-->

تنازل ابو بكر بن عمر ليوسف بن تاشفين عن إمارة المغرب


بعد الفتوحات العظيمة التي حققها الامير ابو بكر بن عمر اللمتوني في الصحراء والتوغل جنوبا في القارة الافريقية، وإخضاع مدينة كومبي صالح العاصمة السياسية لمملكة غانا سنة 462 هـ 1070م والتي تقع في الجنوب الشرقي من موريتانيا وكانت من اكبر المدن في ذلك التاريخ وتتسع لثلاثين ألف نسمة وتولية حاكمًا مسلمًا، عليها وتشييد المساجد والمدارس القرآنية حتى اضحت منارة للاسلام بعدما اسلم ملوكها وزعمائها وتبعتهم الرعية، عاد إلى المغرب بجيوشه لمعاينة الانتصارات الكبيرة التي حققها يوسف بن تاشفين خلال فترة غيابه.
وفي سنة 465هـ وصل ابو بكر بن عمر الى مدينة أغمات وذهب بعض رفاقه الى مراكش للقاء الامير يوسف بن تأشفين الذي بدأ في تنظيم استقبالا عظيما لامير المرابطين، فخرج في جيوش عظيمة، تتقدمها الفرسان المدربة والجمال المحملة بالامتعة، فاندهش ابو بكر بن عمر من ضخامة هذه القوة العسكرية التي حشدها بن تاشفين ودقة تنظيمها، ورأى تسليم الناس له وانقيادهم التام لطاعته، وقد رتَّب شؤون الدولة واستقرت له الأوضاع، فتنازل الأميرُ أبو بكر بن عمر لابن عمه يوسف بن تاشفين لحُكم المغرب، وقرر أن يعود مع طائفة من المرابطين الى الصحراء وحَمَلَ لواء الجهاد في بلاد افريقيا والاستمرار في توسيع دائرة الاسلام شمالا وجنوبا وضم المزيد من الاقطار الى دولة المرابطين ومنهجها. 
وحتى يضع الامير ابو بكر بن عمر الامور في نصابها ويمنع التأويل ويضع حدا لاسباب الفتنة، جمع شيوخ المرابطين والكُتَّاب والشهود، وأشهدهم على نفسه بإنابة يوسف بن تاشفين على إمارة المغرب الاقصى، وأوصاه: يا يوسف إنِّي قد ولَّيتُك هذا الأمر وإنِّي مسئول عنه، فاتق الله في المُسْلِمين، وأعتقني وأعتق نفسك من النار، ولا تُضيِّع من أمر رعيتك شيئًا، فإنَّك مسئول عنهم، والله تعالى يصلحك ويمدك ويوفقك للعمل الصالح والعدل في رعيتك، وهو خليفتي عليك وعليهم[1]، وخلال الوداع دعاء يوسف بن تاشفين لأبي بكر، بالنصر المظفر وقال له ": لَكَ عليَّ ألا أقطع أمرًا دونك، ولا أستأثر إن شاء الله، بشيء عليك"[2] وقُبيل تحرك أبي بكر بن عمر من مدينة أغمات متجهًا إلى الصحراء أرسل إليه يوسف بهدية عظيمة فسُرَّ بها أبو بكر وقال: "خَيْرٌ كثيرٌ، وَلَمْ يَخْرُجِ المُلْك من بَيْنِنا ولا زال عَنْ أيدينا"[3]. 
ثم ودَّعه وعاد إلى الصحراء وقد زوَّده يوسف بهدايا ثمينة، من المال والخيل والبغال والأسلحة المحلاة بالذهب، والجوارى والثياب الفاخرة والمؤن والدوابِّ، ويذكر ابن عذارى أن يوسف بن تاشفين ظل يُمِد أبا بكر بن عمر بالتحف والهدايا حتى استشهد، بعد أن استقام له أمر الصحراء كافة إلى جبال الذهب من بلاد السودان وما بعدهما من دول القارة الأفريقية. 
وكان هذا التنازل عن إمارة المغرب ليوسف بن تاشفين وتفرغ الامير ابو بكر لامارة الصحراء ومواصلة الفتوحات بافريقيا، تصرفا حكيما لدرء المخاوف من التنازع وانهيار دولة المرابطين الفتية والتي اصبحت لها امكانيات هائلة للقيام بدور اكبر في نشر الاسلام وبسط الامن والاستقرار تحت راية واحدة. 
فآثر الامير ابو بكر العودة الى الصحراء والابقاء على وحدة المسلمين وتماسكهم وتجنب سفك الدماء والخوض في منازعات السلطة وحتى يظل يوسف تابعا له على حكم المغرب، وهو ما استمر بالفعل فقد اخذ يوسف على نفسه عهدا بأن لا يقطع أمراً دون استشارة الامير بن عمر وان لا يستأثر بشي دونه. 
ولم تقتصر الفتوحات المرابطية على إنشاء امبراطورية واسعة تمتد من اقصى الغرب الافريقي الى حدود مملكة قشتالة شمالا، بل إحداث النهضة الدينية والسياسية والتنظيمية والاجتماعية والاقتصادية واستتباب الامن والسيطرة على الطرق التجارية والتي كان اهمها الطريق الغربي الرابط بين سلجمانة بالمغرب مرورا بالساقية الحمراء ووصولا الى أودغشت بموريتانيا حاليا وكان مشهورا في تجارة الذهب والملح على قاعدة الملح مقابل الذهب التي بني عليها التبادل التجاري بين الشمال والجنوب، ما ساهم في ازدهار تجارة الذهب والحركة التجارية عموما، وضرب العملة الذهبية كهوية للدولة وعنوان لها حيث عمد يوسف بن تاشفين الى ضرب دينار الذهب المرابطي بدأ من سنة 464هـ 1071م باسم الامير أبي بكر بن عمر[4] الذي استمر ظهور اسمه على الدينار المرابطي حتى وفاته سنة 480هـ 1087م. 
لقد عاش الامير أبو بكر بن عمر اللمتوني من اجل اعلاء كلمة الله في الارض، ونشر تعاليم الدين الحنيف في ارض الله الواسعة، وظل على هذه الطريق حتى نال الشهادة، وهو يجاهد الكفار والمعاندين للدين في احدى المعارك بحدود مالي والنيجر حاليا، بعدما اخترق جسده الطاهر سهما مسموما أصابه في شهر شعبان من سنة 480هـ 
فكان ـ رحمه الله ـ من أعظم قادة المرابطين، وأتقاهم وأكثرهم ورعًا ودينًا وحبًا للشهادة فى سبيل الله، وقد ساهم فى توحيد بلاد المغرب، ونشر الإسلام في ارجاء الصحراء، وجاهد القبائل الوثنية حتى خضعت وانقادت للإسلام والمُسْلِمين، ودخل على يديه أعداد كبيرة فى الاسلام، وساهم فى بناء دولة المرابطين الفتية وحضارتها الاسلامية المتميزة. 
إعداد: حمة المهدي
ـــــــــــــــــــــتت
بعض المراجع:
[1] ابن أبي زرع، روض القرطاس، ص 86 
[2] ابن عذارى، ص25. 
[3] د. عصمت دندش : دور المرابطين في نشر الإسلام في غرب إفريقيا ص105 
[4] ابن عذارى، ج4، ص22.

Contact Form

Name

Email *

Message *