رأي : الثابت و المتغير في انتفاضة الاستقلال ( أربع سنوات )
مبارك سيدأحمد مامين
قبل أن أبدأ بتقديم هذا الرأي ، أود في البداية غلق الباب أمام أي تأويل لهذه السطور ،قد يصدر من قبل الرفاق و الرفيقات ، و أقول أنه كما للآخرين الحق في الإختلاف مع المنهجية التي سيرت الأربع سنوات الماضية على مستوى الأرض المحتلة ،فيحق لنا نحن أيضا أن نعبر عن ما نراه و ما شهدناه في الفترة الماضية بين المؤتمرين ، وطبيعة ما بقى ثابتا و شكل المتغير _ بين المؤتمَرين دائما _ . فكما احترمنا اختلاف الإخوة مع منهجية التسيير في الأربع سنوات الماضية ، فيجب على الإخوة و الأخوات أيضا احترام هذا الرأي ، الذي يأتي على الأقل في وقته الطبيعي ، كما سنحاول من خلاله تشخيص الواقع في سطور تعتبر قليلة مقارنة بحجم الملف .
لن أتحدث عن المسؤول السابق كشخص لأن ذاك لا يهم ، ولكن سأتحدث عن النتائج وطبيعة التسيير ، لأن الحُكم على أي عمل يجب أن يقييم أساسا النتائج المحصلة، أو على الأقل الثابت و المتغير بين الأمس و اليوم بشكل موضوعي ،و نقد النواقص و تأييد الإيجابيات يجب أن يكون خاليا من أي خلفيات أو أحكام مسبقة ، و النقد البناء أو التأييد الإيجابي عادة يكون في وقت التقييم، أي بعد مرور وقت كافي لبلورة هذا الرأي ، وليس مع بداية السنة الأولى للمسؤول نبدأ بإطلاق الأحكام المسبقة وعمليات النقد المستمرة ، التي تربك الفعل أحيانا إن لم نقل أشياء أخرى .
قلنا قبل ثلاث سنوات ، أن تقييم أداء أي مسؤول لملف الإنتفاضة يحتاج وقتا وصبرا ، وإذا كنا فعلا وصلنا في الوضع الحالي لمرحلة التقييم ، فهذا إذا كان احتاج صبرا ووقتا ، فإنه أيضا يحتاج _ كما قلت سابقا _ فهم المرحلة التي تمر منها قضيتنا الوطنية ، لنستطيع تحديد ماذا يمكن أن نقدم و بأي أسلوب ؟ . فالمرحلة تمر في ظل تأكد طرفي الصراع أن المعركة بدأت تصعد نحو اتجهات أخرى ، تختلف عن ما كانت عليه سابقا ، وبالتالي أصبح الملف يأخذ طابعا آخر وهو ما يتطلب تغير التكتيك و نمط الفعل، و إحداث تغيرات جوهرية راديكالية في الخطاب الموجه للخارج و الداخل ،حتى و إن تجاوز هذا الخطاب، المقرون طبعا بالفعل، الأسس السياسية و القانونية التي يظهر للأسف أننا الطرف الوحيد في المعادلة الذي يلتزم بتلك الأسس التي أصبحت متجاوزة ، رغم أن الطرف الصحراوي بدأ يتجه نفس الإتجاه بعد قرار مراجعة عملية السلام الذي دعمه أغلبية المؤتمرين و المؤتمرات في المؤتمر 15 الأخير ، فالقيادة السياسية اتخذت هذا القرار بعد أن أصبح الإحتلال يتجاوز كل الخطوط الحمراء ، الأخير الذي أدرك بشكل مسبق أن "القانون و حقوق الإنسان ... الخ "هي أشياء ذابت في معترك السياسة و المصالح الدولية ، بالتالي وانطلاقا من هذا الواقع الراهن من المفروض أن تكون معركة حقوق الإنسان مكملا لا أداة رئيسية في سلم الأولويات ، ما دام الجميع فهم أن تحقيق النقاط يُحقق بخلق التوتر و تغيير المعطيات على الأرض .
