضية التي أثبت المقاتل الصحراوي البطل عدم جدوائتها إذا فأين يكمن السر ياترى في نجاح المقاتل الصحراوي في تحديه لقوانين الحرب المعروفة؟
دخلت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب الحرب مع المغرب بعدة وحدات فرعية مسلحة تسليحا بسيطا ومدربة تدريبا بدائيا بسيطا لا تتجاوز في تعدادها عدة مئات وخاضت الحرب على جبهتين مختلفتين إحداهما في الشمال والأخرى في الجنوب ،ووفق المقاتل إلى حد بعيد في القيام بمعارك الدفاع وأحيانا التأخير وفي بعض الحالات المهاجمة وإلحاق الخسائر المعجزة لقوات العدو على الجبهتين الشمالية والجنوبية وأنقاد السكان وبعض الممتلكات وتأمينهم.
من هنا يصبح السؤال الذي يطرح نفسه على الباحث ما هي الخصوصيات التي ساعدت المقاتل الصحراوي حتى حقق كل هذه الانتصارات رغم قلة العدد والعتاد وشح الإمكانات وضيق مسرح العمل القتالي وانعدام التضاريس وصعوبة المناخ وندرة المياه وانسداد الأفق بسبب التعتيم الإعلامي وخلو مسرح الدعاية للفاعلين في الطرف الأخر.
إن الجواب على هذا السؤال لا يمكن فهمه إلا من طرف العارفين لخصوصيات المجتمع الصحراوي في الساقية الحمراء ووادي الذهب والتي تكمن في:
1ـ قوة الإرادة والتصميم. 
2ـ القناعة بعدالة القضية. 
3ـ الإحساس بالظلم ووجوب دفعه بالغالي والنفيس.
4ـ قوة التمسك بالوحدة والالتفاف حول الممثل الشرعي والوحيد الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب
يترتب على هذه الخصوصيات المجتمعية الخصوصيات التالية كنتيجة مباشرة لها في المقاتل الصحراوي .
1ـ الاستعداد للشهادة دون تردد كعربون إخلاص للعهد مع الله ثم الشعب ثم الشرف.
2ـ الخصوصيات الإنسانية التي تتأثر بشكل مباشر بالالتزام المبني على العقد الذي يلتزم به الكبيروالصغير المرأة والرجل على حد السواء.
3ـ الشجاعة والحكمة والمرونة والصبر ورباطة الجأش الرضا بالقدر.
ولهذه الخصوصيات الاجتماعية والخاصة قيم معنوية خارقة أبهرت وأفتنت وأذهلت معاهد الدراسات العسكرية بحكم الاعتبارات العسكرية المعروفة في الحرب عندها.
الوجه الثاني من المقارنة:
كنا قد أشرنا إلى أمثلة من القوانين المعروفة لدى الخبراء المعتمدة في مناهج التكتكات العسكرية وأشرنا إلى نسبة المهاجم إلى المدافع والمسافة المقطوعة في اليوم والمطالب اللوجستيكية والإدارية وأساليب ومتطلبات التوجه ولنرى في الجانب الأخر من التحليل والمقارنة ما أحدثته التجربة الصحراوية من أرقام قياسية في فن القتال والتكتكات ونعطي بعد الأمثلة العملية:
عملية انواكشوط: والتي تبعد حوالي 900كلم من نقطة الإنطلاق للناحية العسكرية التي نفذت الهجوم سنة 1977 وتمكنت القوة المنفذة بالقيام بالمعركة في 48ساعة مع قطع المسافة ذهابا وايابا أي1800 كلم بدقة و تحكم في المسير والسيطرة الكاملة.
عوامل خفة الحركة والمرونة: اوجد المقاتل الصحراوي في الحرب أن سيارة لاندروفير أو طيوطا وبقوة 7 أفراد تستطيع أن تستمر في مهمتها وتحمل ماءهم ومؤونتهم وأسلحتهم وأمتعتهم لمدة أكثرمن 15 يوما في الفصل المعتدل وأكثر من ست أيام في فصل الصيف الذي يتجاوز فيه الحر أكثر من 42 درجة مئوية دون العودة إلى مؤخرتها المباشرة.
