ما ترونه مجرد صخور ضخمة قد يصبح مصدر دخل قومي لأجيال ستأتي من بعدنا ... صرخة للحفاظ على "گلابة لجواد
قبل ثلاث سنوات تقريبا إلتقيت بباحث وبروفيسور أجنبي كبير .. إلتقيته بمنطقة أمهيريز المحررة .. كان وقتها قادما من "الدوقج" المحررة وشاءت الصدفة أن كان من بلاد بيزا .. إيطاليا ..
أخبرته أن كانت لي فرصة زيارة بلده وأنني وقفت أمام برج "بيزا" الشهير الذي يعد واحدا من عجائب الدنيا السبعة ..
قال لي هو الأخر أن كان له شرف إكتشاف "گلابة لجواد" وبأنه يعتقد بعد أن أجرى وفريقه دراسة لازلت قيد التدقيق أن منطقة لجواد هي أقدم منطقة يابسة على الكرة الارضية .. أي أنها ربما كانت أول مكان أصبح صالح للعيش منذ ملايين السنين قبل الميلاد ..
كان البروفيسور يتألم كثيرا حد البكاء لأن الكثير من الشواهد والأدلة ضاعت وغمرها النسيان والإهمال ..
بعد أشهر من ذلك اللقاء وقفت أمام برج "بيزا" الذي يزوره عشرات الملايين من السياح شهريا ومئات الملايين سنويا فبعثت إليه بصورة لي أمام البرج فرد علي بشيء كنت أتوقعه، صورته أمام جبال لجواد وكتب معها قائلا .. " .. لو يعلم يا عبداتي زوار ذلك البرج بسحر وتاريخ جبال لجواد ولو عرفوا ما عرفته عنها لتوجهوا جميعا الى لجواد ولأنفقوا ضعف ما أنفقوه من أموال لزيارتها والوقوف بقربها بدل زيارة ذلك البرج .. " ..
منذ خمس سنوات تقريبا كانت تتاح لي مرة كل سنة على الأقل فرصة وشرف الوقوف بين جبال معلم رائع ومدهش .. جبال لجواد الساحرة او "گلابة لجواد" كما نسميها ..
تصنف منظمة اليونيسكو العالمية منطقة لجواد كمنطقة أثرية تاريخية وتدعوا الى حمايتها والمحافظة عليها والى عدم طمس او سرقة آثارها لأن هذه الگلابة تحتوي على شواهد تاريخية متنوعة ومختلفة حسب الدراسات التي أجريت حولها من طرف عدة بعثات إستكشافية متخصصة وتعود بعض الشواهد التي وجدت هناك الى آلاف السنين ..
گلابة لجواد المدهشة هي أعلا وأكثر إرتفاعا من ناطحات السحاب وهي مستعصية على الصعود ولا يمكن تسلقها أبدا لكن واحدة منها فقط يمكن الصعود الى علو محدود منها حيث يوجد كهف يحتوي على رسومات قديمة جدا يعتقد أنها لحضارات مرت من هنا هذه الرسومات تعبر عن نمط وأسلوب عيش مجموعات بشرية عديدة سكنت هذه المنطقة عبر العصور ..
لن تبوح لك گلابة لجواد بكل تفاصيلها وأسرارها مرة واحدة وسيكون عليك العودة مرات عديدة لتتعرف الى القليل من تلك الأسرار المدهشة فحتى البعثات الإستكشافية المختصة لازالت تبحث في آثار وأسرار وحكايات وأساطير هذه الگلابة الساحرة والمدهشة والجميلة والغامضة ..
قد لا يستطيع المرء وحتما لن يستطيع أن يعمر في الحياة الى الأبد لكن هذه الجبال ستظل شامخة وستقدم كما قدمت لنا شواهد وأدلة لملايين البشر على مر العصور عن كل إستعمار او مجموعات بشرية مرت من هنا وستشهد يوما ما إما لها او عليها ..
وختاما لقد أدركت الفرق بين معلمين .. معلم صنعه الإنسان ليزوره الإنسان فحافظ عليه الإنسان وجعله مصدر دخل قومي لأجيال بلد بأكمله ومعلم من صنع الخالق أهمله الإنسان ولولا رعايه الله لأصبح في خبر كان ..
صحيح لم يدهشني برج بيزا بقدر ما أدهشتني جبال لجواد .. لكنني أتأسف لمعلم ببلادي في حالة يرثى لها تركت كنوزه ويا للسذاجة ولسنوات طويلة عرضة للسرقة والنهب والتدمير ..
إفتخر دائما ببلدك وبأرضك وأكتشفها .. إكتشف سحرها وكنوزها .. ولكن ساهم في التعريف بها والأهم ساهم في المحافظة على تراثها وشواهدها التاريخية وفي الحرص عليه .. فمن يدري قد تصبح تلك الشواهد غدا مصدر دخل قومي لأجيال كثيرة ستأتي من بعدنا ..
*عبداتي لبات الرشيد*