-->

التشهير والقذف في ميزان الشريعة الاسلامية والقانون


يعتبر المجتمع الصحراوي من المجتمعات التقليدية المحافظة التي تعطي قيمة كبيرة للاعراض وصيانتها وتعتبر المس منها جريمة لا تغتفر، وفي السنوات الاخيرة ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي بدأت بعض المظاهر السلبية تشكل مادة لمحتويات  هذه الوسائط وصلت في بعض الاحيان الى التشهير والقذف ومن هنا كان لابد من تسليط الضوء على ظاهرة التشهير والقذف ووضعهما في ميزان الشريعة الاسلامية والقانون.
حيث يعد التشهير احد المصطلحات التي تعددت تعريفاتها انطلاقا من النظرة القانونية لحمولة المصطلح ويرى البروفسور دونالد كومرز ــوهو أستاذ محاضر في القانون الدستوري المقارن في جامعة (نوتردايم) في ولاية (إنديانا) الأمريكية يعرف القذف أو التشهير بأنه: "إصدار عبارات علنية شفهية أو كتابية من شأنها على الأرجح أن تسيء إلى سمعة الشخص أو اسمه أو تحط من مقامه في نظر المجتمع ككل"، مشيرا إلى إنه يوجد في الأنظمة الديمقراطية توتر ناجم عن التعارض الدائم بين أهمية حرية شخص ما بالتحدث علنا عن حدث ما أو نشاط ما، أو عن سياسي ما وحق الفرد في الخصوصية الشخصية والكرامة.
ويقول الدكتور محمد سالم الأستاذ بجامعة الملك سعود: "التشهير هو فضح أحد أو بعض الأشخاص على الملأ مما يسبب لهم منقصة ويجعل الناس ينفضون من حول من يتم التشهير به وعدم الثقة فيه، فتشيع لدى الطرف الآخر شهوة التشفي ورغبة الانتقام، وذلك كله بسبب السعي إلى الحصول على مصالح أو تحقيق مغانم، وغالبا ما تكون هذه المغانم وتلك المصالح دنيوية".
ولذلك يرى العلماء أن التشهير بالغير لون من ألوان الغيبة كما أنه نشر للفساد في المجتمع، حيث يشيع التشاؤم ويحمل الناس على التشكيك في الآخرين.
التشهير في ميزان الشريعة.. 
يقول الدكتور عبد العزيز العسكر -أستاذ الشريعة بجامعة الإمام-: "إن التشهير بالناس عبر الإنترنت ممنوع شرعاً من عدة أبواب منها: باب الغيبة والنميمة والبهتان وكلها محرمة، فإذا كان بالإنسان ما ذكر فهذه غيبة، وإذا كان وشاية فهذه نميمة، وإن لم يكن به ما ذكر فهذا بهتان والعياذ بالله".
ومن جانب آخر فإن التشهير محرم من باب إشاعة الفاحشة بالمجتمع الإنساني، والفاحشة ليست مقصورة على الأعمال بل الأقوال أيضاً التي توصف بالفحش إذا جاوزت الأعراف والآداب العامة، والله توعد من يشيع الفاحشة بالمجتمع المسلم بالعذاب الأليم. ويضيف د. (العسكر): "أن هناك جانبًا ثالثًا أسود للتشهير، فهو يعتبر من عوامل الإفساد بين الناس وهذا محرم، الأمر الرابع أن هذا التشهير يعتبر حراما من باب (التخبيب) أي الفرقة، لأنه يخدم العدو، ويضعف الجبهة الداخلية للمجتمع، ويعطي صورة للعالم الخارجي بأن مجتمعنا متفكك ومتناحر، وأن أفراده يتشفى بعضهم ببعض! وهذا كله مخالف لحقوق المسلم على أخيه المسلم".
ثم من جانب آخر ليس هذا بالأسلوب الشرعي للنصيحة ولا للإصلاح، بل هو مخالف لأسلوب النصيحة التي تقوم على المحبة والصدق والرغبة في نفع المنصوح وإصلاح حاله، وهذا الذي يجري إنما هو نوع من التشفي والانتقام الناتج عن ضعف الإيمان وعن الشعور بالنقص وعن قلة الخوف من الله عز وجل ونقص المروءة.
ولقد حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من التشهير بقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا قال الرجل: هلك الناس، فهو أهلكهم» (رواه مسلم: 2623)، أي أن هذا الشخص هو الذي يتسبب في إهلاكهم بهذا القول، أو أنه يكون هو الهالك ويرمي الناس بنقيصته.
