-->

أُفُول نجم الحاج أحمد


بقلم الصحفي: سلامو حمودي بشري
ترجمة : د. محمد ولد دحو
على حسابه على الشبكة الاجتماعية تويتر يُقدم نفسه على أنه أحد أولئك الذين يناضلون من أجل قضية عادلة. الحاج أحمد (الداخلة، 1960) سياسي صحراوي، مُفَوّه فصيح ورجل كادح بالفطرة، مع كل هذه الميزات فقد تراجع الرجل في أقل من خمس سنوات بالرغم من مسيرته الحافلة بالمثابرة ونكران الذات رغم شح الموارد، فقد ارتقى الرجل عالياً في سُلم الدبلوماسية الصحراوية، وهو إنجاز أدركه المغرب نفسه وإن كان على مضض وتردد، حسب ما أوردته تسريبات من الحقائب الدبلوماسية من داخل سفارات المغرب في أمريكا اللاتينية. نزل صاحب الذاكرة الخارقة والأناقة الرفيعة، نزل من كونه "واحداً من الطبقة العليا " إلى أن أصبح في المُخيلة الجماعية لشعبه ضمن قائمة "المغضوب عليهم". فما الدافع يا تري وراء هذا التحول؟.

للأمانة فإن الذين يعرفونه جيدًا يصفونه بأنه صديق مخلص، عاشق لحياة البيظان، صاحب رحمة وشفقة ومطيع لوالديه طاعة يحسد عليها. حائز على الإجازة في التاريخ في جامعة بلاد الباسك. الحاج أحمد منذ بداية النزاع الصحراوي تقلد عدة مناصب مختلفة دبلوماسية ووزارية، حتى انتهت حياته السياسية العلنية على الأقل. إذ بدأ في الخروج عن الخط الرسمي للبوليساريو بعد تقديم استقالته كوزير للتعاون في الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية عام 2012، فكانت إلتفاتة أكسبته إعجاب السواد الأعظم من الصحراويين، إذ كان قرارا غير مسبوق في سياسة البوليساريو المتميزة بشدة الإحكام وعدم الترشيح إلى الخارج، وقد تنفست الصُّعداء بهذا النقد القطاعات الأكثر انتقاداً في الحركة الصحراوية عموماً .
بيد أن الرجل لم يترك البوليساريو بشكل نهائي إلا في عام 2015 نتيجة "لخلاف مع قادتها" فقد كان ينتظر فقط "الوقت المناسب". وقد ذاع صيته لتميزه كشخصية ناقدة، متمردة ووفية لشعبها وقد توج ذلك برسالة مفتوحة عشية انعقاد المؤتمر الرابع عشر للبوليساريو، إذ لم يتردد في اتهامه الصريح للمنظمة بِارْتِهَانِهَا من قبل طبقة "فاسدة، شمولية، محسوبية وهرمية قبلية ". وظهر للعيان أن الحاج أحمد كان جد مستاء من بعض قادة البوليساريو - وقد يكون محقاً في ذلك - الشيئ الذي دفعه إلى إعلان حرب بلا هوادة على المنظمة برمتها .
من هذا المنعطف دخل الحاج أحمد في منطقة شديدة الأنزلاق تاركاً وراءه كثيراً من الارتباك في مجتمع شديد الحساسية نظراً لطول المعاناة وتكالب بعض الجيران، فأضحى يضع في نفس الكفة التخلي عن المبادئ وانتقاد جبهة البوليساريو، هذه المبادئ التي مافتئ الشعب الصحراوي يقاتل من أجلها مع عدو لا يدخر أي جهد لتحطيم وحدته الوطنية للحيلولة دون حرية واستقلال الصحراء الغربية. ولسوء الحظ وحتى وقتنا الراهن لا يوجد فرق بَيِّن بين القائد كشخص وتسيير القائد، فلا توجد منطقة رمادية بتاتاً، مما جعل بعض القادة الصحراويين الحاليين يتسترون على مواقفهم المشينة وعلى تصرفاتهم غير لائقة باتهام كل من أحتج - ولو عن حسن نية - أنه ضد المشروع الوطني، وبالتالي يتم ضرب الخصوم ومطاردتهم والتخلص منهم. ومن هنا تم استبعاد الحاج أحمد ربما بشكل تعسفي، إذ أنه حُرم حتى من جواز سفره الدبلوماسي الصحراوي ودائماً حسب الرواية المنسوبة إليه.
وأعتقد أنه وكنتيجة حتمية لليأس وتصفية الحسابات بين الحاج أحمد وبعض مسؤولي الجبهة، بدأ الشعب الصحراوي - دون أن يدرك ذلك - يخسر إبناً غالياً وسياسياً محنكاً كرس حياته من أجل شعبه، والذي هو فعلاً منحدر وجزء لا يتجزأ من فسيفساء الصحراويين الأماجد. لكننا في ذات الوقت ندرك أن الحاج أحمد - بوعي أو بغير وعي - أو هكذا أريد أن أفهم على الأقل، شرع في حفر قبره كقائد ومسؤول كما يقول المثل "*مَا جَايْبَتْنِي لَگْزَانا*" ، أو كأن يقول لنا "أنا لا قيمة لي في البوليساريو". من هذه النقطة بالذات ترك الرجل دراجته السياسية والشخصية دون فرامل.
ولا ننسى أنه نهاية عام 2017 ورفقة مجموعة من الإطارات الصحراوية السابقة عُين ناطقاً رسمياً باسم المبادرة الصحراوية من أجل التغيير (ISC) وهي حركة ضعيفة لم تتخلَّ عن انتسابها لجبهة البوليساريو، بل تعتبر نفسها فصيلاً نقدياً يدعو إلى التغيير ويستنكر نقاط ضعف البوليساريو ويدعو إلى التصحيح . ومن خلال مداخلات الحاج أحمد بدأت تنكشف أهدافه الخاصة. فإذا كان بعض أعضاء ISC الناطقين بالعربية ينددون بالفساد وسوء تسيير البوليساريو، فإنه ذهب إلى أبعد من ذلك، فما برح يتهم منظمته السابقة ( البوليساريو) بـ "الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان"، وحتى في العديد من المقابلات أشاد بشكل غير مباشر بالحكم الذاتي المغربي للصحراء الغربية، وهناك العديد من الرسائل المشفرة للمبادرة (ISC) نفسها تدل على أنها بدأت تتأرجح دون أن يؤثر ذلك على مساهمات منتسبيها المتواضعة ثم بعد ذلك بدأت تتعرض لسيل جارف من الضحايا في صفوفها.
ونظراً إلى عدم إحراز أي تقدم والتواجد شبه المعدوم للمبادرة ISC في وساط الصحراويين، قرر (بطلُنا) في نهاية المطاف إنشاء حزب جديد أو حركة تحت شعارات برَّاقة بغرض سحب بساط شرعية البوليساريو كممثل وحيد للجسم الصحراوي قاطبة. وهذا في حد ذاته خط أحمر. هكذا كتب في إحدى المناسبات في تناقض تام مع "راديكالية" البوليساريو": الأفكار والمراحل تتغير وتتكيف فيما بينها، ويجب احتضان أكثرها اعتدالا، فهو الموقف الذي لا غنىً عنه ويستحق كل تثمين".
وهكذا تبدأ في مطلع عام 2020م رحلة (الحركة الصحراوية من اجل السلام) أو MSP والتي تتكون من مزيج من الصحراويين من غير أُولِي الشهرة محلياً وحتى مِمَّن تم رفضهم اجتماعياً، وقد عينوا على رأسهم الحاج أحمد كسكرتير أول. وكتب وهو في حالة استياءٍ من: "التأجيل مائة مرة ومرة وفشل الحوار الداخلي داخل البوليساريو". ويتظاهر الدبلوماسي السابق بفعل شيئ ما ويحتفظ بما في جعبته للمولود الجديد، هذا الأخير فيكون له نجاح نسبي في غضون الأشهر القادمة وربما السنوات، على الرغم من أن تحليلات المتسرعين تتنبأ بوفاته المبكرة.
يعتقد الحاج أحمد أن لديه عصاً سحرية، لكونه ذلك الفاعل القادر على إيجاد مخرج لصراع يُراوح مكانه وفي طريق مسدود، وبالأخص إذا أخذنا في الحسبان أن رفع شعار (MSP) كان له صدىً جذاباً لدى بعض البلدان والقوى السياسية والمنظمات الدولية ولاسيما تلك المعنية بهذه القضية التي عَمَّرَت أكثر من 40 عاماً، وهذا سيكون - بلا شك- مصدر إزعاج للبوليساريو، وأظن أن الأمر عبارة عن ابتهاج سريع الزوال وسحابة صيف، فالبوليساريو أثبت إنها منظمة صلبة، عصية على الصدمات وأنها حركة متماسكة تصبو للسلام والاستقرار في المنطقة وهذا أمر واقعي وذو مصداقية وبعيد عن المغامرات التجميلية أو المحاولات التائهة .
وبناءً على ما تقدم فإن مغامرة الحاج أحمد هي ذاتها التي أدت إلى سقوطه في الهاوية وأُفول نجمِه. وللأسف الشديد قد يكون ضحية لتصفية حسابات بينه وبين قياديي البوليساريو غير المسؤولين، وغير لائق بل من العار على المرء أن يتعجل من أمره فيخطئ ولا يُصيب لمجرد غطرسة فكرية فيفقد أصدقاءه وأهله وفي نهاية المطاف شعبه تحت تأثير دعاية الخصم وخزعبلاته النتنة. وحري بنا أن نذكر أنه ليس لأحد الحق في التلاعب بمقدسات الشعب الصحراوي كحقه في تقرير المصير والحرية، وجدير بالإشارة أيضاً أنه ليس عندنا فائض من البشر "ؤُمَاشَايط أعْلِينا حَد" وأن جبهة البوليساريو هي مبدأ مقدس غير مرتبط بالأشخاص ولا بالزمان، بل مرتبط حصراً أيَّمَا ارتباط بإرادة الشعب الصحراوي وبمصيره.
سلامو حمودي بشري
صحفي صحراوي.
salamu_1986@yahoo.es

Contact Form

Name

Email *

Message *