المينورسو بعثة الامم المتحدة التي تحرس الفشل
المينورسو هي اختصار اسم “بعثة الامم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية” وهي البعثة الاممية التي تم انشاؤها بموجب قرار مجلس الامن الدولي رقم 690 الصادر في 29 ابريل 1991.
مهمة بعثة المينورسو الاساسية كما يظهر من نص قرار تأسيسها تتلخص في تنظيم استفتاء حر وعادل ونزيه لتقرير المصير في الصحراء الغربية وقد باشرت عملها في الميدان مباشرة بعد دخول وقف اطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو حيز التنفيذ يوم 6 سبتمبر 1991 بعد حرب عنيفة استمرت لما يزيد عن عقد ونصف من الزمن، وعلى الرغم من مرور قرابة الثلاثة عقود على وجود بعثة المينورسو في الصحراء الغربية ورغم المصاريف الكبيرة التي أنفقت على قوامها العسكري والمدني لعقود فإنها لم تتقدم خطوة واحدة نحو تنفيذ المهمة التي انشأت من اجلها إذ أن تنظيم استفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية الذي أنتظره الصحراويون طويلا لم يتم اجراءه حتى الآن.
وبسبب التأثير الفرنسي البالغ في قرارت مجلس الامن والداعم بصورة معلنة للموقف المغربي في نزاع الصحراء الغربية إلى درجة التهديد باستعمال حق الفيتو فإن المغرب قد تعامل مع المينورسو بكثير من التحدي والاستخفاف الذي وصل في بعض الحالات الى درجة الاحتقار والتعالي.
وإذا كانت علاقة الصحراويين بالمينورسو في بداياتها قد قامت على الإحترام والتعاطي الايجابي مع أنشطتها والمساعدة بكل الوسائل على إنجاح مهمتها فإن توالي الشواهد على خضوع البعثة للابتزاز المغربي وعجزها عن فرض الحد الادنى من الالتزام بواجب التعاطي بحيادية ومساواة مع طرفي النزاع قد جعل الكثيرين من الصحراويين يرون في المينورسو قوة اممية قائمة على حراسة الاحتلال المغربي وعنصر ديمومة للوضع الراهن القائم على احتلال غير شرعي لأراضي الصحراء الغربية والإمعان في انتهاك حقوق الانسان في الجزء المحتلة منها والتوسع المتواصل في نهب ثرواتها الطبيعية ومحاولة فرض هذا الامر الواقع ومحاولة إخراجه عبر البوابة الاممية من خلال إجبار مجلس الامن والأمانة العامة للأمم المتحدة على تشريع الاحتلال المغربي تحت غطاء “الواقعية السياسية”.
ويمكن هنا إيراد جملة من المحطات والمواقف التي خلقت رأي سلبي تجاه بعثة الامم المتحدة في الصحراء الغربية التي تحولت من بعثة دولية للاشراف حل لنزاع الصحراء الغربية إلى بعثة تجمع بين العجز والفشل وتتسبب في ديمومة النزاع بدلا من أن تكون عنصرا فعالا في حلحلته:
خضوع البعثة الاممية في الصحراء الغربية للإجراءات المغربية المهينة التي تجعلها في وضع مخالف لنظيراتها في العالم كإرغام المغرب سيارات البعثة على حمل لوحات ترقيم مغربية وختم جوازات سفر أعضاء البعثة الاممية بختم السلطة المغربية حين وصولهم لمطارات الصحراء الغربية ورفع الاعلام المغربية بكثافة على مقرات البعثة الاممية ولاحقا في محيط هذه المقرات.
افتقاد بعثة الامم المتحدة في الصحراء الغربية لدور ميداني في حماية حقوق الانسان لتصبح بذلك البعثة الاممية الوحيدة في العالم التي تمارس إنتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بحضورها دون أن تتمكن حتى من التقرير او الإخبار عنها وفي بعض الحالات قامت بتسليم المدنيين الصحراويين الذين لجؤا إلى مقراتها من بطش عناصر الاستخبارات المغربية.
عجز البعثة الاممية إلى الصحراء الغربية أو عدم رغبتها في مواجهة التلاعبات والتجاوزات المغربية في عملية تحديد الهوية وتقاعسها عن لعب أي دور في حماية المدافعين الصحراويين عن حقوق الانسان كما أشار غير ما مرة إلى ذلك نائب رئيس البعثة السفير الأمريكي السابق فرانك رودي.
قيام عدد من عناصر بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية بتخريب متعمد لأثار ما قبل التاريخ في عملية تكررت في ثلاثة مواقع أثرية ذات قيمة اركيولوجية وتاريخية عالمية وهي الجرائم التي اعترفت بها الامم المتحدة وضمن هذه الاعتراف في تقرير الامين العام للأمم المتحدة إلى مجلس الامن سنة 2007.
كما تكررت شهادات متطابقة حول نهب عناصر البعثة لقطع أثرية قيمة وتهريبها خارج المنطقة.
إقدام المغرب في شهر مارس 2016 على طرد المكون المدني لبعثة الامم المتحدة في الصحراء الغربية في سابقة نادرة في تاريخ الامم المتحدة احتجاجا على تصريح الامين العام للأمم المتحدة السابق “بان كيمون” حين وصف الصحراء الغربية بأنها منطقة محتلة وهو الوصف الذي تضمنه قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 34 / 37 الصادر في 21 نوفمبر 1979.
قبول رئيس بعثة الامم المتحدة الى الصحراء الغربية الاجتماع بكبار المسؤولين المغاربة في مدينة العيون الصحراوية المحتلة من المغرب ورفضه الالتقاء بالمسؤولين الصحراويين في الاراضي المحررة من الصحراء الغربية التي تديرها جبهة البوليساريو الذين يرفضون ازدواجية المعايير التي تمارسها بعثة الامم المتحدة في الصحراء الغربية في تعاملها مع طرفي النزاع مما شكل انشغالا عبر عنه تقرير الامين العام للأمم المتحدة لشهر اكتوبر 2018.
عجز البعثة الاممية في الصحراء الغربية في شهر اوت 2017 عن وقف المغرب عن تعبيد طريق يربط الصحراء الغربية وموريتانيا في منطقة “الكركرات” تحت حراسة قوت عسكرية وشبه عسكرية مغربية رغم تحذيرات جبهة البوليساريو ورسائلها المتكررة إلى الامانة العامة للأمم المتحدة دون أن تقوم البعثة بأي رد فعل ذي شان مما دفع جبهة البوليساريو إلى إرسال قواتها العسكرية الى عين المكان وإيقاف الخرق المغربي للاتفاق الذي يحظر أي تواجد مغربي خارج الجدار الدفاعي مما خلق حالة استنفار غير مسبوق بعد أن أصبحت المسافة الفاصلة بين الطرفين لا تتجاوز 120 متر فقط وأوشك الوضع على الانفجار.
الانتهاكات المغربية المتكررة لاتفاق وقف إطلاق النار والاتفاق العسكري رقم (1) الموقع بين طرفي النزاع والبعثة الاممية في الصحراء الغربية والتي تكررت الإشارة إليها في جميع تقارير الأمين العام للأمم المتحدة المقدمة إلى مجلس الامن الذي نبه في عدد من تقاريره الأخيرة إلى تجاوزات مغربية جسيمة تتعلق بتغيير الواقع الميداني وبناء منشاءات عسكرية في المحبس وبير قندوز ومناطق أخرى يحظر الاتفاق العسكري رقم واحد إحداث أي تغييرات فيها.
و في ظل حالة الانسداد القائمة وامام عجز الامانة العامة ومجلس الامن- في سابقة تاريخية- عن تعيين مبعوث دولي جديد إلى الصحراء الغربية لسد الشغور الحاصل في هذا المنصب منذ استقالة المبعوث الاممي السابق السيد هورست كولر في شهر ماي 2019، ومع غياب أية إرادة دولية للدفع قدما بالعملية السياسية في الصحراء الغربية لم يعد من خيار أمام الشعب الصحراوي سوى أخذ المبادرة بنفسه ووضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته من خلال الإعلان بصورة جلية عن رغبته في إنهاء التعاطي مع هذه الآلية الاممية التي عجزت عن أداء دورها الذي انشئت من أجله ألا وهو تنظيم استفتاء لتقرير المصير في الصحراء الغربية يقود الى إنهاء الاستعمار في اخر مستعمرة افريقية.
د. غالي الزبير