-->

دخول الاسلام الى الصحراء الغربية وشيء من التاريخ


عاشت منطقة الساقية الحمراء ووادي الذهب تحولات جذرية خلال القرنين الثاني والثالث للميلاد، متاثرة بما احدثه الاجتياح الروماني لمناطق شمال أفريقيا من تغيير في التركيبة الديمغرافية لسكان الصحراء الغربية، حيث قدمت من صحراء ليبيا ومناطق الشمال الافريقي قبائل صنهاجة وزناتة الأمازيغية ضمن هجرة البربر التي بدأت تستوطن الصحراء الغربية من الشمال واستقرت في المنطقة الممتدة بينها وأقصى الجنوب الموريتاني في الفترة ما قبل دخول الإسلام اليها مطلع القرن الثامن ميلادي (الثاني للهجرة) عبر هجرات عربية قادمة من شبه الجزيرة العربية صوب الساقية الحمراء ووادي الذهب حاملة معها الدين الإسلامي الذي وجد طريقه الى القلوب ودخل الناس فيه أفواجاً وقد ساهم السكان المحليون في توسيع دائرة انتشاره من خلال قوافلهم التجارية عبر ممرات ومسالك الصحراء.
وبالرغم من صعوبة الاحاطة بكل التفاصيل المتعلقة بدخول الاسلام الى الصحراء الغربية، إلا ان توالي الهجرات العربية إليها بين القرنين الحادي عشر والخامس عشر من الميلاد ووصول قبائل بني هلال  وبني معقل  القادمة من شبه الجزيرة العربية في أشهر الهجرات العربية إلى شمال أفريقيا والتي وصفها المؤرخ ابن خلدون بانتقال العرب إلى أفريقيا.
ففي القرن الثالث عشر، حطت قبائل بنو معقل العربية، الرحال بالمنطقة وأصل قبيلة المعقل من عرب اليمن وجدهم اسمه ربيعة بن كعب بن ربيعة بن كعب بن الحارث، من الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن جلد بن مذحج بن أدد بن زيد بن كهلان على قول ابن خلدون في مقدمته" اما نسابتهم فيقولون والقول دائما لابن خلدون انهم من آل البيت من بني جعفر الطيار وجدهم معقل بن موسى الهراج بن محمّد بن جعفرالأمير بن إبراهيم الأعرابي بن محمد الجواد بن علي الزينبي بن عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب وهو قول أحمد بن خالد الناصري السلاوي في كتابه طلعة المشتري في النسب الجعفري الذي ينسب بني معقل الى جعفر الطيار بن أبي طالب.
وتقول بعض الروايات انهم جاؤوا لدعم المرينيين ضد الموحدين لكن مناوشات المرينيين فيما بينهم، تركت قبيلة بنو حسان وادي درعة وهاجرت جنوبا، نحو الصحراء الغربية اين خاضت معارك مع قبائل صنهاجة حتى هيمنت على المنطقة سنة 1400م، وقد عُرفت قبائل صنهاجة في تلك العهود بقبائل الملثمين نسبة للثام الذي كانوا يلتزمونه، في الحل والترحال، كما سميت بلادهم تبعا لذلك بلاد الملثمين ويرجع سبب هذه التسمية كما يذكر المؤرخ الدمشقي شمس الدين بن خلكان في كتابه وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان إلى أنهم قوم يتلثمون ولا يكشفون وجوههم، فلذلك سموهم الملثمين"
إلا ان العامل البيئي هو الاخر فرض نفسه حيث تتميز المنطقة بالعواصف الرملية والحرارة المرتفعة في الصيف والبرد القارس في الشتاء ما يتطلب وضع اللثام على الرأس لحمايته من الطبيعة.
وعن مكانة اللثام في حياة سكان الصحراء والبادية، يشير مؤلف كتاب: "صحراء الملثمين" الناني ولد الحسين إلى أنه بات عادة لدى القوم في حلهم وترحالهم وفي يقظتهم ومنامهم، وأصبح معلما بارزا به ينعتون ويقترن وصف صحرائهم به ألم يقل شاعرهم:
إذا التثموا بالربط خلتَ وجوههمْ ---أزاهِر تبدو من فتوقِ الكمائمِ
أو التأمُوا بالسابرية أبرزوا --- عيونَ الأفاعي من جلود الأراقمِ