التوجه : يستطيع المقاتل الصحراوي التحرك والتوجه ليلا ونهارا لقطع مئات الكلومترات دون اسخدام بوصلة أو ج ب س أو خريطة وبسرعة فائقة فوق المتوسط.
السرعة وخفة الحركة:لم يحتاج المقاتل أكثر من ساعات قليلة لإخلاء المواقع والاستعداد بالوحدات ومؤحراتها الثقيلة والخفيفة في عملية تحدي للمراطون سنة 2000 وبسرعة فائقة وإستعداد تام أذهل بعثة الأمم المتحدة المينرصو التي كانت شاهدا على ذلك كما أن العمل الميداني القتالي على جبهات تمتد من أقصى الجنوب في منطقة الحرب إلى عمق في الشمال قد وصل مشارف مدينة زاكورةالمغربية.
كنا لا يفوتني أن أت على ملاحم احتلال الحاميات المحصنة بالأحزمة والألغام والأسلاك الشائكة والدبابات والمدفعية وتحميها الطائرات وتدافع عنها قوات بعشرات الالاف من الجنود تتموقع في مناطق إما مفتوحة على جميع الإتجاهات مثل المحبس ، لبيرات ، بئرانزران أو صعبة التضاريس مثل القلتة وتفارتي واجديرية ولمسيد.
تكتيك الدوريات:أوجد المقاتل الصحراوي تكتيك الدوريات للقيام بمهاجمة النقاط ذات الأهمية الكبيرة في أعماق قد تصل إلى مئات الكلومترات مثل دوريات البحرية 1976 و 1980 التي قامت بعمليات منعزلة في البحر وجاءت بالأسرى والغنائم ،وهاجمت في عملية نوعية ميناء العيون العاصمة والأمثلة كثيرة ولا يمكن حصرها في بحث متواضع مثل الذي نقوم به على عجالة بل للإحاطة لابد من البحوث الجامعية مثل التي يقوم بها الشباب المقاتل في المدارس العسكرية لنيل الشهادات العليا تحت إشراف أكاديميين متخصصين.
نزع الألغام: تمكن المقاتل من إحداث تكتيك نرع الألغام رغم الحراس والرادارات ليلا وأحيانا في النهار من تحت فواهات المدافع وقد شهدت على هذا التكتيك المتميز منظمة نزع الألغام التابعة للأمم المتحدة التي تعمل هذه الأعوام في الاقليم الملوث بالألغام التي زرعها المحتل المغربي.
أعمال صنفتها منظمة نزع الألغام بالخارقة: هي ما قام بها المقاتل الضابط عبدالله بشري اعوييش بتاريخ 15/03/82 والذي حطم رقما قياسيا في معدل النزع اليومي لم يكن معروفا عالميا ومنحت له جائزة وخيرته في نوع الجائزة فطلب منها تشجير منطقة في الصحراء تلكم معجزة أخرى إلى جانب نزع الألغام.
