رمضان في الصحراء الغربية ... عادات وتقاليد لم تنل منها المدنية الحديثة
يزخر المجتمع الصحراوي على غرار غيره من المجتمعات الاسلامية بالكثير من العادات والتقاليد التي لم تستطع أن تنال منها المدنية الحديثة، او واقع اللجوء والشتات الذي يعيشه معظم ابناء الشعب الصحراوي بسبب الاحتلال المغربي للصحراء الغربية، وتتجلى أكثر هذه التقاليد خلال شهر رمضان المبارك بسبب ما يتيحه من هامش زمني وإمكانية التقاء الأهل والأسرة خلال جلساته وسهراته.
ينطلق التحضير لشهر الصيام المبارك في المناطق المحتلة من الصحراء الغربية نوعا ما متأخرا بسبب عدم اختلاف العادات المرتبطة بالموائد الرمضانية عن غيرها في الأيام الأخرى، اذ يتم اعتماد نفس عادات الطعام تقريبا مع استثناءات جزئية غير ذات تأثير.
فمائدة الإفطار لا تزيد عما تيسر من حساء وتمر وحليب وحلويات جافة ومقبلات، على أن يكون محور هذه المائدة قدح اللبن الطازج الذي تتناقله الأيدي حسب موقع جلوس الصائم من اليمين الى اليسار، وكؤوس الشاي الثلاثة المعروفة عند المجتمع الصحراوي سواء المقيمين منهم في البادية أو في المدينة.
أما عادات الألفة والتساكن وتبادل الزيارات فإنها تزيد عن الأيام العادية بسبب مساحات الزمن التي يتيحها هذا الشهر الفضيل، وما يعرفه من عادات السمر الطويل وإقامة الولائم بالدور في شكل مجموعات تنتقل جماعة الى بيت الذي يأتي عليه الدور، حيث يلهو الرجال في لعب الشطرنج التقليدي "ظامة" أو غيره من الألعاب الأخرى الذكورية، بينما تنصرف النساء الى لعب «السيّك» وهي اللعبة الأنثوية المفضلة.
هذه بعض السمات الأساسية لعادات رمضان في المجتمع الصحراوي الذي يحرص أهله على أن لا يفوت هذا الشهر المبارك من دون أن ينهلوا منه ما شاء الله من عبر ودروس دينية وانصراف الى العبادات وأداء الفرائض في ورع وتقوى كما دأب على ذلك الآباء والأجداد.
ينصرف الجميع الى أشغالهم حتى يعلن عن إقبال شهر الصيام فيتسابقون لتبادل التهاني في خشوع وابتهال، ثم يعود كل واحد بعد ذلك ليضع آخر اللمسات على مائدة أول سحور في رمضان والتي لا تختلف عادة عن وجبة عادية تكون في غالب الأحيان دسمة يتأخر تحضيرها بعض الشيء حتى يستأنس الكبار والصغار بعادات هذا الشهر الاستثنائي.
ولا تبذل الزوجة مجهودا كبيرا كغيرها من نساء الصحراء الغربية لأن العادات لا تتغير في شهر رمضان عن غيره من الشهور الأخرى لأن ركائز مائدة الإفطار لدى الصحراويين في ظل الاحتلال المغربي الخانق ، بل إن عماد المائدة الصحراوية يتركز اساسا على الحساء وقدح اللبن وكؤوس الشاي. أما غيرها فيعتبر «كماليا» يحرص كل رب اسرة على تزيين مائدة اسرته بما طاب من حلويات ومأكولات من اصناف مختلفة يجد فيها الصغار عادة ضالتهم بعد يوم طويل ارتبكت فيه عاداتهم الغذائية.
بعد قيلولة قد تكون استغرقت ساعات، يلتف رب الأسرة والابناء والاقارب حول مائدة الافطار، حيث وضعت في زاوية صينية الشاي التي يكون ابريقها الاول قد وضع على نار هادئة قبل موعد الافطار، حتى اذا حان الموعد يكون كأس الشاي الأول قد جهز، بعد يوم طويل واحساس بدوار يرجعه اهل الصحراء الغربية الى عدم شرب الشاي، وهي عادة متداولة بينهم . يلي ذلك التمر واللبن، وما عداهما ليس ضروريا كثيرا، اللهم الا بعض اللحم المشوي ويفضل أن يكون من لحم الابل وذلك بعد ان يكون قد مر على موعد الافطار حين من الوقت.
وتتأسس مائدة الافطار على مكونات اساسية لا تخلو اي مائدة صحراوية منها، وهي التمر واللبن والحساء المحضر من حب الزرع والشعير (النشا) والشاي، وهي مكونات اساسية تليها في المقام الثاني الحلويات والمقبلات وعصائر الفواكه وغيرها. على انه بعد مرور وقت على موعد الافطار يكون الشواء من لحم الابل قد وضع على المائدة ليحل محل وجبة العشاء العادية، تعقبها وجبة سحور خفيفة او قد تحجبها في الكثير من الاحيان خصوصا في النصف الاخير من هذا الشهر الفضيل، حين يفعل عامل تقدم الزمن فعله، إذ تبدأ بعض العادات في التراجع تدريجيا تحضيرا لعودة التزامات الايام والشهور العادية.
بعد ان ينتهي الجميع من اداء الفرائض وقراءة القرآن والاستماع للدروس الليلية في المساجد او في المنتديات او غيرها يجمتع الصحراويون عادة في مجموعات تكون قد اتفقت على برنامج تبادل الزيارات بالادوار، حيث تلتقي المجموعة عند الشخص الذي يأتي عليه الدور، ويكون قد هيأ وجبة ومعها صينية الشاي بكؤوسها الثلاث المعروفة التي يتجمع حولها المتسامرون من الرجال الذين يلعبون ألعابا ذكورية كخطاطة الشطرنج المحلية (ظاما) او غيرها من الالعاب على رهانات مختلفة كقراءة أبيات من الشعر تبتدأ بحرف معين أو أداء غرامة في حالة الفشل او وضع جسم ثقيل على كاهل الشخص او الاشخاص المنهزمين، او غيرها من الرهانات التي لا تتجاوز حدود التسلية. وفي ذات الوقت يتبادل الرجال بين الفينة والاخرى مقاطع من الشعر الحساني او الشعر العربي لإبراز المواهب في نظمه وحفظه، متدرجين عبر متونه المختلفة وواقفين على بعض اغراضه الفنية كالهجاء او المدح او غيرها من الاغراض التي نبغ في نظمها شعراء الحسانية والعربية على حد سواء دون ان ننسى النقاش السياسي الذي يتناول القضية الصحراوية وانتفاضة الاستقلال التي يخوضها الشباب الصحراوي في المناطق المحتلة والاعتداءات المتكررة للمنازل والبيوت من قبل القوات المغربية.
اما النساء فانهن ينصرفن سواء في النهار او عند المساء الى لعب «السيك» وهي التسلية المفضلة التي تقام على بساط رملي مستطيل رسمت فيه خطوط عرضية قسمت في وسطها بخط طولي ووضعت في نهايتها مواقع لعب أُشّر عليها بوضع حجارة بها ولا تتجاوز العشرين لاعبا.
وحيث أن المجتمع الصحراوي ينفرد بخاصية حب الأدب والشعر والغناء، فإن شهر رمضان يتيح متسعا من الوقت لا يتيحه غيره من الشهور يسمح بتعاط أكثر غزارة من هذه الفنون، حتى قال أحد الباحثين في الشعر الحساني إن أجمل ما قيل في أدب أهل الصحراء الغربية اقترن بشهر رمضان الكريم حيث أبدع الشعراء في مدح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، كما أبدعوا في التغني بأسباب الرفعة وحب الانتماء للأمة الاسلامية التي كانت خير أمة أخرجت للناس.