-->

الوحدة الوطنية .. في فكر شهيد الحرية والكرامة الولي مصطفى السيد


ارتبط مفهوم الوحدة الوطنية بمدى تحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي في اي بلد بالرغم من كون الشعب الصحراوي يتميز بانفراده من بين المجتمعات المغاربية والإفريقية بوحدة الدين واللهجة والثقافة والهوية العربية، وليس مثل المجتمعات التي تتعدد فيها الاثنيات العرقية والدينية وهي امور تهدد الوحدة الوطنية، إلا ان الوحدة احتلت مساحة واسعة من ادبيات ومضامين الخطاب السياسي لجبهة البوليساريو وقد رسخ الولي مصطفى السيد هذا المفهوم ليتجاوز في دلالاته الوحدة الاجتماعية للشعب او الجغرافية للأرض الى وحدة التوجه السياسي والفكري في الالتفاف حول الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، كمظلة جامعة لكل الصحراويين، ورافعة ثورية لتحقيق امالهم وطموحاتهم فهي وحدة على اساس الإطار السياسي الضامن لتساوي الحقوق بين جميع الصحراويين والارتقاء بهم من واقع الضعف والجهل والتخلف والشتات الذي عمل الاحتلال على ترسيخه، الى وحدة قائمة على توحيد الجهد لبناء دولة جامعة لكل الصحراويين. 
فقد تركز خطاب الولي مصطفى على وحدة الفكر ووحدة الاداة السياسية المنبثقة عنه خلال مرحلة الاعداد للوحدة الوطنية وتوضيح الفرق الكبير بينها وبين الوحدة على اساس القبيلة او العشيرة. 
فالوحدة وفق الرؤية السياسية والفكرية للثورة وحدها القادرة على ايقاظ الشعور بالانتماء الوطني والمسؤولية تجاه المصلحة العامة، التي تضمن المشاركة الفعلية للجماهير في الثورة والمساهمة البناءة في التجربة التحررية، فكانت بالفعل شعلة متوهجة اثمرت على مستوى الوعي السياسي والعمل الجماعي. 
وبالرغم من الصعوبات التي واجهت شعب قليل تتجذر فيه امراض القبلية ومخلفات الاستعمار من الانصهار ضمن وحدة وطنية تؤطرها رؤية سياسية، وكيان وطني يكون الولاء فيه للوطن بدلا من القبيلة، ليصبح قادرا على مواجهة المخاطر الخارجية وينتشل هذه الكيانات الصغيرة المؤسسة على اسس القبيلة والعشيرة والجهوية الجغرافية ويصهرها في بوتقة الدولة المدنية التي تتساوى فيها حقوق المواطنين وواجباتهم تجاه الوطن الذي يعاني تبعات التواجد الاستعمارى المباشر ومتربصين من الخارج يتأهبون للانقضاض عليه، ويسعون بكل الوسائل والأساليب الى الابقاء على قابلية الاستعمار عبر نشر التفرقة في مواجهة سلاح الوعي وما تتطلبه المهمة الكبيرة من حشد كل اطياف الشعب الصحراوي واستنهاضه وإيقاظ الروح الوطنية بداخله للتجند ومواجهة الاخطار المحدقة والواقع المرفوض، لكن قوة الاستجابة الشعبية لنداء الثورة عمقت الوعي بان "من يقسم أرضنا يذبح شعبنا بالدافر" وان "أرضنا لنا لا قواعد فيها، خيراتنا لنا لا اقتسام فيها". 
وبرؤيته البعيدة النظر حين قال الشهيد الولي مصطفى السيد بان النجاح الكبير يكمن في وجودنا ككتلة واحدة ملتحمة.. كتلة ولو كانت صغيرة" وبحنكته ونضجه السياسي استطاع الولي ان يجسد هذه الوحدة في اجتماع عين بن تيلي 12اكتوبر1975 وفق الغاية الكبرى التي سعت الثورة الصحراوية الى الوصول اليها وهي: شعب منظم، ملتحم، قادر، محترم وفوق أرضه"، هذه الوحدة التي تضمن المصلحة المشتركة لكل الصحراويين وحاضنة لصمودهم في وجه الاطماع "تتشكل الرابطة من الناحية العلمية على أساس المصلحة، وعليها تتقوى وتنمو، وكلما كبرت المصلحة المشتركة كانت الرابطة أقوى، وكلما كانت المصلحة أقل ضعُفت الرابطة.. معناه أن الرابطة ليست مجردة تتحدد خياليا أو عاطفيا". 
وبتقوية عرى الوحدة الوطنية وشد وثاقها أصبحت الصخرة التي تكسرت عليها مؤامرة الابادة التي بدأت فصولها في 31 أكتوبر 1975 حين شرعت القوات الغازية المدججة بأحدث الأسلحة في اكتساح التراب الصحراوي من الشمال والجنوب وارتكاب أبشع الجرائم في حق المدنيين الصحراويين، من قصف بالنابالم والفسفور، وإحراق المدن والمداشر ورمي الصحراويين من الطائرات، وحفر مقابر جماعية لدفن الأحياء في حرب إبادة شاملة وفي تلك الظروف التي اتسمت بالصعوبة جعلت الجيش الصحراوي يتصدى للاجتياح المغربي الداداهي وتعطيل زحفه وتكبيد قواته العسكرية أكبر قدر ممكن من الخسائر ضمن عمليات مدروسة اعتمدت عنصر المفاجأة، وساعدتها المعرفة الجيدة لتضاريس وجغرافيا الارض وقدرة المقاتلين العالية على الحركة والمناورة القتالية، مع عملية تامين المواطنين الصحراويين الفارين أمام القوات الغازية ونقلهم في ظروف النزوح المريرة إلى مناطق أمنة وتشييد مخيمات لإيوائهم والإشراف على تقديم الخدمات الاساسية لهم وبناء منظومة تعليمية وتقديم الخدمات الصحية وتأسيس الهلال الاحمر وإدارة المنفى كل ذلك تحت نيران القصف وبوسائل ذاتية.. وكل الامكانات العسكرية التي واجه بها الشعب الصحراوي تلك الصعاب هي اسلحة انتزعها من المحتل وحولها من الة دمار وخراب الى اسلحة للمقاومة والتصدي لغطرسة وجبروت القوى الغازية، بعزيمة صلبة وقناعة مترسخة ترفض الخنوع او الاستسلام حتى النصر وتحرير كل الوطن او الشهادة. 
بقلم : حمة المهدي ـ كتاب الثورة الان او ابدا ـ ص 51 ـ دار لارماتن للنشر

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *