مقتل قاسم سليماني: تهديدات أمريكية إيرانية متبادلة ودعوات دولية لضبط النفس و تجنب التصعيد
تصاعدت الحرب الكلامية و التهديدات المتبادلة بين الولايات المتحدة و ايران على خلفية مقتل قاسم سليماني ، قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الايراني في غارة أمريكية استهدفته فجر أول أمس الجمعة في العاصمة العراقية، وسط دعوات دولية للطرفين لضبط النفس و تفادي تصعيد اضافي للتوتر في المنطقة قد يدخلها في دوامة من العنف لا يمكن السيطرة عليها.
وقتل سليماني ونائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" العراقية أبو مهدي المهندس الى جانب خمسة من مرافقيهم عند استهداف موكبهم، بضربة جوية نفذتها طائرات أمريكية فجر الجمعة، قرب مطار بغداد الدولي، في عملية لقيت ادانة واسعة من قبل الحكومة والقيادات والأحزاب السياسية في العراق وفي دول أخرى.
وبررت وزارة الدفاع الأمريكية في بيان عملية قتل سليماني التي جاءت بترخيص من الرئيس دونالد ترامب، باعتبار ذلك "عملا دفاعيا" ضد سليماني الذي زعمت بأنه "كان يخطط لشن مزيد من الهجمات ضد الدبلوماسيين الأمريكيين والقوات الأمريكية في العراق".
و تسببت عملية اغتيال قاسم سليماني، في تبادل كلا الطرفين الامريكي و الايراني لغة التهديدات، حيث حذرت ايران على لسان رئيسها حسن روحاني، من أن الولايات المتحدة الأمريكية "ستتلقى ردا صاعقا " و "ستشهد لسنوات قادمة تداعيات مقتل قاسم سليماني" الذي "لم يكن فقط قائدا للعمليات العسكرية ومخططا رئيسيا لها، بل أيضا شخصية سياسية واستراتيجية متميزة لا مثيل له"، على حد قول روحاني.
كما توعد القائد العام لقوات "حرس الثورة" في ايران اللواء حسين سلامي اليوم الولايات المتحدة ب "انتقام مؤلم " جراء قتلها اللواء قاسم سليماني و الذي يشكل" نقطة البداية لنهاية التواجد الامريكي بالمنطقة" كما قال.
و وصف اللواء سلامي ، قاسم سليماني بأنه "كان مهندس الهزائم الاستراتيجية لأمريكا خلال العقود الماضية ولم يسمح بتحقق السياسات الميدانية الاستراتيجية الامريكية في المنطقة".
وردت الولايات المتحدة بتهديدات مماثلة حيث حذر الرئيس ترامب إيران من استهداف مواطنين أو مصالح أمريكية ردا على مقتل سليماني، مهددا بأن الرد الأمريكي "سيكون سريعا جدا وقاسيا جدا". و ذلك بالرغم من انتقاد شخصيات أمريكية للضربة الامريكية ضد قائد "فيلق القدس" الايراني في بغداد.
فقد وصفت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، قتل قاسم سليماني بأنه "عمل عسكري استفزازي وغير متناسب يعرض الجنود والدبلوماسيين الأمريكيين و حلفائنا للخطر".
وضمن تهديداته، قال الرئيس ترامب في تغريدات على موقع "تويتر" اليوم ان بلاده "حددت 52 موقعا إيرانيا - بعضها على مستوى عال جدا و مهمة بالنسبة لطهران- ستضربها إذا هاجمت إيران أي أمريكيين أو أي أصول أمريكية"، موضحا أن "الرقم 52
يمثل عدد الأمريكيين الذين احتجزوا رهائن في السفارة الأميركية في طهران" على مدى أكثر من سنة أواخر سنة 1979.
العراق يدين قتل سليماني على أراضيه و يرفض أن يكون ساحة للصراع الامريكي الايراني
وفي بغداد قوبلت عملية استهداف سليماني على الاراضي العراقية، بإدانة قوية من طرف الحكومة و الطبقة السياسية على اختلاف توجهاتها، وسط رفض العراقيين بأن تصبح بلدهم ساحة مواجهة بين واشنطن وطهران، الأمر الذي يهدد بتدهور الوضع الأمني الهش في البلاد.
فقد اعتبر رئيس الوزراء العراقي المكلف عادل عبد المهدي الهجوم الذي أدانه بشدة بأنه "عدوان على العراق دولة وحكومة وشعبا وخرقا للسيادة العراقية" .
وقال في بيان "إن اغتيال قائد عسكري ايراني /على الاراضي العراقية/ يشغل منصبا رسميا، يعد عدوانا على العراق دولة وحكومة وشعبا".
ورأي محللون أن العراق "يواجه حاليا تحديا كبيرا في أن يصبح ساحة مواجهة بين الولايات المتحدة وإيران" ولم يستبعدوا أن يشكل لبنان وسوريا واليمن بدورهم "ساحات محتملة لإيران لمواجهة سياسة ومصالح الولايات المتحدة"، مشيرين إلى أن "كل الاحتمالات واردة وأن الأمور معقدة بما يجعل مسرح المنطقة مفتوحا على كل السيناريوهات بما فيها المفاوضات ..." بين طهران وواشنطن للبحث عن مخرج سلمي للعلاقات المتأزمة بينهما.
دعوات للتهدئة و ضبط النفس
و أثارت التطورات المتسارعة في المنطقة مخاوف من انزلاق الوضع الى مزيد من التوتر ، ما دفع بعديد من الدول و المنظمات لدعوة الاطراف المعنية الى تفادي التصعيد و السعي الى حل المشاكل عبر الحوار.
و في هذا السياق شدد الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، على
"الحاجة الى احتواء التصعيد" بعد مقتل اللواء قاسم سليماني.
وكتب على حسابه على موقع/ تويتر/ أنه بحث المسألة مع وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف خلال اتصال هاتفي التطورات الاخيرة وشدد على"الحاجة الى إظهار ضبط النفس وتجنب أي تصعيد جديد".
وحثت الصين على لسان وزيرها للخارجية وانغ يي الولايات المتحدة على "عدم إساءة استخدام القوة" معتبرة أن "الأعمال العسكرية الأمريكية الخطيرة انتهكت الأعراف الأساسية للعلاقات الدولية وستزيد من حدة التوترات الإقليمية" ودعت إلى السعي وراء حل المشكلات عبر الحوار.
وتسعى المانيا الى اجراء محادثات لمنع التصعيد في المنطقة حيث أعلن رئيس دبلوماسيتها هايكو ماس أن بلاده "ستبذل قصارى جهدها للعمل داخل الأمم المتحدة في الاتحاد الأوروبي وبالحوار مع شركائنا في المنطقة" بما في ذلك إجراء محادثات مع إيران "من أجل منع تصعيد الوضع".
وقال أنه "على الجميع أن يدرك أن أي استفزاز يمكن أن يؤدي الآن إلى دوامة من العنف لا يمكن السيطرة عليها والتي قد تتسبب في عواقب لا يمكن التنبؤ بها للمنطقة بأكملها وكذلك على أمننا في أوروبا".
بدوره دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال اتصال هاتفي امس السبت مع نظيره العراقي برهم صالح "الجميع الى العمل لمنع تحويل العراق إلى ساحة صراع بين الأطراف المتنازعة في الأزمات الدولية" معتبرا أن "استقرار الشرق الأوسط يتطلب العمل من أجل تجنيب العراق و المنطقة تداعيات الأزمات الدولية والإقليمية".
الى ذلك قررت عديد من الدول و منها الولايات المتحدة و كندا و بريطانيا دعوة مواطنيها الى مغادرة العراق أو تجنب السفر الى المنطقة تحسبا لأي تطورات أمنية أخرى فيما قررت دول أخرى تعليق رحلاتها الى بغداد و منها الاردن و مملكة البحرين ، وعلقت كل من السويد و ألمانيا و حلف شمال الأطلسي /الناتو/ أنشطة التدريب التي يقومون بها في العراق مؤقتا بعد عملية اغتيال قائد " فيلق القدس" في الحرس الثوري الايراني .