حرب الجيل الرابع (الحرب النفسية و تاثيراتها السلبية على المجتمعات ) الجزء الرابع
التخريب العقائدي : كجزء من الاستراتيجية المعادية.
في الجزء السابق من هذه السلسلة (الجزء الثالث ) تطرقنا الى التخريب الايديولوجي- السياسي كجزء من الحرب النفسية وهي بدورها جزء من حرب الجيل الرابع او الحرب الناعمة والتي كانت قد اعطت نتائج جد ايجابية في العديد من البلدان و الشعوب التى تأثرت بها و بأساليبها المختلفة والتى تنخر جسم النسيج الاجتماعى للأمم بدون أن تشعر حتى تهدمها و تفككها من الداخل والامثلة كثيرة وبالخصوص في زمننا هذا واكبر دليل لهذه الحرب الصامتة هو ما يسمى اليوم بالربيع العربي اين خربت أمم و دمرت حضارات عريقة وإلى حد اليوم مازالت تؤدي فاتورة غالية لسقوطها في فخ الحرب النفسية ومنها من أصبح في مصاف الدول الفاشلة بعد انهيار النظام الذي كان قائما فيها بسبب هذه الحرب التي تشمل جميع المجالات الاقتصادية ،الامنية ، الاجتماعية والثقافية.
حسب البروسوفور الروسي يوري بيزمينوف و هو استاذ جامعي و عميل سابق لدى الكاي جي بي (KGB) جهازاستخبارات الاتحاد السوفيتي المنحل، فإن مراحل التخريب العقائدي والايديولوجي المنتهجة من طرف الجهاز الذي كان يعمل لصالحه تمر باربعة مراحل اساسية قبل اعطاء نتائجها النهائية، تمر بتدمير الاخلاق في مجتمع متماسك ثم زعزعة الاستقرار و خلق ازمات داخية لتستكمل بالتطبيع و تغيير السلطة او النظام في البلدان المعادية.
و بما ان الاسلوب المنتهج لا يستثنى مجالا من مجالات الحياة الطبيعية للمجتمعات فهو موجه لاستهداف فئة معينة وهو ما يتولد عنها جيل متمرد على النظام ومتعطش للتغيير وبالتالي يصعب على النظام القائم مقاومة مراحله التخريبة الممنهجة و بما انه مخطط مدروس من طرف علماء سوسيولوجيين و علماء النفس بالاضافة الى جهاز الاستخبارات فله رزنامة مسطرة و التي يجب العمل عليها و تجسيدها على ارض الواقع و حسب الدراسات المخططة من طرف المجموعة يتطلب تدمير اخلاق جيل في مجتمع او بلد معين ما بين 15 الى 20 سنة تقريبا
(الحرب النفسية –النوع الرمادي) و التي تمر عبر المراحل التالية :
1- الجانب الفكري: هى المرحلة الاولى الاجبارية التى يمر عبرها المخطط التدميري للمجتمعات و تشمل الدين ، التعليم ، الاعلام و الثقافة ، لكل واحد من هذه الجوانب الفكرية طرقه التي ينتهجها و كذلك النتائج المتوخاة منها.
تخريب الجانب الديني او العقائدي في أي مجتمع تمر عبر تسيسه والمتاجرة به والتى سينتج عنها تعصب في بعض الفئات وتسبب تقاتل و تفرقة بين الامة الواحدة و بالخصوص في البلدان التي تتعدد بها الديانات أو المذاهب.
التعليم كجانب فكري يحارب عبر التساهل و التسامح مع الطلبة والتلاميذ و النسبية في التحصيل الدراسي وتضعيف المناهج التربوية و نتيجتها هي الاخرى سيكون جيل جاهل و سيخلق الكثير من المصاعب لمجتمعه.
الاعلام الذي يعرف على انه انجع وسيلة للحرب الناعمة يحارب من خلال الدفاع عن استقلالية وحرية خط تحريره و تعدده و تمكين مجموعة نافذة و متمصلحة باحتكاره والتحكم فيه تعمل باستمرار على تشويه
و تضليل المتابع او المستمع و القارئ عن الحقائق للسياسات الاجتماعية و الاقتصادية للنظام القائم و إلهاء الشعب بمواضيع و برامج هامشية غير مهمة و التي سينتج عنها شعب غبي وغير واعي .
الثقافة هي الاخرى من خلالها يحرف التاريخ وتخلق قدوة وبطولات زائفة ستؤثر على المجتمع و ستؤدي إلى ظهور جيل مهوس بالموضة و متابعة وتقليد ثقافات اجنبية ، جيل منفصل عن واقعه ومحيطه الحقيقي.
2- الجانب البنيوي او الهيكلى و هو المحطة الثانية من المخطط الجهنمي و الذي يشمل بدوره كل من القانون
و العدالة ،العلاقات الاجتماعية ، الامن ،السياسات الداخلية و العلاقات الخارجية.
في ميدان القانون و العدالة يركز اساسا على تشريع اكبر عدد ممكن من القوانين غير الأخلاقية و التي لا تتماشى مع اخلاق وعادات المجتمعات وبالخصوص المحافظة منها تحت غطاء احترام الحريات الفردية و الجماعية للاشخاص و تشجيع عدم تطبيق القانون على الجميع مما يؤدي الى فقدان الثقة في القانون و العدالة و عدم احترامهم و العمل بهم.
اما في جانب العلاقات الاجتماعية، فيتربى جيل منذ نعومة اظافره على المطالبة بحقوقه على حساب واجباته، مما ينتج عنه في النهاية جيل اناني لا يهتم الا مصالحه الخاصة على حساب المصلحة العامة للمجتمع.
الامن ، وهو الركيزة الاساسية من عوامل الاستقرار للبلدان و الامم هو كذلك لا يخلو من العمل التخريبي في هذا المجال يركز على اختيار الفاشلين و ذي السوابق العدلية ليكونوا ضمن الاجهزة الامنية كالشرطة ،الجيش والمخابرات
و النتيجة محسومة مسبقا و ستكون لا محالة ضعف في الامن و التامين و تكوين مجموعات اشرار و منتفعين في الجهاز الامني بجميع تلاوينه مما سينعكس على استقرارالمواطنين و الدولة عامة.
السياسات الداخلية للبلد المستهدف لا يمكنها ان تسلم من المشروع التخريبي و اكثر ما يمكن ان يضعفها و يقسمها
و يزرع بين ابناء البلد الواحد الفتن و يزعزع الاستقرار في النسيج الاجتماعى و يضعف الوحدة الوطنية للامة هو خلق اكبر عدد ممكن من المجتمع المدني ( جمعيات ، احزاب سياسية ، نقابات مستقلة ...الخ ) .
و الجانب الاخير في موضوع الهيكلة او الجانب البنيوي للبلدان موضوع الجانب الخارجي اين يجب عزل البلد المستهدف من خلال ربطه بانظمة سواء اقليمية او قارية او دولية و جهازات مشبوهة لتوريطه و التمكين من ادانته و عزله دوليا من اجل تضعيف النظام القائم.
3- الحياة العامة للامم كجانب او موضوع رئيسي من عملية التخريب و الذي يضم بدوره العائلة و المجتمع ، الصحة ،الجهة او العرق و القبيلة ، السكان و العمل.
بما ان العائلة هي اهم عنصر من مكونات المجتمع لا تخلو هي الاخرى من التخريب العقائدي كسياسة ممنهجة
و دائما حسب عقيدة الاستخبارات السوفيتية، في البلدان المستهدفة يجب التركيز على العائلة و احياء دورها على حساب الدولة او السلطة المركزية و بالتالي مع مرور الوقت ستضعف الدولة لحساب العائلة او القبيلة مما سينتج عنه الولاء المطلق للقبيلة بدل الدولة او النظام القائم.
و في الجانب الصحي لابد من افشاء سياسة الخمول على حساب الوعي الصحي للجماهير اذ ان الانسان سيكون اخر ما يفكر فيه هو ممارسة الرياضة البدنية او الفكرية مما سيتسبب للدولة في المزيد من النفقات الإضافية في هذا الجانب بالخصوص الامراض الناجمة عن السمنة و تبعاتها و الذي سينتج عنه جيل كسول و ضعيف، مدمن على الاستهلاك وغير منتج .
من الجوانب الناجحة في الحرب النفسية التي تتماشي مع العمل التخريبي في أي بلد معادي قضية التعصب الاعمى لابناء الجهة او العرق والقبيلة للوصول الى السلطة او البقاء و التمسك بها مهما كانت مستواياتهم الثقافية و العلمية بغض النظر عن تصرفاتهم و اخطائهم لانهم في الاخير هم ابناء الجهة او القبيلة وافضل في وجهة نظر المتعصبين من الاخرين مهما كانت قدراتهم مما سيؤدي الى التشرذم وتهلهل النسيج الاجتماعي و السياسي للبلد المستهدف.
تهجير السكان أفرادا او جماعات من القرى والبوادي الى المدن و وانتقالهم الى الحياة المدنية هو الجانب الرابع من الحرب التخريبية في جانبها العقائدي المخصص لقضية الحياة العامة للامم و التي ستعطي ثمارها مع الوقت لان الوافدين الجدد سيصبحون اقليات معزولة في المدن وبعد تعايشهم مع الواقع الجديد سيصبح ابنائهم المولودين في المدن من اشد المتمردين على النظام القائم لرفضهم لواقعهم المعاشي الردئ وهم الذين اصبحوا يمزجون بين التمدن و الخلفية البدوية المتمردة على النظام والقوانين المسطرة في البلد و سيرهقون الجهاز الامني بكثرة مشاكساتهم الجماعية و الفردية.
في جانب العمل وكيف يمكن ان يقدم النتائج المطلوبة بعد تخريبه فيمر عبر مواجهة دائمة و مستمرة بين النقابات وارباب العمل او الشركات العمومية بحجة الدفاع و المرافعة عن حقوق العمال المهضومة و التي ستتمخض عنها مواجهات مباشرة بين العمال واجهزة الامن و احيانا تلزم تدخل الاخيرة بالقوة لفك الاعتصام او تفرقة المتظاهرين و التى تخلف الجرحى و القتلى حسب درجة العنف و كذلك تدني الانتاج وما له من اثار وخيمة على الاقتصاد الوطني ويهدف كل هذا إلى إضعاف اقتصاد البلد.
قبل الوصول الى المرحلة الرابعة و الاخيرة من هذا المخطط وهي النهائية قبل قلب النظام والاطاحة به، يتم القيام بزعزعة النظام داخليا من اجل ارهاقه وقد تمتد هذه القلاقل ما بين 6 اشهر الى 5 سنوات حسب عقيدة الجهة المسطرة للمخطط.
4- المرحلة الرابعة تمر عبر الصراع الاعمى و اللامسؤول بين التيارات و القيادات المحلية المتصارعة على السلطة ، اضعاف واستنزاف الاقتصاد ، عدم الالتزام و التقيد بالقانون الى درجة العصيان المدني ومن ثم الاستنجاد بالتدخل الخارجي وسينتهى المطاف بقلب نظام لحكم و استبداله بمؤسسات معينة تخدم مصلحة اجنبية و ترعى سيساتها و في الاخير استنزاف ثروات البلد المستهدف و السيطرة على شعبه من خلال الهيمنة الثقافية و الايديولوجية والسياسية .
بقلم الباحث الصحراوي : المامي حمادي اعبيدي
يتبع..........