وقد شكلت مثل هذه معضلة كبيرة في تفهمها وتقبلها خاصة نتائجها الميدانية من الغنائم والأسرى الشئ الذي أوجد صعوبة للإقناع بها من طرف الإخوة العاملين في الخارج ومن يتصلون بهم لغرض نشر القضية الوطنية وكسب التأييد إلا أنه بعد مدة اقتنع الجميع بها وأصبح العمل العسكري يفعل العمل الدبلوماسي ويمهد الاتصالات حتى أصبحت الزيارات إلى المنطقة تشكل مطلبا متنافسا عليه من طرف الأصدقاء صحفيون وكتاب وجمعيات وشخصيات وازنة في الساحة الدولية
الخلاصة:إن المتتبع لفصول الحرب التحريرية في الساقية الحمراء ووادي الذهب إذا ما حاولنا تحليلها بالمقياس المعهود في قوانين الحروب السابقة قد يقف على أن هناك ثوابت قد أصبحت في حكم المتغيرات ذلك أن هذه الحرب بدأت منظمة في فصول متناسقة محددة الأهداف مرسومة الأشواط دقيقة التحضير أبان فيها المقاتلون وقياداتهم حسن التدبر على المستويات الأستراتيجية والعملياتية والتكتكية والتنفيذ الدقيق للخطط والمشاريع المقررة بدقة.وهناك خاصية أخرى تدخل ضمن ما يعرف بالذكاء في تدبير وإدارة الحرب وحتى نقف على بعض الأمثلة،علينا أن نكون متحررين في ايجاد الأجوبة دون تحفظ فمثلا بعد معارك حملة إيمان والتي تضم أراك،الزلاقة وأوحد المغربية لفك الحصار عن بعض الحاميات وحيث انتهت المعارك بالنصر المعزز والمكلل بالتفوق فلماذا تحاشت القيادة العسكرية استثمار النصر بمزيد من الضغط على الجبهة العسكرية بعد الهجوم على حامية لمسيد والتي إستمرت مدة طويلة من المعارك والضغط حتى سقطت الحامية ودخل المقاتلون في شوط استثمار النصر أوقفت القيادة هذا الاستثمار.
إن الإجابة على هذا السؤال تدخل ضمن عملية التدبير الإستراتيجي للصراع مع العدو الفرنسي والإسباني والمغربي ومن ورائهم الأحلاف المعروفة والتي تتدخل لصالح عملائها الذين يمثلون أبراج مراقبة تمكنهم من السيطرة على المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية ومناطق النفوذ الحساسة مثل جبل طارق وحوض البحر الأبيض المتوسط ومنه إلى افريقيا وبالتالي على القيادة العسكرية والسياسية أن تحترس جيدا من خلق المبررات والذرائع التي تعطي هذه الأحلاف فرصة التدخل مع الإستمرار طبعا في الحرب التحريرية التي أظهرت الأثار المترتبة عنها على النظام المغربي أنه سوف لن يستطع المقاومة حتى مع إضاعة بعض الفرص لسد الذريعة ودرء الخطر،ثم أن القيادة السياسية والعسكرية كانت تعلم جيدا أن ما يقوم به المغرب من محاولات للتفاوض ما هو إلا مشاغلات ومحاولة إعطاء صورة للعالم أن المغرب يجنح للسلم بينما جبهة البوليساريو مستمرة في الحرب ويجب فعل أي شئ لجعلها تجنح للسلم وهكذا تلجأ القيادة العسكرية إلى عملية شد الحبل ورخيه أحيانا لتفويت الفرصة على التدخل الأجنبي في ساحة المعارك التي ظلت القوات الصحراوية سيدة الموقف عليها برا وجوا وتتحرك متى وأين وكيف شاءت.
الخاتمة:
اخترت للخاتمة ما كان يطربنا سماعه من برنامج للكاتب الصحفي الجزائري في برنامج خصصه لتناول القضية الصحراوية تحت عنوان "الصحراء الحرة" وقد بدأه ذات مرة بالتعليق التالي: من ماروفيا إلى الزاك إلى الوركزيز لا تمشيط حصل ولا تمويل وصل وكان يختمه بهذه الأبيات من الشعر. 
 إنا لقوم أبت أخلاقنا شرفا أن نبتدي بالأذى من ليس يؤذينا
لا يبخل العجز منا دون نيل منا ولو رأينا المنايا في أمانيـا
<< الصحراء الحرة تاريخ أمة وكفاح شعب
الإهداء: إلى مقاتلي جيش التحرير الشعبي وأبطال أكديم ايزيك ويحي محمد الحافظ وإلى جميع أسرى القضية الوطنية في سجون العدو وأبطال وبطلات الإنتفاضة الذين تقلوا خطوط التماس مع العدو من الحزام إلى شمال أوروبا وإلى أبطال الصف الطلابي وجنوب المغرب وإلى جميع فرسان القضية الوطنية في ساحات الوغى والشرف في أي مكان من العالم وكفاح مستمر لفرض الاستقلال الوطني والسلم 
بقلم: العربي عبد اللطيف 

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *