-->

بمناسية انعقاد المؤتمر فيها: هل ستصبح تفاريتي العاصمة المؤقتة للجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية؟



التفاريتي الآن أصبحت مشهورة حتى عالميا، وأظن أنه من المعقول أن تعلن البوليساريو في مؤتمرها هذا الخامس عشر أنها ستصبح العاصمة المؤقتة  للدولة الصحراوية بدل مدينة بئر لحلو بسبب الحراك التنموي والسياسي الحاصل فيها، وبسبب شهرتها في المدة الأخيرة . ففي بئر لحلو تصدر كل البيانات وتوقع كل الرسائل الموجهة للعالم، وفيها تم إعلان الجمهورية وهي تاريخية أيضا، لكن طبيعتها الجغرافية وبعدها عن باقي المناطق المحررة قد يجعل الأنظار تتجه نحو التفاريتي التي يتطلع الصحراويون أن تنتقل إليها إدارة البوليساريو بصفة رسمية لخلق تحدي جديد يفرض حراك في جمود الصراع . فما تثيره مدينة أو منطقة التفاريتي اليوم من جدل في الوسط السياسي المغربي يجعل كل من سمع بها يتساءل لماذا هذا اللغط الرسمي المغربي الذي يثار حولها، وماذا تمثل سياسيا وعسكريا واستراتيجيا كأرض في الصراع الصحراوي المغربي منذ البداية. ؟ منطقة التفاريتي هي قلب زمور واحدة من كبريات المناطق الجغرافية الصحراوية، وحسب تواجد الرسومات الصخرية الشهيرة الموجودة في صخور الركيز فقد جعلها الإنسان القديم سكنا له، ويرجح الصحراويون الذين يعرفون المنطقة إن سبب سكن الإنسان فيها هو وفرة المياه في باطنها قديما وصلاح تربتها للنباتات الرعوية وسقوط الأمطار الموسمي فيها.منذ احتلال المغرب للصحراء الغربية كانت التفاريتي حاضرة كمكان له أهمية بالغة في الصراع على الاحتفاظ بالأرض كعامل هام يمكن إن يكون حاسما في الحرب والسلم. ففي زمن الحرب كانت التفاريتي حاضرة دائما فهي المكان الذي جعله الجيش الصحراوي عاصمته العسكرية ومركز قيادته العملي، وفيها تتمركز الناحية العسكرية الثانية الصحراوية التي هي القبضة الضاربة للجيش الصحراوي، ومنها انطلقت جل العمليات العسكرية الكبيرة التي أثرت في مجرى الحرب ضد المغرب، وكانت القوات المغربية تعتقد اعتقادا راسخا أن الجيش الصحراوي يحشد فيها قوات تدخل خاصة يستعملها لحسم المعارك. حين أراد المغرب أن يبني الجدار السيئ السمعة في الصحراء الغربية رأى الخبراء إن الاحتفاظ بمنطقة التفاريتي وجعلها داخل الجدار أمر مهم جدا كي يتم طرد البوليساريو نهائيا من الإقليم وفرض على قواته أن تلجأ إلى خرق الحدود مع موريتانيا إذا أرادت أن تصل إلى الأراضي المحررة في أقصى الجنوب الصحراوي أو حتى قطع الطريق عليها وعزلها عن تيرس التي لم يستطيع الحزام أن يسورها. من جانبه كان جيش التحرير الصحراوي يستدرج الجيش المغربي حتى يصل إلى التفاريتي لتكون مقبرة له. وبين خوف المغرب من معركة فاصلة يخسرها في منطقة التفاريتي، وصعوبة طبوغرافيا المنطقة لم يستطيع الحزام المغربي أن يطوق التفاريتي، وبقيت بيد الجيش الصحراوي كمكان استراتيجي تتمركز فيه ناحية عسكرية ضاربة ومنه تنطلق العمليات.
المغرب وشهوة مسح التفاريتي من الخريطة…
بالنسبة للمحتل المغربي ظلت التفاريتي كعب أخيل له، فقد صارت حاضرة دائما في صنع مشهد المصاعب والمتاعب له، ففي الماضي لم يستطيع الاحتفاظ بها واحتلالها والتمركز فيها عسكريا كما أنه غير قادر على تغيير واقعها الحالي وصورتها حتى لا تخلق له المزيد من المتاعب. ففي الاستراتيجية المغربية كان هناك دائما حنق مغربي ضد هذه المنطقة، فحين تجمع فيها الهاربون من الغزو الهمجي في سنة 1976م كانوا على موعد مع عمليات إبادة قل نظيرها قام بها الطيران الحربي المغربي الذي ألقى فوقها أطنانا من القنابل العنقودية المحرمة دوليا وقنابل والنابالم والتي لا زالت الحفر والمقابر شاهدة على ذلك الحقد المغربي على التفاريتي حتى اليوم. أثناء الحرب حاول الغزاة الوصول إليها عن طريق العمل العسكري البري، لكن وصولهم إليها خاب خيبة مريرة وتركوا وراءهم آثار دباباتهم المدمرة المحروقة التي لا بد أن كل صحفي أو زائر أجنبي لمنطقة التفاريتي أخذ معها صورة تذكارية. في سنة 1990م تعرضت المنطقة لعملية تدمير حاقدة جبانة أمام أعين الأمم المتحدة، فقد هاجمها الجيش المغربي ودمر ما بناه الصحراويون فيها من مستشفيات ومدارس وسواها بالأرض ولم يبق سوى ركامها. ولم يقف بهم الحقد عند هذا الحد بل ردموا الآبار المائية نهائيا وأمطروا الحيوانات والبشر بالموت حتى تركوها قاعا صفصفا.
التفاريتي اليوم... منطقة تسبب صداعا لرأس الاحتلال 
بعد تدمير الجيش المغربي لها سنة 1990م وعدم قدرته على الاحتفاظ بها عادت إليها الحياة من جديد، وعادت الناحية العسكرية الصحراوية الثانية إليها وهي تتوعد أنها لن تحترم أي قرار جديد للأمم المتحدة يترك المغاربة يصلون إلى التفاريتي ويدمرونها مرة ثانية. فالجميع الآن مقتنع أن الانسحاب المؤقت منها سنة 1990م كان خطأ فادحا، وان الجيش المغربي ما كان ليصلها لو لا طلب الأمم المتحدة والدول الكبيرة من البوليساريو عدم التعرض لنزق الاحتلال حفاظا على مخطط السلام الذي تم التوقيع عليه. في زمن وقف إطلاق النار الذي يصاب يوما بعد يوم بمرض الهشاشة استعادت التفاريتي أهميتها كمكان محرر، فهي صارت بمثابة عاصمة الصحراويين المؤقتة عوض مدينة بئر لحلو البعيدة نوعا ما، والاختلاف بين التفاريتي اليوم والتفاريتي سنة 1990م هي أنك تستطيع أن تجزم أن الجيش المغربي لن يدمرها مرة أخرى ولن يصل إليها إلا إذا كان يريد أن لا تقوم له بعدها قائمة ولا تقف له واقفة. الآن صارت المنطقة في غاية الأهمية فهي التي تحتضن أكبر المؤتمرات الصحراوية، وهي التي يتم فيها تخليد أكبر الذكريات وأهمها، وفيها تقام اشهر الندوات الدولية ويسكنها الصحراويون الذي يرتعون ماشيتهم وفيها تربع معظم العائلات الصحراوية حين ينزل المطر في المنطقة، خاصة منذ بدأت تعرف تعميرا اجتماعيا مهما في الآونة الأخيرة ببناء المستشفيات والمدارس الحضرية. إن تحول التفاريتي إلى عاصمة للبوليساريو أصبح أمرا عمليا وزاد من حنق الاحتلال، والآن توجد حول طاولة القصر الملكي الكثير من السيناريوهات لتغيير ما هو حاصل على الأرض في المدينة المحررة وفي ضواحيها. فالسيناريو العسكري فاشل مسبقا بسبب تخوف الجيش المغربي من التعرض إلى هزيمة في المنطقة، كما إن الجيش الصحراوي يتحين فرصة خروج المغاربة للتخلص من وقف إطلاق النار، أما سياسيا فلا يوجد ما يمنع البوليساريو من تعمير المنطقة وإقامة فيها ما تريد من مشاريع فهي منطقة محررة رغم أنف المغرب، وتقع ضمن خارطة المناطق التي تعترف الأمم المتحدة للبوليساريو بإدارتها. إن المغرب حائر الآن في أمر التفاريتي فمرة يهدد بالحرب ومرة بالمسيرات ومرة بالشكوى للأمم المتحدة لتغيير واقعها، كما أنه من الصعب عليه أن يظل يحتمل الضغط الداخلي الذي يطالب النظام بأمرين أولهما تغيير الوضع في التفاريتي أو الاعتراف أمام المواطن المغربي أن النظام يكذب عليه، وأنه لا يسيطر على الصحراء الغربية كلها، وأن جزءا كبيرا منها محرر من طرف البوليساريو.أظن إن إعلان البوليساريو رسميا إن التفاريتي أصبحت عاصمة مؤقتة والانتقال إليها سيجعل الصراع يعرف مرحلة جدية جديدة تجعل المغرب يجد نفسه أمام أمر واقع خطير وصعب.
blog-sahara.blogspot.com.es 
بقلم: السيد حمدي يحظيه

Contact Form

Name

Email *

Message *