النظام المغربي والإرهاب
بقلم / ذ. فريد بوكاس ، صحفي باحث وناشط سياسي
تورط النظام المغربي في تفريخ وتجييش ودعم الإرهاب لم يعد خافيا على أحد، فعديدة هي التقارير التي تحدثت عن الموضوع مشيرة إلى أن الأمر بدأ مع حرب أفغانستان مرورا بحرب العراق وسورية وليبيا، ولا يزال مستمرا إلى الآن، حيث كان الإرهاب يوظف من قبل واشنطن و“إسرائيل” ومخابرات الحلف الأطلسي ومشيخات الخليج وعلى رأسها السعودية من أجل تحقيق أهداف جيوسياسية وجيوستراتيجية.
والنظام في عهد العاهل محمد السادس لم يتغير عن النظام في عهد والده، حيث استمر في استغلال التعاون الدولي مع قوى الهيمنة الغربية في “محاربة الإرهاب” ليستعمله من حين لآخر من أجل تحقيق أهدافه الخاصة كورقة لابتزاز أوروبا بمعية ورقة الهجرة السرية.
ولعل ما كشفه موقع “لي موتون روبيل” أو “الخراف المتمردة” منتصف شهر غشت الماضي استنادا لمعلومات مسربة من العميل السابق للمخابرات الأمريكية ‘إدوارد سنودن‘، من أن المغرب، وفي إطار استراتيجية ما يسمى بـ“عش الدبابير” والتي تقضي بتجميع الإرهابيين في 6 دول من بينها المغرب لتدريبها وإعادة إرسالها لبؤر الصراع، واستقبال الرباط لـ‘أبو بكر البغدادي‘ الذي تلقى تدريباً عسكريا من الموساد الإسرائيلي في الأردن، وتدريبا دينيا في المغرب شمل طرق التواصل ومخاطبة التكفيريين بدروس تطبيقية تمت على معتقلي أمير المؤمنين من الإسلاميين الذين يقبعون في السجون المغربية برعاية المخابرات الأمريكية والبريطانية و“الإسرائيلية“، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك تورط النظام في دعم الإرهاب لا في محاربته. وهو ما جعل الحكومات الغربية تطرح أكثر من سؤال حول قرار الملك العفو عن الإسلامويين الذين خضعوا لدروس “الخليفة” أبو بكر البغدادي بعد عمليات برشلونة مباشرة.
وتذكر صحيفة “الوقائع” (La Cronica) الإسبانية في عددها الصادر يوم الأحد الماضي، أن رعاية المغرب للإرهاب ليس بالأمر الجديد أو المفاجئ، فقد سبق للعاهل الراحل الحسن الثاني أن استخدم الدين كسلاح لـ “السيطرة المزدوجة“: السيطرة على المواطنين والسيطرة على أوروبا. وطرح الحسن الثاني على الطاولة عام 1994 موضوع الإرهاب صراحة، عندما أراد من الاتحاد الأوروبي أن يأذن له بدخول الطماطم المغربية إلى الأسواق الأوروبية بدون رسوم جمركية، هذا علما أن القصر هو المستفيد من تصدير المواد الفلاحية إلى أوروبا والتي لا خضع في المغرب للضرائب.. ففي اجتماع مع رئيس المفوضية الأوروبية، ‘جاك ديلور‘، أخبر الأخير الحسن الثاني بأن المعسكر الإسباني ومجموعات الضغط الإيطالية والفرنسية يعارضون ذلك. فرد السلطان قائلا: “حسنا، أنا أفهم هذه الصعوبات، ولكن إذا لم يتمكن المغرب من تصدير الطماطم فإنه سيضطر لتصدير الإهابيين “.
وتقول الصحيفة، هنا نرى اللعبة الضارة بين الملك الأب الذي يخير أوروبا بين تصدير الطماطم أو تصدير الإرهابيين، وبين ابنه العاهل الحالي الذي يخيرها بين الصمت “الودي” على ما يحدث في منطقة الريف وعموم المملكة من قمع واعتقالات وتعذيب وفساد ينخر كل مفاصل الدولة أو تصدير الإرهابيين. ومن وجهة نظر صحيفة “الوقائع“، هذه هي “المعادلة” التي تحكم العلاقة بين المغرب وأوروبا من زمن الحسن الثاني إلى زمن وريث عرشه وسياساته.
القصر ولعبة الدين و السياسة.
معضلة النظام المغربي تكمن في أنه لن يكون بمقدوره الاستمرار طويلا في لعبة الابتزاز هذه، فقد بدأت عديد الأصوات ترتفع في أوروبا وأمريكا لمراجعة العلاقة مع المملكة الإرهابية ووضع حد لابتزازها بسبب فسادها وانتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان في الصحراء الغربية والريف والداخل أيضا.
والنظام لا يستطيع الادعاء بعد اليوم أنه يعتمد إسلاما معتدلا، باعتبار أن الدولة المغربية دولة إسلامية، وأن الملك هو أمير المؤمنين، ورئيس المجلس العلمي، ويهيمن على الحقل الديني من خلال وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي تفرض رقابة صارمة على المساجد وتروج لخطاب موحد تمجد فيه أمير المؤمنين وتشيد بمناقبه وتعتبر كل من يعارض سياساته عميل وانفصالي يسعى لإشعال الفتنة وسط شعب آمن.
ولعل الخطأ الذي ارتكبته أوروبا عموما وإسبانيا بشكل خاص، هو أنها سمحت للنظام المغربي بالهيمنة على المساجد من خلال توظيف وتدريب وتمويل الأئمة، بزعم أن المغرب يحرس على الأمن الروحي لرعاياه في المهجر، هذه الاستراتيجية سمحت للنظام بتفريخ الإرهاب في أوروبا والقول بعد ذلك أن لا علاقة له بما يحدث فيها من تفجيرات لأن من قاموا بها هو مواطنون أوروبيون فشلت أوروبا في إدماجهم، كما حدث في تفجيرات برشلونة الأخيرة التي خرج المخزن المغربي يعلن براءته منها والقول أن لا علم له بها، هذا في حين أن من أشرف عليها هو إمام مغربي أكدت المعلومات أنه قام بالتخطيط لها في المغرب.
وبالتالي، فالحقيقة هي بعكس ما يروجه الخطاب الرسمي، فمحمد السادس ليس ذاك الملك الحديث كما يحاول أن يوهم من خلال خطابه وتصرفاته، بل هو أبشع من والده، لأن في عهده تحديدا، وبرغم الإصلاحات الدينية التي يقول أنه أجراها، يشكل المغاربة جيشا ضخما من الإرهابيين الذين يقاتلون في العراق وسورية، وهؤلاء لم يسافروا إلى هناك بالصدفة. كما أن 70 % من العمليات الإرهابية التي ضربت أوروبا خلال الخمسة عشر سنة الماضية قام بها مغاربة.. فهل الأمر محض صدفة؟..
وتتساءل صحيفة “الوقائع” بناء على هذا المعطى الذي كانت قد أشارت إليه المخابرات الأوروبية، عن السر في أن الإرهاب المغربي لا يستهدف إلا دولا أوروبية كفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وبلجيكا وإسبانيا وفنلندا ولا يضرب في المغرب (؟).
وهنا تقول الصحيفة، إن الأمر لا يتعلق بفعالية أجهزة المخابرات في حماية الداخل المغربي من الإرهاب، بل على العكس، لأن تفكيك عشرات الخلايا الإرهابية وفقا للبيانات التي قدمها المدير العام لمديرية الدراسات والتوثيق، ياسين المنصوري، وعلى وجه التحديد، من 2002 إلى 2014، تم تفكيك 126 هيكلا جهاديا (41 منها تتعلق بسورية والعراق والساحل) وتم اعتقال 2667 من المتطرفين. وبالإضافة إلى ذلك، تعطلت 276 محاولة، منها 119 هجمة بالقنابل ضد أهداف متعددة، مثل المباني الرسمية والمواقع السياحية والتمثيل الدبلوماسي ومراكز العبادة المسيحية واليهودية، وهو ما يطرح أكثر من سؤال حول مسألة الفعالية المزعومة. وهو ما تشير إليه الصحيفة ضمنا من أن الأمر يتعلق بعمليات مدبرة لإعطاء الانطباع أن أجهزة المخابرات المغربية أكثر فعالية من نظيرتها الغربية في محاربة الإرهاب، وبالتالي ضرورة التعاون معها في هذا المجال.. هذه هي اللعبة.
وحول الهجومين على الأراضي المغربية – الدار البيضاء في عام 2003 ومراكش في عام 2011 – قال وزير الداخلية السابق إدريس البصري، من باريس، إن تفجيرات 16 مايو / أيار 2003 والتي ضربت “كاسا دي إسبانا“، مطعم إيطالي، وفندق فرح، ومعبد إسرائيلي، ومقبرة يهودية قديمة، وتسببت في مقتل خمسة وأربعين شخصا، بينهم خمسة إسبان.. قال الوزير السابق لمراسل قناة الجزيرة مباشرة بعد الأحداث: “إن الهجوم ليس من عمل جماعات إسلامية في الداخل أو أية جهة خارجية، بل عمل داخلي قام به النظام“.
