المؤتمر 15 للجبهة بين المناضل والموظف
لي حكاية غريبة مع الكتابة، ربما لا يفهم المقصود من هذا إلا من له شغف بالحروف ومراوغتها والتلاعب واللهو بها ولكن أيضا معها، ومن خبر القصة والغصة والألم بعد مخاض عسير أو هين يثمر عن منحوتة من آلاف الحروف المجتمعة تصنع لوحة بديعة تلامس أطراف الروح وأعماق القلوب وترسم بتأثيرها الناعم ما ترسمه أصابع العاشق على خد محبوبته الغض اللين.
عالم الحرف جميل وآخاذ، ولا يدرك روعته من له مآرب أخرى تدنو عن السمو، والذين غاصوا في عبادة ذواتهم وصناعة أجسامهم المادية البالية، وبناء قصور من أسمنت ومعدن لا يمكنهم البناء من مادة الحرف لأنهم لا يفقهون إستقامة الألف و لا يتذوقون روعة الإستدارة في حرف الهاء ولكنهم يتقنون جيدا الإلتواء مثل الياء.
قصتي مع الحروف بدأت منذ الصبا، وترعرعرت ونمت على مر السنين، وتقوت وتعززت مع النمو ومتطلباته، وأصبحت دواءا بعد أن عجزت العلاجات الأخرى في التعاطي مع ما نواجهه يوميا في حياتنا كأبناء ثورة في المنفى تلطمنا العواتي ونسقط على رصيف قاحل لننهض ونبدأ من جديد في اللهو واللعب بالحروف ومعها.
قبل سنوات تناولت بعض المواضيع (وكثيرا ما أفعل) تتعلق بقضيتنا الوطنية وتنظيمنا الوطني الثوري، الذي قالوا لي وأنا بعمر ست سنوات أنه تنظيمنا جميعا وأنه المركب الذي سيحملنا إلى بر الأمان، لكنني ـ ولست الوحيد ـ إكتشفت أن بعض المناضلين يمتلكون حق الفيتو ونحن لنا النشوة بقراراتهم..... بعد نشر ما كتبته في وسائل الإعلام المتاحة حينها ولم تكن كثيرة مثل ماعليه الحال هذه الأيام لم أتفاجأ بردات الفعل، ولكن أغربها عندي كان حين قابلت أحد (الموظفين/المناضلين) فهو يوظفها كيف يشاء وهذا حق حصري له حسب ما علمتني الايام، ولطالما سمعته يقنع الآخرين تارة بأنهم مناضلين وأخرى أنهم موظفين حسب المعطيات. وبعد نقاش مطول كان أغلبه محاولة ليثبت لي أنه لن يتزحزح من منصبه وليفعل الكل ما يشاء، ختم كلامه بقوله لي:
"أكتب وليكتب غيرك ..... طز" ......آسف على كلمة المناضل/الموظف، أحيانا يغيب الأدب عند البعض.
ما يحدث هذه الأيام ويتكرر قبل كل مؤتمر وطني عام ليس غريبا ولا عيبا، هدفه وغايته المساهمة بالحرف والكلمة في تقويم ما أعوج وتصويب ما حاد من طرف المناضلين كل بطريقته وبما يعتقد أنه سيفيد، وشخصيا وإلى يوم أمس كنت أحسب نفسي مناضلا يساهم في هذا الوضع، إلى أن تلقيت إتصالا من عالم آخر يصنع لنفسه قوانين لا يطبقها على نفسه ويتلذذ بفرضها على الآخرين، لم يفاجئني هو الآخر بمحتواه الذي يدعوني إلى ذبح قلمي، وسفك حبره في متاهات اللجوء، وأن أكتفي بكوني موظفا ودعاني ضمنيا لحفر أخدود أردم فيه كلماتي وأغبرها.
سعيد جدا بتاثير حروفي، وسأكون أكثر سعادة ونشوة إذا مابالغ من لا يخشى الكتابة (حسب زعمه) في تمطيط الموضوع ومحاولة قتلي بقلمي، أو بتسميم الحبر. سأكون ممتنا جدا لخوض معركة ليست وليدة اليوم بين من يؤمن بالمساهمة في تحقيق الأفضل ولو بحرف، ومن يؤمن بذاته ويسعى لتخليدها في مكان لا يليق بها.
أين الموظف، وأين المناضل؟ لعل الايام ستجيب كما تفعل دائما.
ملاحظة: أخبرني بعض الاصحاب ممن على صلة بالمناضل/ الموظف الذي لا يخشى الحروف، أنه أصبح يخافها مثل ما يخاف الخيل سوط الجلاد.... غريبة هذه الأيام؟؟؟؟؟
حمادي البشير
غشت 2019