لماذا التنظيم
قد يخيل للبعض ان الشعب الصحراوي ولد صدفة عندما برز للوجود بقوة لفرض ارادته على القاصي و الداني في اواخر الستينات و بداية السبعينات رغم انه بات فاعلا و مؤثرا باستمرار عبر تاريخه الحافل بالبطولات و الامجاد فوق وطنه، مؤثرا في الاحداث التي تحيط به, بل كان موجودا منذ الازل, مثله في ذلك مثل بقية شعوب منطقته, و انما كانت تنقصه بعض المقومات الحيوية ذات القيمة المضاعفة التي تضمن تماسكه الداِئم و تحافظ على مكاسبه و تصينها, و من بين تلك المقومات العامل التنظيمي الذي كان موسميا في مجتمعنا يحضر و يغيب تبعا للضرورة, و مع تراكم الاحداث و تعاقبها و تطوراتها اصبح التنظيم الحديث ضرورة لا غناء عنها لتوجيه بوصلة المجتمعات و الشعوب وسط تزاحم المصالح الدولية و اتساع دائرة الاطماع و التكالبات, الشيئ الذي تاخر حدوثه عن اوانه لدينا مما فتح الباب واسعا لضياع مكاسب تاريخية ثمينة و تسبب في خلخلة وحدة شعبنا و فتح شهية الطامعين للاتجار بمصيره و التكالب على خيرات وطنه و محاولة تغييبه و فرض الوصاية عليه من لدن الاستعمار و اعوانه, غير ان ثلة من طلائعه الوطنية كانت بالمرصاد لذلك في الوقت المناسب بدءا من الحركة الطليعية 1967/ 1970 مرورا بالحركة الجنينية فتاسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب الى تحقيق الوحدة الوطنية التي انصهرت بموجبها كل الطاقات الوطنية في الجبهة الشعبية كتنظيم وطني وحيد و اوحد ممثلا و قائدا للشعب الصحراوي في مسيرته الكفاحية من اجل الحرية و الاستقلال و من ثم اعلان الجمهورية العربية الصحراوية العربية الصحراوية الديمقراطية, فخابت بموجب ذلك الوجود, امال و طموحات الطامعين و تكسرت مؤامراتهم و دسائسهم الخسيسة ومن جراء ذلك, جن جنون المستعمرين و جندو كل ما جادت به قرائحهم من خطط و تكتيكات و سخرو ما توفر من امكانيات عسكرية و اقتصادية لانتشال ما يمكن انتشاله من تلك الاطماع بشتى الطرق و الوسائل و ما كانت مصيبتهم الا في وجود هذا التنظيم العتيد الذي اصبح بالمرصاد لكل اطماعهم ليتحول جام غضبهم ويصب عليه بعد ‘‘كسر الاظافر‘‘ من هزيمة شعبنا البطل بالطرق المسلحة في ملاحم توالت لاكثر من قرن من الزمن. فاصبح املهم الوحيد للنيل من عزيمة شعبنا و صلابة مقاومته يتركز في تشتيت وحدته بشتى اصناف التفرقة, غير ان ذلك يحول دونه وجود هذا التنظيم الوطني الجامع المتماسك الذي يوجه و يوحد الجهود و يكشف المؤامرات, مما يزيد من حقدهم عليه ويجعل سهامهم توجه له بعناية اكبر لتفكيكه مقابل مواجهتنا لهم للتمسك به دفاعا عن وجودنا, ليصبح وجوده في حد ذاته رهان لكسب معركة الوجود المصيرية, فبه ننتصر و بدونه يحقق العدو مسعاه, و عاقبة المعركة لمن انتصر فيها, فلا الاعذار تنفع المهزوم ولا التبريرات تهم المنتصر لان الغاية تبرر الوسيلة في كل صراع مصيري, و الغريب في الامر هو ان البعض منا يغفل عن الطبيعة المصيرية لهذا الصراع الذي لن يحل الا بالقضاء على احد طرفيه, و قد يستهون البعض الاخر امر اي نشاط عدواني ذو تأثير بالغ على التنظيم و يحصره في زاوية ما, مثل انتقاد قائد او هيأة تنظيمية او نعتها بنعوت مسيئة جاهلا او متجاهلا ان السم اذا نفث في بقعة من الجسم فاع فيه و التهمه دون استثناء, و البعض الاخر يجهل خصوصيتنا و حالتنا الاستثنائية و يركب موجة "حرية الرأي" الغربي و يطلق العنان للسانه او قلمه لتشويه ما بناه شعبنا بدمائه و عرقه و معاناته في ظرف لا يتجاوز الاربعين سنة الا بقليل مستغلا فجواته التي لم تسد بعد و هو لا يعلم او لم يتعلم بان الدول التي اقتبس من ثقافتا لديها ثغرات هيالاخرى لم تسد الى الان و عمر دولهم ميئات السنين, وبالمناسبة و هل الرأي الغربي هو ايضا حرا بمعني الكلمة؟, و ان كان كذلك فلماذا لا يصدح كله عاليا بحق شعبنا الشرعي الذي تقر به كل القوانين و الاعراف الدولية التي صنعتها دولهم او شاركت في صنعها؟ ام ان مصالح بلدانهم تتعارض مع ذلك؟, و حتى لا نهب مع السذج و المغرورين يجب ان تحفر في اذهاننا فكرة مفادها ان حرية الرأي و حتى حريات المواطنين في بلدانهم مقيدة بمصالح البلد بطريقة ما حسب قوانين و اعراف كل بلد و كلما صعبت ظروف البلد ضاق مجال الحرية لان امنه و سلامته يوضعان فوق كل الاعتبارات و لا وجود لحرية "استندر" بتاتا لان الحق في الوجود يعلوا على كل الحقوق.
لقد خبر الاولون و صدقهم المتأخرون ان الدول تبنى و ترقى بمستوى وعي و علوي همم مواطنيها و اخلاصهم لخدمة اهدافها النبيلة بما يستنبط من قيم و خصال حميدة متجذرة في شعوبها. و الشعب الصحراوي شعب ذو اخلاق حميدة و قيم نبيلة تلهمنا جميعا لطلب العلى و التحلى بمكارم الاخلاق و الوفاء بالعهد, و قد قطعنا على انفسنا ان نفي بوعد الشهداء في بناء صرح الجمهورية العربية الصحراواية الديمقراطية كاملة السيادة و ان لا نبالي بما دون ذلك خدمة للعدالة و وفاءا بالعهد، لان ما عداه مضيعة للوقت و هدرا للجهد، و عليه فان اقلامنا و السنتنا مطالبة بالتقيد بما تمليه علينا ضمائرنا من وفاء بالعهد و احترام المقدسات و تمجيدها و صيانة المكتسبات و الحفاظ عليها فهي امانة في اعناقنا, صنعها الاباء و الاجداد و علينا مواصلة المشوار في تنميتها و استكمال المهمة المتمثلة في بناء دولة صحراوية مستقلة تتسع لكل الصحراويين و تحقق كل امالهم و تطلعاتهم, لينعمو بالحرية والكرامة الانسانية و العيش الكريم و هي امور لن تتوفر لاي انسان صحراوي الا في كنف هذه الدولة مهما كان حظه موفورا, علما بان غزاة وطننا لن يتركو اي مجال ليتحقق ذلك مادام لهم وجود فوقه نظرا لتعارضه مع نزواتهم الخسيسة و اطماعهم الهستيرية, فلا بد لنا اذن من تظافر الجهود من اجل تغليب ارادتنا في الوجود على ارادتهم في القضاء علينا بمعنى ’’مَاهُ اصدِيكّ اَليِ مَا جَابُ ارغَاهَا’’ يا وطنيي الشعب الصحراوي لقد ادى الاجداد ما عليهم من هذه المهمة الثقيلة و شد الاباء على ايديهم و تركو لنا ارثا لا محيد عن التمسك به و خدمته بكل ما نملك من قوة، و عيب الدار على من بقي فيها.
2017/09/20
محمد فاضل محمد اسماعيل obrero