قراءة في تعيينات الرئيس بشأن اعلى هرم السلطة القضائية
يعد القضاء سلطة راسخة وذات أهمية بالغة في حياة الشعوب والدول ، و بتطور القضاء تتطور مصداقية الأنظمة وتتعمق الممارسة الديمقراطية بدءا من الحق في الحياة الشخصية للافراد وضمان حمايتها من طرف الدول والحكومات وصولا إلى تمكين مؤسسات الدولة وتطبيق مبادىء العدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين أمام القانون وتحقيق العدل والإنصاف داخل المجتمعات، ويعد القضاء الجهة المستقلة الوحيدة الضامنة لذلك اعتبارا للصلاحيات الدستورية والقانونية التي يحظى بها جهاز العدالة في كل دول العالم اليوم.
وقد جسد الدستور الصحراوي بفصل مستقل مبدأ استقلالية السلطات الثلاث عن بعضها البعض، وحافظ عبر كل التعديلات التي تمت عليه على التأكيد بإظهار القضاء كسلطة مستقلة ولها صلاحيات محددة وفقا للدستور، وقد بدأت عجلة العدالة تتحرك فعلا منذ المؤتمر التاسع للجبهة الذي أعطى للعدالة قيمتها القانونية والتنظيمية على غرار السلطة التشريعية ممثلة في المجلس الوطني الصحراوي، الا ان المجهودات التي بذلها الشعب الصحراوي بفعل سياسات التنظيم الصحراوي والالتزامات الدولية تجاه ترقية وتحديث العدالة لاسيما بعد بناء المحاكم وتكوين عشرات القضاة والمحامين وتقنيين العديد من الأنظمة والتشريعات الناظمة لمرفق القضاء ومصادقة المجلس الوطني على عديد القوانين الإجرائية والموضوعية ذات الصلة بالعمل القضائي جاءت دون التوقعات، بل خلقت مشاكل كثيرة شكلت حيزا هاما من جملة القضايا التي تناول الرأي العام في السنوات الاخيرة، وصلت حد التشكيك في نوايا القائمين على هذا المرفق والسياسيات المطلوبة لجعله يستجيب لتطلعات الشعب بالشكل الذي يضمن استقلالية القضاء ويحرره من القيود التي مافتىء يمارسها عليه الجهاز التنفيذي وصولا الى الانتعاش المتنامي من الشعب تجاه ما يصدر عن القضاء من أحكام ومواقف وقرارات لا تعكس بحق المجهود الذي بذل فيه لأكثر من عشرين سنة مضت، فإذن يا ترى أين الخلل؟.
إن المتمعن في حزمة القوانين التي يعمل بها مرفق القضاء وبعد إجراء لقاءات مع العاملين بجهاز العدالة( قضاة، محامين، موظفين على مستوى مركزي وشركاء إداريين، وأجهزة أمنية مختلفة، وحتى مسييرين... الخ) سيقف على الخلاصة التي تصب فيها كل الانطباعات حول الخلل الذي يعاني منه القضاء الصحراوي عندنا اليوم، والتي تتلخص في جملة : " أن النظام لا يريد للقانون ولا للقضاء أن يأخذ مجراه الطبيعي، وان القضاء هو مجرد وسيلة للاستهلاك الخارجي لا غير".
وإن كانت هذه الخلاصة تحتاج إلى تحليل وشرح الا انها تلخص واقع مرير يعيشه قطاع العدالة عندنا، وهو ما يدعو حقيقة للتساؤل عن دور المجلس الأعلى للقضاء كجهة تنظيمية مسؤولة دستوريا عن قطاع العدالة لاسيما في متابعة وتأديب القضاة والرقابة على مايصدر عنهم من أحكام وقرارات.
وبالعودة إلى الدستور دائما بصفته الوثيقة الأسمى والأهم في الدولة الصحراوية، الذي ينص بشكل صريح على أن رئيس الجمهورية هو رئيس المجلس الأعلى للقضاء، ويعين بموجب مرسوم رئاسي رئيس المحكمة العليا ووكيل الجمهورية العام بصفتها أعلى منصبين في القضاء، وبصفتهما أيضا عضويين تلقائيين بحكم الصفة في المجلس الأعلى للقضاء وهو التعديل الذي جاء به المؤتمر الخامس عشر للجبهة.
وعليه وجب التساؤل عن دور الأخ الرئيس كأعلى منصب في القضاء وأن كان من الناحية التنظيمية والقانونية لا المهنية الصرفة، وإعطاء أمثلة عن مؤشرات ومواقف ميدانية قام بها الرئيس الحالي لاتعكس جدية النظام تجاه مرفق القضاء ويثبت بعضها تراجع هيبة القضاء من حيث كونه لا يشكل أولوية لا بالنسبة للرئيس كمؤسسة دستورية ولا بالنسبة للهيئة السياسية العليا ما بين مؤتمرين (الأمانة الوطنية) التي يرأسها ويسير اشغالها بصفته الأمين العام للجبهة.
وحينما نعود إلى سنوات قليلة نجد بعض الملامح التي تؤكد غياب رؤية واضحة او أهمية ملموسة في الاعتناء بقطاع العدالة حتي نقف على جدوائية التعيينات الأخير التي مست منصب رئيس المحكمة العليا ووكيل الجمهورية العام ومنها:
_ أن الاخ الرئيس لم يجتمع بالمجلس الأعلى للقضاء منذ توليه الحكم في المؤتمر الاستثنائي العام 2016 ، سوى مرة واحدة في الجلسة التأسيسية للمجلس الأعلى للقضاء يناير 2017.
_ أن الرئيس الحالي لم يفتتح في مدة حكمه ولا سنة قضائية واحدة حتى اليوم ، كونها المحطة الأبرز في تقييم عمل القضاة والعدالة بشكل عام.
_ أن الأخ الرئيس بصفته رئيس المجلس الأعلى للقضاء لم يقم بأية زيارة ولو واحدة لاية محكمة او مسجد ولم يفتتح في عهده أي مرفق قضائي .
_ منذ توليه لرئاسة المجلس الأعلى للقضاء لم تتم مساءلة او محاسبة اي قاض رغم التجاوزات الخطيرة التي قام بها قلة من القضاة جعلوا سلك القضاء أضحوكة العام والخاص وتسبب في فقدان هيبة العدالة وسلطتها.
_ في عهد الرئيس الحالي لم يستفد أي قاض من التكوين بالمدرسة العليا القضاء بالجزائر، ولا اية دورة تكوينية لصقعل المعارف بالخارج.
_ أنه في عهده سجلت عشرات حالات الفرار والهروب من مؤسسات التربية والتأهيل الثلاث بما فيها سجن النساء والأحداث بالإضافة طبعا لسجن عبد الرحمان ( اذهبية) والتي كان آخرها قرار ثلاث موقوفين بتواطىء من " أحد الحراس" الذي فر معهم خلال شهر مارس الماضي.
لتبقى هذه مجرد أمثلة بسيطة يعرفها القاصي والداني لنطلع جميعا على مؤشر الاهمية التي يوليها الأخ الرئيس لقطاع العدالة، وكلنا يعرف ان هذا القطاع الحساس لا يمكنه أن يتحرك ويعمل بشكل سليم مالم تتوفر إرادة سياسية حقيقية تعطيه القيمة القانونية وتمكنه من الصلاحيات الدستورية المحددة بشكل واضح في الدستور.
وهو ما يطرح التساؤل هذه المرة وأمام هذا التجاهل الواضح للسلطة الثالثة في الدولة، عن جدوائية التعيينات الاخيرة التي لن تحرك ساكنا من واقع القضاء المخيب لامال الشعب وموظفي القطاع الذين تسرب اغلبهم بسبب اللامباة وعدم توفر حماية ملموسة للقضاة الذين يعانون الأمرين بسبب تطور الجريمة وفي ظل انعدام الحقوق التي نص عليها القانون الأساسي للقضاة وهو ما جعل بعضهم يذوب في الواقع ويتأثر بفعل الضغوط المعيشية اليومية.
لنخلص أن الرئيس الحالي وإن كانت لديه إرادة مثلا للارتقاء بالقضاء الصحراوي إلى مصاف سطة ثالثة لها هيبتها وسلطتها التي لا يستخدمها او يتحكم فيها أحد سوى القانون، لابد له أن يعمل على ترقية الظروف المناسبة لعمل المجلس الأعلى للقضاء ويخرج من بوتقة التبعية الكلية للجهاز التنفيذي ممثلا في وزارة العدل، وأن يعمل حقا على محاسبة القضاة بالقدر الذي يضمن لهم حقوقهم وواجباتهم وفقا للدستور، وإلا فإن مثل هاته التعيينات ستبقى نسخة طبق الأصل للأدوات التنظيمية التي لاهم لها سوى جمع المال والربح على حساب قضية هذا الشعب الذي لا يريد سوى العدالة والمساواة وبناء دولة القانون وفقط.