فإذا تحدثنا عن الإنتفاضة في الأربع سنوات الماضية ، في ضوء الظروف التي ذكرتها سلفا ، فإن هذه الجبهة النضالية المحورية مرت بمحطات جسدتها الجماهير كفعل استثنائي ، كمحطة 28 يونيو إبان زيارة هورست كوهلر للعيون المحتلة ، و بعد ذلك محطة 19 يوليوز الأخيرة ، بالاضافة للمظاهرات التي تحدث بشكل شهري أو أسبوعي في شوارع العيون بشكل مفاجيء ، وهي مظاهرات قد يستهين بعضنا بها ، ولكنني فصّلت سابقا في دورها الكبير الذي لا يلمسه الكثيرون . هذا الدور المتمثل في الحفاظ على الفعل الميداني أولا، و ثانيا دورها في مراكمة التأثير النفسي على الجماهير _من خلال الإنتهاكات المصورة _ لتكون هاته الجماهير واعية بمستوى الظلم و القهر الذي يعيشه بنو جلدتها ، وهذا يحقق دافع نفسي يجعل الجماهير تنتج المحطات الكبرى.
إذن ما دام فعل الجماهير مرتبط بظروف معينة ، تجعل من هذا الفعل موسميا بشكل طبيعي ، ينطبق على أغلب الحركات الشعبية الجماهيرية ، التي تخضع لقواعد و دوافع معينة تنتج الفعل الموسمي ، فإنه يصعب إحداث التأثير الفعال الذي يأتي بنتائج و أدوات تتحرك بشكل منظم تخلق فعل جماهيري كبير و في ظرف زمني قصير ، وهو ما يجعل الفعل الميداني الحالي المنظم على بساطته وقلة عدد منفذيه "قاطرة سيكولوجية للجماهير" لفعل ميداني أكبر ولو كان هذا الفعل الجماهيري الكبير موسميا . هذا على المستوى القاعدي-الشعبي ، أما على مستوى الإطارات و الأطر و الخطاب و شكله ، فأعتقد أنه في السنوات الثلاث الماضية استطاعت جبهة الانتفاضة الخروج "من الروتين الحقوقي " نحو "الفعل السياسي الواضح " ، وهذا ملاحظ على المستوى الميدان و الخطاب ، وهو تقدم ينسجم مع المرحلة التي تحدث عن جانب منها في الفقرة الثالثة من هذا المقال .
هنا قد نتفق أن ما ميز المرحلة الماضية هو " الخروج عن الروتين الحقوقي " نحو ماهو سياسي ، وهذا أخرج الإنتفاضة من حسابات القانون و جعلنا نتخلص من ذاك الحذر المفرط في الخطاب القانوني الناعم الذي يكاد يلامس الحياد أحيانا ، باعتباره كان سابقا "تكتيك" لانتزاع مكاسب ولكنه تحول مع الوقت لخطاب خارج السياق ولا يخدم المرحلة . فخروج الإنتفاضة من روتينها السابق وضعها في سكة المرحلة الحقيقة ، وهي "الدولة ولا شيء غير الدولة" كعنوان لمعارك الديبلوماسية الصحراوية إفريقيا و في مناطق أخرى ، وعززه الجيش الشعبي الصحراوي من خلال بسط السيادة و ضمان نقل مؤسسات الدولة الصحراوية لأرضنا المحررة ، و ولكن الأهم هو أن تنسجم معه الانتفاضة شكلا و خطابا بالعلم الوطني و شعار " الدولة الصحراوية هي حل القضية " .
هذه الانسجام مع الواقع السياسي للقضية لم يكن له أن يتحقق بهذه السرعة سوى بعد أن توفرت إرادة حقيقية و جرأة على الفعل ، رغم ما ينتج عن هذا من ردود فعل لا أود الخوض حاليا في طبيعتها وأسبابها الحقيقية ، ولكن يحسب لمن كان مسؤولا في الفترة الماضية جرأته و مبادرته في كسر المنهجيات الروتينية التي جائت بها تراكمات، والتي انتجها واقع يعاني نذرة المبادرة وضعف التشخيص المتجرد للوضع ، فكانت الإنتفاضة تسير بمنهجية واحدة لسنوات في ظروف مختلفة ، فلم نجني أي نتيجة مختلفة ، وهي حتمية تحدث عنها اينشتاين في وصفه لذاك الذي يسير بمنهجية واحدة وينتظر نتائج مختلفة .
ختاما أعتقد أن الجميع أصبح اليوم قادرا على فهم أن المرحلة سياسية وفقط ، لا تتحمل أي انضباط مفرط للقانون أو إنهاك الجهد في جبهات لا تحقق الكثير لمعركة "الدولة " الراهنة ، وهو ما يتطلب من كل مسؤول أو مناضل قاعدي السير بشكل منسجم إلى جانب الأولويات و العناوين العريضة لمعركتنا الحالية ، وجعل كل الأدوات بخطابها و ممارستها تنسجم مع هذه الأولوية .
شكرا للوزير المنتهية مهامه بوزاة الأرض المحتلة و كل التوفيق للوزير الجديد .
الدولة الصحراوية المستقلة هي الحل .