كيف تصبح أفشل زعيم عربيّ في 3 سنوات؟
اعتبر مقال في صحيفة «ناشيونال بوست» ولي العهد السعودي محمد بن سلمان «أسوأ زعماء العالم»، وذلك بمراكمته «سجلا مذهلا من الأخطاء الفادحة، والفشل، والجرائم الصارخة»، منذ صعود نجمه كوزير للدفاع، وانتهاء بتركيز كل المناصب الكبرى في المملكة العربية السعودية في يده مع إعلانه وليا للعهد في حزيران/يونيو 2017.
تمتلئ المنطقة العربية بمجموعة من الطغاة الذين يتنافس كل واحد منهم مع الآخرين في مدى التوحّش والابتعاد عن المنطق والحس السليم وفي مراكمة الكوارث التي يرتكبونها ضد بلدانهم وشعوبهم، فهل يمكن، والحالة هذه، أن يعتبر حكم الصحيفة الكنديّة مبالغا فيه؟
فكيف يعقل أن ينافس بن سلمان زعيم النظام السوري بشار الأسد، الذي ساهمت ظروف ومصادفات، كما حصل مع بن سلمان، في وراثته الحكم وتنطّعه لحكم بلاده ليقودها إلى حرب هائلة ضد الشعب الذي ثار عليه؛ وكيف يمكنه أن يحوز قصب السبق مع صديقه ولي عهد الإمارات، محمد بن زايد، الذي استلم بلدا شديدة الغنى والازدهار كانت الشعوب العربية تحترم قائدها المؤسس، زايد بن سلطان آل نهيّان، وتتذكر أياديه الخيّرة على البلدان العربية وقيادته لمبادرات المصالحة والتعاون فيما بينها؟ وهل تجوز مقارنته بعبد الفتاح السيسي، الذي اختاره الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي ليكون وزير دفاعه، فغدر به وانقلب عليه واخترع التهم الباطلة ضده حتى توفّي في قاعة المحاكمة، وبدأ حكمه بمجزرة شنيعة، وتابع أشكالا من الانتهاكات الفظيعة والفساد والإفقار لبلاده؟ وماذا عن عبد العزيز بوتفليقة، رئيس الجزائر السابق، الذي بقي يحكم البلاد نظريا رغم حالته الصحيّة والعقلية المترديّة، وعن رئيس السودان السابق أحمد عمر البشير، الذي ناقش في إمكان القضاء على ثلث الشعب كي يبقى في السلطة؟
وجهة نظر الصحيفة في إعطاء بن سلمان مرتبة «أفشل زعيم سياسي» لا تقوم على القرارات الخطيرة الخاطئة التي اتخذها ولي العهد السعودي فحسب، بل كذلك على توقيتها الذي يدلّ على خراقة لا نظير لها، وأوضح مثال على هذه المسألة هي اختيار بن سلمان لحقبة صعود فيروس كورونا المستجد في العالم، لخوض حرب أسعار النفط مع روسيا، في وقت كان واضحا أن أزمة كوفيد 19 ستصيب اقتصادات العالم الكبرى والصغرى في مقتل، وستضعف بالتأكيد الطلب على النفط بشكل يدفع أسعاره للهبوط، وبالتالي فإن توقيت حرب النفط كان فاشلا بشكل كبير، ويدلّ على إساءة الإدارة الاقتصادية والسياسية، وسوء فهم أحوال بلاده والعالم، فهبط سعر النفط الخام الأمريكي لما تحت الصفر، فازدادت سمعة بن سلمان سوءا لدى حليفه الأمريكي، وحصل النفط السعودي على ربع ما تحتاجه البلاد لتوازن ميزانيتها.
يشبه توقيت المعركة التي خاضها بن سلمان ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، توقيته لاغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، فقد كانت حملات العلاقات العامة التي دفعت من أموال المملكة قد أدّت إلى نجاح مرموق، فالتقى بن سلمان بأشهر الشخصيات السياسية والمالية والفنية الأمريكية، وعززت التغطية السياسية التي قدّمتها إدارة الرئيس دونالد ترامب، وصداقة صهره ومستشاره جاريد كوشنر إحساس بن سلمان بالحصانة، ولكن كل هذه الإنجازات تبدّدت بكشف دور مكتب بن سلمان ورجاله المقربين في اغتيال وتقطيع وإخفاء جثة الصحافي جمال خاشقجي، فتحوّلت صورة بطل «تحرير المرأة»، والزعيم «الإصلاحي» فجأة إلى صورة قاتل مغامر وطائش.
تكررت هذه الحوادث، مع كل الخطط الكبيرة التي أعلن فيها بن سلمان منذ بدء صعوده السريع، من «رؤية 2030» إلى حرب اليمن، إلى مدينة نيوم، وبيع شركة أرامكو، لتتحوّل الاستراتيجيات الاقتصادية والسياسية الهائلة التي وعد بها مواطنيه والعالم إلى أشكال من الفشل العظيم ولا يبقى لديه سوى سمعة الزعيم الأكثر فشلا في العالم.