كما حذرت السنة النبوية من التشهير أو تعيير أصحاب الذنوب والنقائص، حتى ولو كانت متحققة في الشخص الذي يرمى بها، فقد جيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشارب خمر، فأمر عليه الصلاة والسلام بعقوبته، فقال له بعض أصحابه: "فاسق أخزاك الله" فحذرهم صلى الله عليه وسلم من هذا القول (البخاري: 6777)، بالرغم من أن الفسق متحقق في شارب الخمر، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن مثل هذا القول جعل من صاحبه عونا للشيطان على نشر الفساد بين الناس.
فالله عز وجل جعل ذات المسلم كذات أخيه، فأي إساءة تصدر عن البعض إلى الآخرين تكون مردودة على من أساء بها، وصدق الله العظيم حيث يقول: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات:11]. كما اعتبر الإسلام كرامة الغير من كرامة النفس، فأفراد المجتمع متساوون في أنهم خلق الله وأنهم بنو الإنسان، لذلك لا بد أن يتعامل الإنسان مع الغير كما يتعامل مع ذات نفسه، فإن وعى ذلك جيدا فلا يمكن أن يقوم على التشهير بالغير مطلقا.
الحلول: يقول لويس برانديز رئيس المحكمة العليا في الولايات المتحدة: "إذا كنا نريد أن نصل ذات يوم إلى فضح زيف وبهتان فكرة ما من خلال الحوار، وإذا كنا نريد أن نتفادى الشر من خلال التربية والتعليم، فإن العلاج اللازم هو المزيد من حرية التعبير وليس فرض الصمت".
ترسيخ القيم الإسلامية في المجتمع، وأنه من لم يتق الله في الناس وفي الإساءة إليهم، أو تتبع عوراتهم لا بد أن يفضحه الله وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم، وإذا لم يفضح أمام الناس يفضح في جوف بيته، كما أشار الحديث النبوي إلى ذلك حيث قال صلى الله عليه وسلم: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه! لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته» (أبو داود: 4880)، فالذين يُشهرون بالناس بعيدون كل البعد عن الفهم الصحيح للإسلام وتعاليمه وهديه، والحديث النبوي يشير إلى ما يجب أن يكون عليه المسلم من الخلق فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من ستر مسلما في الدنيا ستره الله في الدنيا والآخرة» (مسلم: 2699)، فليس من باب النصيحة الطعن في الفاسقين المجاهرين بفسقهم وفسادهم وإنما البدء بنصح وإرشاد هؤلاء ودعوتهم إلى الحق والصواب. يرى علم النفس أن الشخصية التي تشهر بزملاء العمل أو بمنافسين شخصية سيكوباتية -الشخصية الناقمة على المجتمع- تعمل ضد القيم الاجتماعية والأخلاقية، لأنها تعاني من بعض العقد النفسية التي ربما تكونت منذ الطفولة نتيجة أساليب تربوية خاطئة أدت إلى الشعور بالنقص والدونية أمام الآخرين، وبأنه أقل منهم جهدا وخبرة وعملا وإخلاصا، ويعتقد أنه لو فعل ذلك وشهر بغيره أو بمنافسه استطاع أن يكسب الأصوات، ولا يعلم أنه بذلك يكون قد خسر نفسه لأنه بهذا العمل شوه سمعة وسيرة من يشهر بهم وقد يكونوا أبرياء، وبالتالي فهناك ضرورة لإيجاد واستحداث مواد تربوية في المدارس مثلا: (التربية الاجتماعية)، حيث يتم عن طريقها إيصال الرسائل الهادفة للتلاميذ، لا سيما في ظل القصور الواضح في أدوار الأسرة التربوية والاجتماعية داخل المجتمع، الذي قد يكون له دورا في انتشارا مثل هذه الظواهر السلبية. يجب على المسلم أن يبتعد عن مواطن التشهير به، بأن يتجنب الشبهات وأن يسير في عمله بما يرضى الله وأن يكون واضحا ولا يظلم الآخرين، وأن يعطي كل ذي حق حقه حتى لا يسلم نفسه وسيرته إلى ألسنة حداد.. قال صلى الله عليه وسلم: «ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه» (متفق عليه)، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم» (متفق عليه)، فنحن مطالبون بقطع الطرق الموصلة للشيطان، أو التي تضع الإنسان موضع الشكوك أو الظنون. عندما يحصل رواد الإنترنت على معلومات من خلال الشبكة العنكبوتية، عليهم ألا ينسوا أنه لا يمكن تحديد دقة وجودة هذه المعلومات، لهذا السّبب على المتصفح أن يحكّم حسن تقديره لدى الاعتماد على المعلومات التي حصل عليها من الإنترنت. بإمكان الجهات التشريعية والقضائية والتنفيذية والرقابية فرض طوق أمني حازم والضرب بقوة على أولئك المشهرين بحقوق الناس وحرماتهم وأشخاصهم. الحاجة تتزايد لإيجاد أنظمة تمنع الإساءة والتشهير بالآخرين، وتُعنى بمخالفات النشر في الإنترنت وتشمل تنظيم إنشاء المواقع على الشبكة العالمية، وعملية إدارتها والإشراف عليها ومتابعتها، وتحديد مسؤولية الناشر والمشرف على الموقع عن كل ما ينشر فيه من خلال تقنين المشاركات وإخضاع المشرف للمسألة القانونية عند السماح بنشر كل ما يخالف النظام، وفي حالة التجاوزات يمكن منعها ابتداء أو حذفها مباشرة، من خلال وضع برامج لا تسمح بنشر المشاركات إلا بعد موافقة المشرف على المنتديات في تلك المواقع، بمعنى أن تكون مسئولية مخالفة النشر في مواقع الإنترنت مسؤولية أصحاب هذه المواقع والمشرفين عليها، كما هو الحال في نظام المطبوعات والنشر ولجان المخالفات الصحفية التي يجرم فيها رئيس التحرير وكاتب المقال عن كل ما ينشر في المطبوعة من أخبار غير صحيحة، تسيء للآخرين في أعراضهم وسمعتهم، بحيث يكون للمتضرر من جرائم التشهير في الإنترنت الحق في المطالبة بالتعويض أو التعزير أو حجب هذه المواقع التي تسيء للغير بدون وجه حق بقوة النظام. للحد من الابتذال الواضح، فلا تكفي الدعوة إلى الاحترام المتبادل والابتعاد عن التشهير والتجريح، التي توضع عند مداخل المنتديات وغرف الدردشة، فمنذ ظهورها سهّلت الإنترنت على كثيرين انتحال صفة مجهول (لا يُحاسب على شيء)، فاتخذوا من خفاياها غرفـًا مظلمة صماء، يبوحون فيها بما لا يجرءون عليه علانية، ولا بد أن نعرف أولاً أن فضائح الإنترنت تبدأ من الضحية نفسها.. فإذا التزمت بالنصائح التي يقدمها المتخصصون، فلن تكون أبداً من ضحايا هذه المافيا، والسبب ببساطة شديدة أنهم يصطادون من يقع في المصيدة بكامل إرادته ورغبته. عدم إعطاء الصور الشخصية مهما كانت صغيرة إلى أشخاص لا تثق فيهم ثقة تامة، والامتناع عن إرسال الصور الشخصية إلى أي موقع إنترنت، حتى لو كان موقعاً للتعارف أو الصداقة أو الدردشة، لأن القناصة ومحترفي التزييف يستطيعون الحصول على هذه الصور وتركيبها على صور عارية ثم إعادة وضعها على الشبكة. يجب الحذر عند منح الأشخاص الغرباء أرقام الهواتف الخاصة، لأنهم قد يضعوها بسهولة تامة في مواقع الشات، كما يجب ألا نستجيب لرغبات بعض الأشخاص المجهولين والذين يطلبون منا عبر الرسائل الإلكترونية إرسال صورنا إليهم، فأحياناً تدخل الفتاة في دردشة -شات- مع فتاة لا تعرفها، وتتوطد العلاقة بينهما عبر الإنترنت، وتعتقد الفتاة أنها حصلت على صديقة تتيح لها الفضفضة الحرة في ساعات الليل، وحين تتلقى منها صورة شخصية، لا تجد مفراً من الاستجابة لطلبها بإرسال صورة مثيلة، ولكنها تكتشف في النهاية وربما لا تكتشف أبداً أنها كانت تدردش طوال هذه الفترة مع رجل أو شاب يتخفى في ثوب امرأة عبر الإنترنت، وأنه أرسل لها صورة لأي فتاة يعرفها، وتكون النتيجة أنه حصل على صورتها، ويمكنه بسهولة تركيبها على أي صورة مشينة ووضعها على موقع إباحي. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
المصادر:
كيف نفرق بين التشهير وكشف المفاسد؟ د. محمد سالم.. التشهير عبر الإنترنت.. سابقة قضائية بدر البدر.. التشهير بالناس عبر النت.. جرائم استفحلت.. تبحث عن عقوبات وحلول/ هيام المفلح.

Contact Form

Name

Email *

Message *