وثمة حالة أخرى مشابهة هي الهجوم على مقهى أريانا في مراكش في 28 نيسان / أبريل 2011. وعزت السلطات المغربية الهجوم إلى “حركة السلفيين الجهادية“، وهي عبارة عامة فضفاضة تشمل جماعات متطرفة مختلفة في المدار الأيديولوجي لتنظيم القاعدة. ومع ذلك، فإن نتائج التحقيق في مكافحة الإرهاب من قبل المخابرات الأوروبية لم تسلط الضوء على هذا التنظيم الهلامي لعدم توفر معلومات تؤكد وجوده.
لكن اللافت تقول الصحيفة، هو أن تفجيرات الدار البيضاء عام 2003 ساعدت النظام على السيطرة على الإسلاميين بسبب الاعتقالات الواسعة التي قامت بها، وفي نفس الوقت كبح لسان وسائل الإعلام، ما أدى إلى انتكاسة على مستوى الحريات.. وخلال هذه المرحلة أصبح محمد السادس من بين أغنى الملوك في العالم (؟؟؟)..
ومن الواضح أن المغرب يستفيد من الهجمات على أرضه وكذلك في أوروبا. وتقول الصحيفة، إن الوزير السابق ادريس البصري أكد أن هدف تفجيرات ماي 2003 قد تحقق، سواء لجهة كبح الحريات والسيطرة على الإسلاميين (اعتال أكثر من 7 ألف شخص)، وفي نفس الوقت ربح الملك الوقت الكافي لينمي ثروته بعيدا عن أعين الرقابة، فأصبح سابع أغنى ملوك العالم، هذا فيما زادت معدلات الفقر والقمع للشعب المغربي بشكل مهول.
وتلاحظ الصحيفة، أن تفجيرات أركانا (مراكش) ساعدت النظام بشكل كبير على كبح جماح حراك 20 فبراير الذي كان يرفع شعار محاربة الاستبداد والفساد.
المركز الوطني للاستخبارات الإسبانية (CNI)، وفي تقرير سري مقدم شهر مايو 2011 من قبل مديرها العام ‘فيليكس سانز رولدان‘ إلى وزراء الداخلية والخارجية والدفاع في مجلس أوروبا، أكد أن المغرب حقق “استراتيجية من حجم كبير” في إسبانيا، صممها وطورها النظام العلوي، وهدفها هو توسيع نفوذه وزيادة سيطرته على ما أسماه التقرير بـ“المستعمرات المغربية” باستخدام الدين كسلاح.
وفي التقرير المتعلق بتمويل الإسلام في إسبانيا، يقدم المعهد الوطني للإحصاء مثالا آخر على استخدام الإسلام لأغراض سياسية. ففي تشرين الثاني / نوفمبر 2008، أشار إلى أن “وزارة الشؤون الإسلامية المغربية عقدت اجتماعا جامعا في مراكش حضره عدد كبير من الأئمة ورؤساء الطوائف الإسلامية في إسبانيا“.. وخلال هذا الاجتماع الضخم، وعد الأئمة “بتمويل جمعياتهم ومساجدهم مقابل التمسك بارتباطهم بإمارة المؤمنين ومفاهيمها الخاصة للإسلام. والسؤال الذي طرحته المخابرات الإسبانية في حينه هو: ما علاقة مدير المخابرات الخارجية ياسين المنصوري بالدين ليؤطر مؤتمرا لأئمة المساجد في إسبانيا؟..
إن اللعبة تكمن في استعمال المخابرات المغربية لورقة الإسلام الجهادي لابتزاز أوروبا عموما وإسبانيا على وجه الخصوص، وقد نجح النظام بالفعل في الضغط على أوروبا كي تتخلى عن دعم الصحراويين الذي يطالبون باستقلال الصحراء الغربية عن المغرب، والضغط أيضا لعدم دعم حراك الريف الذي يرعب النظام مخافة أن يتحول إلى حركة تمرد، والتزام الصمت “الودي” أمام فساد النظام وما يقوم به من انهاكات خطيرة في حق شعبه.
إن الدين تحول في عهد إمارة المؤمنين إلى سلاح يحمي الفساد ويشرعن الظلم والاستبداد.. والمشكلة هي أن من يدعم الإرهاب ويستخدمه كسلاح ضد شعبه وضد شعوب أوروبا يقول أن لا علاقة للإسلامه “المعتدل” بالإرهاب، وأن لا علاقة للمغرب بالإرهاب..
فمن يصدق؟..