-->

جيعان طايح فأبسيسة !


سمعت مرات بهذا المثل الحساني ، الذي يوحي بتصرف أعمى يفتقد صاحبه إلى شئ من التأمل والإدراك ، ووجدته ينطبق اليوم وبالفعل على الكثير ممن بادروا الى الترشح لعضوية المجلس الوطني الصحراوي دون دراسة مسبقة لقراراتهم بهذا الشأن .
لقد لفتت إنتباهي ملاحظة البعض على إدخال واجب الخدمة العسكرية ضمن شروط الترشح لعضوية البرلمان ، وكأن هذا الواجب لم يكن مطروحا ، أو أنه حديث العهد في دولة أسستها حركة تحرير ، سبق وأن أعلنت الكفاح المسلح كأنجع أسلوب لفرض الوجود وبسط السيادة ، ولعل هذا الهدف هو الذي مازلنا نسعى إلى تحقيقه حتى اليوم ، فلماذا إذا نقرأ الأمور في حدود ضيقة ونقصر عن قراءتها في أطاراها الأشمل ؟
إن واجب الدفاع عن الشعب والوطن ضرورة تمليها الظروف الإستثنائية للصحراويين ، والتي تحتم عليهم جميعا دون إستثناء مراعاة المصلحة العامة والمصير المشترك أولا وأخيرا ، وبالتالي فشرط الخدمة العسكرية لا يجب أن تسقطه مرحلة اللا حرب واللا سلم التي نمر بها ، ولا تغول الدولة على الحركة ، ولا الرغبة العمياء للبعض من أجل تحقيق حاجة في نفس يعقوب .
إن الذي يجب أن يعيه الجميع وألا يتجاهله بالنظر إلى متطلبات الصراع مع العدو ، هو أننا قاتلنا الإحتلال المغربي لما يقارب 16 سنة ، وناضلنا ومازلنا نناضل بطريقة سلمية ، وسنحمل السلاح ثانية إن دعت الضرورة إلى الحرب ، وهذا يحتم علينا كشعب مظلوم أن نكون مجندين ومستعدين لكافة الإحتمالات . 
التجارب السابقة للبرلمان الصحراوي سادها الكثير من التقصير ومن الخروج عن المألوف ، من طرف النواب الذين إنتخبوا على مقاييس ناقصة وعلى أسس هشة ، سمحت لكل من هب ودب من أهل الكفاءة العلمية ومن غيرهم بالترشح ، فليس كل من يحمل شهادة أو مر بتجربة "مرور الكرام" ، هو مؤهل بالضرورة للولوج إلى قبة البرلمان ، خاصة إذا وضعنا في الحسبان ضعف التجربة ، وتدني مستوى التعليم الذي أصبحت فيه الجامعات والمعاهد تمنح شهادات ولا تخرج كفاءات بالمعنى الدقيق للكلمة ، إضافة إلى ذلك ما عودنا عليه مثل هؤلاء المترشحون من تناقضات مع تعهداتهم لقواعدهم الإنتخابية ، وتغليبهم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة ، هذا فضلا عن إستشراء القبلية وحضورها بطريقة مشينة في صورة من التعبئة الفاضحة أثناء أية عملية إنتخابية ، والنتيجة المعروفة دائما من وراء هذا التخاذل ، هي خروج القطار عن السكة وتراكم مشاكل وإنشغالات المواطنين مع إستمرار المضي في هذه الوجهة المبهمة ، التي سمحت بظهور التكتلات القبلية والعودة إلى دار الأمس ، ناهيك عن تغلب الجهاز التنفيذي في الدولة على الجهاز التشريعي ، وإستفحال الفساد على مختلف المستويات ، والضرب بكل القوانين والنظم ، وبالقيم والمبادئ عرض الحائط ولا من يحرك ساكنا .
الدول تقوم على تشريع القوانين وتطبقيها مع مراعاة ملاءمتها ، وعلى رقابة البرامج الحكومية ومتابعتها ، وعلى المحاسبة على أي تقصير وعلى أي مساس بالثوابت العامة ، وهذا ما لا يبدو جليا في سيرة البرلمان الصحراوي ، الذي ظل وبات مجرد جعجعة بلا طحين ، كونه صار هيئة دعائية فقط لمشروع الدولة ، أكثر من كونه مؤسسة تشريعية رقابية بالفعل والأداء ، ونتائجه على الأرض تبرر ذلك ، بدليل أن ما يسنه من قوانين ولوائح لا يحظى بالتطبيق على أكمل وجه ، ورقابته على الجهاز التنفيذي يشوبها التواطؤ إلى حد التماهي ، ومراعاته لظروف المواطن في أي ميدان من ميادين الفعل والنضال قاصرة تماما ولا ترق إلى مستوى التطلعات ، وكل ما في الأمر أن هذه الهيئة أضحت بالنسبة للبعض كالغابة الوارفة الظلال والخيرات ، تستقطب بسحرها العطشى والجوعى ، لينهلوا من مياهها الدفاقة وليأكلوا من ثمارها الوافرة ، وليستمتعوا بمناظرها الخلابة إلى أن يعبروا ، وهذا الوضع ساهم في إغراء المترشحين وإندفاعتهم لخوض غمار الإنتخابات ، وعدم تأملهم في الشروط التي من شأنها التمكين لأصحاب الأهلية الكاملة ، وتشريف التنافس لعضوية هذه الهيئة الهامة ، التي يفترض فيها تسيير شؤون الدولة بحزم كامل وبحكمة منقطعة النظير ، وعليه فإن الجنوح إلى تبوأ الوظائف والمناصب العليا في الدولة ، والرغبة الجامحة في الحصول على الإمتيازات وغير ذلك من النزوات الخاصة ، يخالف تماما ما كان سائدا أيام كانت الحرب الضروس تدور رحاها ، وكان فيها بعض ممن ينتقدون المشهد اليوم يمارسون عادة النعامة إذا ما شعرت بالخطر .
إنه لمن المخجل حقا وجود من لا عهد ولا ضمير ولا وازع أخلاقي له ، في مؤسسة تعنى بقضايا الشعب وإنشغالاته ، وبمصيره المشترك ، وبالأحرى إذا كان من الشباب ، هذه الفئة التي لم تتركها الثورة الصحراوية على الهامش كما يعلم القاصي والداني ، والتي وضعتها الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب لتعيش الأشياء من أعماقها ، وبالتالي فعلى أجيال الثورة الصحراوية المتلاحقة ، أن تعلم ذلك وأن تقرأ التاريخ وتراعي المصلحة العامة قبل كل شئ ، وأن تكون في المستوى المطلوب ، وأن تعمل على إستفاء كل الشروط المؤهلة لأية وظيفة أو منصب في الدولة والحركة عن جدارة وإستحقاق والمجال مفتوح لإكتساب التجارب والخبرات في مختلف المجالات عسكرية كانت أم مدنية ، كما يجب على هذه الأجيال أن تلفظ القبلية والإنتهازية إلى غير رجعة ، قبل أن تطلق العنان لأهوائها وأحلامها المستقبلية الخاصة ، التي قد لا تخدم خير البلاد وصالح العباد .
بقلم : محمد حسنة الطالب

Contact Form

Name

Email *

Message *