إطارات الجبهة، ضرورة توافق الخطاب والواقع وإلزامية التنظير الموضوعي
إن عدالة القضية الوطنية أمر لا نقاش فيه وحتى إن فرض على الشعب الصحراوي حل غير منصف فلن يغير في الأمر شيئا ولن يكون سوى حل ظالم لقضية عادلة، وينطبق نفس الأمر على المحتل المغربي، فكل محاولاته في فرض نفسه كمستحق للأرض بكل الطرائق ما هي إلا محاولة لطمس الحقيقة التي يعرفها الجميع، لذلك نجده يراهن قبل كل شيء على محاولة إضعاف ومحو من يظهر هذه الحقيقة ويدافع عنها في كل بقاع العالم ألا وهي الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب.
إن العدو المغربي يعرف جيدا أنه محتل للصحراء الغربية كما يعرف جيدا أنه لولا قيادة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب للجماهير الصحراوية ؛ لكان محتلا شرعيا بمباركة القوى الإمبريالية والشوفينية التي تعتبره حديقتها الخلفية بشمال إفريقيا، هذه المعرفة جعلته يستهدف الجبهة على كل مستويات وبكل السبل، ويركز أساسا على علاقة الجبهة بجماهيرها الشعبية.
ومن أجل هذا عمل العدو المغربي على وضع مخططات استخباراتية خطيرة في هذا الإطار، ويمكن تصنيف هذه المخططات إلى ثلاثة أنواع، مخطط نزع شرعية التمثيل من الجبهة (الكيانات الموازية)، مخطط الصراع العمودي (قمة-قاعدة) ومخطط الصراع الأفقي (قاعدة-قاعدة).
وبالحديث عن هذه المخططات فالجدير أن نتحدث عن الأخطاء والأسباب الداخلية التي تساهم في نجاح هذه المخططات أكثر من الحديث عن العدو وأسبابه ودوافعه فهو في أخر المطاف عدو محتل ولا أحد ينتظر منه الورود، وترتيب البيت الداخلي وتنظيمه بشكل محكم كفيل بإفشال كل المخططات المعادية
فيما يتعلق بالمخطط الأول والذي يرتكز على نزع شرعية تمثيل الجبهة للصحراويين من خلال خلق كيانات موازية فهو حلم أفلاطوني للمخابرات المغربية ويرون فيه العصا السحرية التي ستنهي المعركة لصالحهم حيث سيجدون أنفسهم يطالبون بما لا جمل لهم فيه ولا ناقة ولا أحد يعترض على ذلك، ورغم أن محاولات مكاتب المخابرات المغربية في إنجاب حركات موازية للجبهة كان منذ الوهلة الأولى لدخول الغزو العسكري، وكان بمثابة استكمال لمحاولات الإستعمار الإسباني قبل ذلك، إلا أن كل تلك المحاولات باءت بالفشل، ويعود ذلك إلى أسباب ارتبطت في البداية بالجبهة كخط تحرري وطني صادق، كان بمثابة البديل المنتظر لواقع الإستعمار المرفوض، مما خلق إجماع وطني للجماهير الصحراوية حول أحقية تمثيل الجبهة دون غيرها، وخاصة أن كل البدائل كانت تفوح منها رائحة المحتل، بعد ذلك شكل تطور الجبهة فكريا وميدانيا وإعلان الجمهورية إثباتا وتأكيدا للجماهير الشعبية أولا وللعالم أجمع ثانيا على أحقية الجبهة في التمثيل وقدرتها على قيادة الشعب الصحراوي لتحقيق أحلامه، في مرحلة ثالثة كان وصول الجبهة للعالمية أمرا يستحيل معه خلق كيان جديد ينافس سمعة بهذه القوة وساهمت في الأمر كذلك الابنة البارة الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية التي أصبحت كذلك تفرض نفسها كحقيقة لا رجعة فيها على المستوى القاري وكذلك بشكل نسبي على المستوى العالمي، أضف إلى ذلك أن أغلب الأجيال الصحراوية الموجودة اليوم تربت في كنف الجبهة، هذا الأمر بالذات جعل مخطط الكيانات الموازية فاشل على كل المستويات،وبالتالي فالمغرب أصبح يصنع مثل هذه التنظيمات لخلق بلبلة مؤقتة وتشويه سمعة أكثر عدد ممكن من الصحراويين من منطلق أن كل من اختار الإنسياق وراء هذه الأطروحات وجد نفسه مرفوض إجتماعيا وسياسيا لدى الشعب الصحراوي وبالنسبة لهم أصبح في الطرف الأخر وانتهى الأمر
في هذا الإطار والذي يعتبر الأخطر إن كان قابل للتحقيق وهو ليس كذلك نظرا للأسباب السالفة الذكر، لكن ما نتحدث عنه هي معطيات آنية قابلة للتغيير، وبالتالي فإن الأمر يتطلب من إطارات الجبهة المحافظة على هذا المكسب وجعل الجبهة الحاضن المرغوب فيه الذي يلبي طموحات الشعب الصحراوي وآماله على كل المستويات، فكريا وسياسيا على المستوى الجبهوي واجتماعيا واقتصاديا على مستوى الدولة؛ وأن يكون الإطار مثاليا ونموذج عظيم تحترمه القواعد لأن العدو يسهر على ربط أخطاء القيادي بفشل الجبهة كتنظيم، وفي حالة عدم توفر هذه الشروط فإن الجبهة ستكون خيار مرفوض وسيعمل العدو على إنجاب حاضنة ملمعة من الخارج بمعالجات الواقع المرفوض و يستدرج بها الصحراويين.
بخصوص المخطط الثاني فإنه يتمحور حول خلق صراع عمودي بين القاعدة والقمة، ويعتبر أحد المخططات التي تظهر جليا على أرض الواقع من خلال مجمل التناقضات المطروحة، وعدم الرضا لدى أغلب القواعد عن الواقع التسييري، مما يجعل العدو يوسع الهوة ويؤسس لكل ما من شأنه تأجيج الوضع من خلال زرع أفكار تحريضية كصراع الأجيال، وتهميش الشباب، والمحسوبية والزبونية والقبلية والبراغماتية والعنصرية والفساد المالي والإختلاس وسوء التسيير وغياب الكفاءة والإقصاء والتعسف ...
إن هذا المخطط يتحمل مسؤوليته بالدرجة الأولى إطارات الدولة حيث أنهم ملزمين بحل كل الإنشغالات العالقة وإقناع الجماهير ومرافقتها وكسر كل الفوارق بين القائد والقاعدي، فمثلا على المستوى الفكري من الضروري التنظير الموضوعي والواقعي للإنشغالات وتوجيه القواعد لإيجاد الحلول تفاديا لعشوائية التفكير، وقد كان الشهيد الولي رحمه الله ينظِر لكل الإنشغالات المطروحة بشكل واقعي وموضوعي بل تجاوز ذلك إلى التنظير لإنشغالات مستقبلية، وكمثال على ذلك خطاب الأطر 1976 حيث نظر لعدة مواضيع منها متى يصبح الإطار عبئا على القاعدة ؟ وكيف يكون علاج ذلك؟ وكذلك الشهيد محمد عبدالعزيز الذي كان يحاول طرح الحلول الموضوعية للمشاكل الموجودة، ونتذكر كيف ألزم الإطارات بمرافقة القواعد وإقناعهم والمشي أمامهم، هذا الأمر أصبح نادر بشكل كبير وأحيانا تظل القواعد غير ملمة بالموقف الرسمي للجبهة في مواضيع معينة مع أنها جزء من الوضع الراهن؛ مما يجعل القاعدي يجتهد وقد يصيب والعكس صحيح.
ولتوضيح مثلا ظل مصطلح جنوب المغرب يطرح إشكالا كبيرا، وتم استغلاله من طرف المخابرات المغربية في خلق صراعات عدة بين الطلبة الصحراويين بالجامعات المغربية ، وظل عدة مناضلين يستعملون مصطلحات أخرى في ظل غياب التنظير الموضوعي إلى حدود الصيف الماضي عندما تحدث عنه أحد الإطارات مع أننا لا نعرف هل هو موقف رسمي أم إرتجال إطار.
وكذلك موضوع التعامل مع من فضلوا العودة إلى المغرب الذي ظل مسألة خلافية عالقة بين من يعتبره موضوع مبرر لأسباب معينة وبين من يعتبره خيانة غير مقبولة، إلا أن تحدث أحد الإطارات عن الموضوع مؤخرا وبدون أن نعرف كذلك هل هو موقف الجبهة أم رأي الرجل؟
وهناك الكثير من المواضيع التي تطرح نفسها بشكل كبير بدون أن يقدم إطارات الجبهة تنظير موضوعي لها،وخاصة منها التي تعتبر محظورة ويلفها غموض كبير، ومنها كيف يجب أن يتعامل القاعدي مع الإطار الذي يستغل منصبه لمصالحه الشخصية؟ ما هو توجه الجبهة في الإحتجاج والمطالبة بالحقوق؟ ما هي المعايير التي يتم بها تعيين الوزراء على مختلف الوزارات؟ كيف ترى الجبهة وكيف تتعامل مع من يختلس المال العام؟ هل أخطأت الجبهة في حق البعض في ما مضى؟ وكيف سيتم تجاوز ذلك؟ ...
وبالإضافة إلى الجانب الفكري نجد كذلك المستوى الواقعي الذي يرتبط بممارسات القائد الميدانية، فمثلا ممارسة القائد للقبلية ونبذه لها في نفس الوقت تجعل منه متناقضا مع نفسه ومن المستحيل أن يلهم القاعدة، نفس الأمر ينطبق على القائد الذي يمتلك كل مقومات الحياة ووفرها لأبنائه ويطلب من القاعدي الذي بالكاد يملك قوت يومه أن يصمد ويواصل مسيرته النضالية بالتأكيد لن يجد أذان صاغية، كذلك الذي يختلس المال العام وذاك الذي يستعمل نفوذه لغايات شخصية...
إن القواعد الشعبية الثورية لن تثق بالقائد إلا إذا كان جزءا من واقعها ولو كان مرا، ولن تتبع مسيرا إلا إذا كان عادلا ولو طبق عليهم حد السيف، ولن تؤمن بأفكار إطار إلا إذا كان يفعل ما يقول، ولن تحترم قياديا إلا إذا جعل أحلامهم وطموحاتهم نصب عينيه
في المقام الثالث نجد مخطط الصراع الأفقي قاعدة-قاعدة الذي يهدف إلى ضرب وحدة الشعب الصحراوي وهو أحد المخططات التي يمارسها ويغذيها العدو بشكل كبير من خلال زرع التفرقة والقبلية والصراعات الطائفية وصراع العصابات حيث أصبح صراع شخصين يتحول إلى صراع قبيلتين، ومشاحنة شخصين بمسجد تصبح بين طائفتين، وصراع تجار المخدرات يصبح بين عصابات ..
وهنا كذلك يتجلى دور القائد الذي يجب أن يكون حريصا من مكانه على تقوية التنظيم والحد من هذا الظواهر لا أن يكون شريكا فيها ومعززا لها، وأن يعمل كل من موقعه على اجتثاث هذه الظواهر من جذورها بشكل تكاملي من التوجيه والتحريض والترغيب إلى الردع والعقاب، وأن يكون الإطار رافضا لهذه الظواهر على المستوى الشخصي والعائلي ومحيطه وأن يكون مثالا يحتذى به في محاربة التفرقة وزرع الود والإتلاف بين كافة أطياف الشعب الصحراوي
إن الشعب الصحراوي شعب طيب ونبيل وخير بطبعه ومترفع عن الصغائر ويحتاج فقط إلى إطارات مستعدة للتضحية من أجله تاركة وراءها ترف الحياة وملذاتها، فبمجرد أن يحس القاعدي أن الإطار جزء من حياته التي يعيشها وشريكه في المعانات ورفيقه في الدرب إلا وكان طيعا، ملبيا للنداء، مضحيا بكل ما لديه وشريكا فاعلا نحو تجسيد الأفضل.
بقلم:حمادي جامع