وبالرغم من شدة القبائل البربرية التي سبقت الى المنطقة، فقد تغلغلت القبائل العربية بواسطة سيطرتها على منطقة الساقية الحمراء ووادي الذهب وموريتانيا وبفضل شدتها تزايد نفوذها وطبعت المنطقة بطابعها العربي الإسلامي حيث ان الهجرة العربية لم تأت فقط بالدين الاسلامي الحنيف بل مكنت لتعليم لغة القرآن الكريم ونشر الثقافة العربية والعلاقات الاسرية والاجتماعية وانماط العيش المختلفة لتشكل فسيفساء هوية جديدة ومجتمعاً مغايراً، استطاع المزج بين الهوية العربية والامازيغية، والأصول الإفريقية والطابع الاسلامي فاصبحت اللهجة الحسانية هي السائدة بعدما امتزج البربر بالعرب ليتخلى الصنهاجيون عن لهجاتهم البربرية لصالح بني حسان المنحدرين من قبائل المعقل التي جاءت مع الهجرة الهلالية إلى المنطقة.
وظلت الصحراء الغربية معبرا للإسلام من المغرب الكبير إلى القارة الإفريقية والاوروبية لموقعها الجغرافي الذي يربط إفريقيا بأوروبا عبر الواجهة البحرية القريبة من جزر الكناري الإسبانية ومركز عبور القوافل التجارية شمالا وجنوبا وذكر ابن خلدون أنه كانت هناك قافلة سنوية يبلغ تعداد الإبل فيها 12,000 وكانت البضائع الرئيسية هي الملح والذهب، حيث يستخرج الملح في الساقية الحمراء وينقل على شكل كتل ولا تزال منطقة الساقية الحمراء بالصحراء الغربية تشكل احتياطيات كبرى من الملح حتى اليوم.
ومنذ عهد عقبة بن نافع وحفيده والي افريقيا عبد الرحمن بن حبيب الفهري الذي حفر سلسلة من الآبار في الصحراء لتمويل جيوشه بالمياه وتسهيل حركة القوافل التجارية ما ساهم في نشر الإسلام في غرب افريقيا.
واستمرت الهجرات الإسلامية من العرب وقبائل البربر التي اعتنقت الإسلام تتوغل نحو الجنوب حتى اجتازت بلاد ما وراء الصحراء الكبرى لتكمل الطريق الذي بدأته الفتوحات الاسلامية في شمال إفريقيا وتواصل نشر الهدي النبوي في ربوع القارة الإفريقية.
وكانت القوافل التجارية، تشق طريقها من الصحراء نحو عمق القارة غربا وحنوبا تحمل معها الدين الاسلامي الحنيف لتشكل جسرا انتقلت عبره الثقافة والحضارة الإسلامية إلى جنوب الصحراء، التي تسمى حاليًا منطقة الساحل والصحراء وتعتبر قبائل صنهاجة ولمتونة وجدالة، من القبائل التي لعبت دورًا هامًا في التجارة عبر الصحراء فكان لهم دور هام في نشر الإسلام في غرب إفريقيا وأنشأوا مراكز تجارية.
فكان المسلمون والتجار يحملون لواء الدعوة الى الله في تلك الربوع التي وصلها الإسلام دون فتوحات عسكرية او معارك قتالية، ونشر الإسلام بالكلمة الطيبة والخلق الحسن والمعاملة الراقية المبنية على الصدق والامانة وكان من عادة التجار ان يصطحبوا معهم عالما او فقيها يؤمهم في الصلاة ويستفتونه في معاملاتهم التجارية ويستاشرونه في امور دينهم وكان لهم الاثر البالغ في تبصير الناس هناك بدين الاسلام، بالاضافة الى قوافل الحجيج التي كانت تقصد البقاع المقدسة لاداء فريضة الحج وتمكث هناك فترات من الزمن للتعلم احكام الدين وتعود الى افريقيا دعاة مرشدين.
وبالرغم من الدور المحوري الذي لعبته منطقة الصحراء الغربية في المد الاسلامي ودفع مسيرته نحو القارة الافريقية، إلا انها ظلت عبر التاريخ خارج السيطرة المركزية للممالك والامارات، تأسست على انقاض اخرى، لتشكل استثناء في المنطقة، لكنها تميزت بنظام اجتماعي فريد ظل سائدا ويتطور باستمرار
إعداد : حمة المهدي

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *