-->

قصر الظلام.. المغرب الآخر

"أيها العالم إنكم لاتعرفون المغرب الحقيقي ....وحقيقة القائمين عليه....هؤلاء لا يحسنون إلا شيئا واحدا هو "التمثيل" وخصوصا دور الضحية... فلتحذروه ...
إستسلمت للخوف وجسمي ينتفض رعشة ويتصبب عرقا مع برودة الطقس ... كنعجة ذبيحة لا حول لها ولا قوة.
قال الذي يمسك ذراعي :نحن كلنا رجال ،انا سأفتح لك السروال ثم أردف قائلا :ماذا تريد ان تفعل الكبيرة ام الصغيرة؟... فهمت سؤاله لكن الذي أثار شكوكي وعشت لحظات من الرعب قد أقيسها بسنوات من المعاناة حين قال :سأفتح لك السروال ؟ جالت بخاطري أشياء كثيرة ذهبت بي مذاهب عظيمة من الرعب والظنون.

قلت له : أريد فعل الصغيرة ..مع العلم أني كنت اريد للكبيرة نصيبا...فبدون خجل ولا إحساس بالمذلة قام سائلي :بفتح السروال من الامام و أجلسني على ركبتي ،وأدخل يده....ثم قال: إفعل الصغيرة !!! ولازال ممسكا !!!فمن غرابة الموقف و الرعب الذي يتملكني لم أستطع ...و انا احترق من الداخل ولم استطع ...وهم يسخرون مني ولم استطع... يقولون "الخواف" ويطلقون العنان لقهقهاتم في ذلك الفضاء الخالي ولم استطع....
وحقيقة الامر انا من كان يقهقه سرا....
صعدنا... إنطلقت السيارة مرة اخرى تطوي الطريق ، أنزل الذي بجواري زجاج النافذة اثناء تجاوزهم لسيارة صغيرة يظهر لي من خلال صوتها ...شرع الذي بجواري يتحدث بطريقة متغنجة يتغزل بسائق السيارة الأخرى "علمت الان سبب بلوى 'لم استطع'" ...إستمر فعله ذاك ...شتمه الآخر و دار بينهما حوار "على الطاير " بسرعة، سمعته بأكمله ففتح قاموس السب والشتم من جديد ،وأعقل الحمير يقول:"الاولاد صغار" علمت ان سائق السيارة الاخرى معه اسرته...وإختلطت قهقهاتهم بشتائمهم ونسجت لي عالما بلا أخلاق خارج عالمي الاسود.
فعلوا هذا بالمسكين و أحرجوه امام اسرته،إنهم يستطيعون فعل كل شيء فالارض ارضهم "دخلنا حدود المغرب" و البشر يعتبرونهم كعبيد في ضيعاتهم خلقوا للخدمة.
لولا انهم على عجلة من امرهم..ربما اشبعوه صفعا و لكما وسحبوا رخصة سياقته ،هذا اقل مايصنعونه به حتى لا يتجرأ مرة اخرى على الرد عليهم أثناء مزاولتهم العمل "الاختطاف".
آه لو لم يبطئ السيارة و كان من اولئك الذين يسمونهم"حامي راسوا" الذين يتشبثون بحقهم و يحاولون التصدي و الدفاع عنه امام الجبروت ....فالتهمة جاهزة "تهمة لمن لا تهمة له"
المس بالمقدسات ... المغاربة مثلا الشرفاء منهم و اصحاب المبادئ يتابعون غالبا بتهمة المس بالاحترام الواجب لشخص الملك ...اما الصحراويون فيتابع كل من سقط بأيدي المحتل بتهمة المس بالوحدة الترابية المزعومة .... هذه التهم لا اعتقد ان هناك دولة في العالم تتابع معارضيها او الذين يطالبون بحقهم في الاستقلال المشروع بمثل هذه التهم .... وأدخل مثل هذه التهم في دائرة ضعف هذه الدولة التي ليست لها الجرأة السياسية والمقدرة على المواجهة... وتتستر خلف هذه التهم لتغطي أحكامها الجائرة في حق المعتقلين السياسيين الصحراويين الذين يطالبون بحقهم المشروع والذي كفلته كل القوانين سواءا كانت سماوية ام دنيوية.
كثيرون من إلتقيتهم داخل السجون المغربية ساقوهم بهذه التهمة يكفي ان يشير لك "المقدم" عون سلطة أمي او شرطي ناقم حاقد حاسد، لتجد نفسك خلف الاسوار تفني زهرة شبابك بهذه التهمة الغبية.وهنا اتذكر قصة محزنة سمعتها بالسجن لمغربية لم يرحموها و التي خانها التعبير ،حيث مثلت امام القاضي و سألها عن سبب طلبها للطلاق ،فأجابت المسكينة :
"ان زوجها مجرد عاطل عن العمل يظل في البيت لا شغل ولا مشغلة واضعا رجلا على رجل كالملك"،نالت على كلماتها 5 سنوات فقط لأنها قللت من الاحترام الواجب للملك.
توقفت السيارة "أظن بعد الظهر" ،سألني أحدهم: هل تريد شيئا؟ اجبته: بلا ....
نزل احدهم ثم عاد بعد لحظات ...مد لي صاحب "البلوى" كأسا من العصير شربته على مضدد متقززا من فعله السابق وطريقة كلامه.....إنطلقوا ....
خلال فترات هذه الرحلة كانوا يطرحون مواضيع تافهة عن النساء ...و عن سهراتهم والليالي الحمراء ....وتارة اخرى يقلبونها غما "وأكون متنفسهم الوحيد بالصفع والضرب على القفى "يشبعون سبا في مسؤوليهم...مما يعانونه من إحتقار حسب قولهم من قبل مسؤوليهم وكذلك كثرة عملهم مع قلة مدخولهم المادي....
وكانو يخوضون في مواضيع متعلقة بأشخاص قاموا بإختطافهم و كيف تم ذلك، يفتخرون بطرقهم الهليودية ثم يخوضون في أحاديث ...يصورونها لي بتعابير خاصة كي أنسجها في مخيلتي المظلمة....عن التعذيب و طرقه ...فعشت لحظات أصعب من تلك التي أمضيتها تحت التعذيب ،لأن التهيئة للتعذيب تعتمد على التعذيب النفسي ، كنت اسمع بعض الامثلة التي تصف الخوف والرعب الذي يتعرض له الانسان في مثل هذه المواقف...أبسط مثال:
"قلبي وقف في حلقي"وصف لا علاقة له بالواقع وبعيد عن المنطق ولا ينتبه له الانسان ،لكن أقسم بالله قد إستشعرت قلبي و دقاته مكان الذرقتين،وصدري كأنه صدى طبل من الداخل و كأن بنات الجوف لم يعد لها وجود...ورأسي الذي يحوي عقلي فكان بين السكران والتعبان ، ماهذا التعبير الذي لا يقبله العقل !!!!.. "قد يقول البعض"، اعطي مثالا حيا عن هذه الاوصاف...إنه الاب الفلسطيني المكلوم الذي قتل إبنه بين يديه أمام مرأى من العالم إنه الاب البطل جمال الدرة اب الفتى الشهيد الذي أبكى العالم محمد الدرة...قطعا تتذكرون ذلك المشهد الرهيب حيث كان ابوه فاقدا للوعي بين السكران والنائم من هول الصدمة التي تعرض لها وأية صدمة "اغتيل ابنه بين يديه ولم يستطع فعل شيء" وأنى له ذلك.... 
مثل هذا المشهد الرهيب المرعب كان يتكرر معي وأمامي طيلة فترة وجودي "بقصر الظلام".
أنتظرالقابل المجهول ،سألت الذي بجواري: متى سنصل ؟
يتبع...
المعتقل السياسي السابق والناشط الحقوقي 
محمد عبد المولى الديحاني

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *