أزمة سد النهضة محك آخر لقدرة الإتحاد الإفريقي على حل مشاكل القارة !
يثير سد النهضة خلافا إثيوبيا مصريا حادا ، في الوقت الذي يبلغ عدد الدول المشاركة في حوض نهر النيل عشرا، وهي من المنبع إلى المصب ترد هكذا تباعا ، حيث بوروندي ، رواندا ، تنزانيا ، كينيا ، جمهورية الكونغو الديمقراطية ، أوغندا ، إثيوبيا ، إريتريا ، السودان ومصر .
كل هذه الدول لم تنبس ببنت شفة حيال المشكلة القائمة بين مصر وإثيوبيا ، لا على سبيل المصلحة المشتركة ، ولا بخصوص الوساطة على الأقل بين شركائها في مياه هذا النهر الممتد على طول 6671 كلم .
فالأزمة القائمة على هذا السد تتفاقم يوما بعد يوم بين إثيوبيا ومصر ، بسبب الإختلاف على حصة كل منهما من مياه هذ النهر ، ووصلت الأمور بهما إلى حد التهديد وربما إعلان الحرب إذا ما تفاقمت الوضعية أكثر ، وأستنفذت كل مساعي التوافق مستقبلا ، وهذا طبعا لا يخدم القارة السمراء التي عانت من النزاعات والتجاذبات وعدم الإستقرار ردحا من الزمن ، وكان لزاما عليها أن تبحث عن مخارج لها من الأوضاع المأساوية التي تركتها قوى الإستعمار التي إجتاحتها وعبثت بكل مقدراتها المختلفة ومازالت تفعل إلى حد الساعة ، ولعل ذلك من الأسباب أوجدت منظمة الوحدة الأفريقية كإطار جامع لدول القارة السمراء ، وخدمة مصالحها عن طريق التقارب وتوحيد جهودها وأهدافها الرامية إلى الإحترام المتبادل ، وتعزيز تنميتها والحد من تبعيتها للخارج ، سواء في ما يتعلق بالقرارات السيادية ، أو بالنسبة للعلاقات الإقتصادية ، وبناء السلم الإجتماعي إنطلاقا من الذات ، وهكذا كانت هذه المنظمة بادرة خير ، كونها عملت ما في وسعها لتحسين أوضاع شعوب القارة رغم ما تمر به من مطبات ، ومن تناقضات وتوجهات مختلفة ، وتماشيا مع المتغيرات التي شهدها العالم بعد الحرب الباردة وظهور نظام عالمي جديد يخضع لهيمنة القطب الواحد ، تأسس الإتحاد الإفريقي على أنقاض منظمة الوحدة الأفريقية ، وعمل على توحيد الرؤى بين الدول الإفريقية وبلورة أهدافها إنطلاقا من القناعة التامة بوحدة المصير ، وطبقا للسياسات التي يمليها الواقع العالمي اليوم ، وذلك من خلال تحرير القارة من كل أشكال التبعية والإستغلال الممنهج لأزماتها وأوضاعها المختلفة ، وتقوية هياكلها بما يخدم مصالحها الخاصةأولا وأخيرا ، من خلال التحكم في مواردها ، والإستقلالية التامة في تدبير شؤونها بما في ذلك حل مشاكلها بنفسها ، وتعاملها مع الغير في إطار من الشراكة التي يسودها الإحترام المتبادل وتحقيق الغايات على أسس خالية من التغول والنوايا الخسيسة .
تجاوزا لكل هذه الجهود والأهداف النبيلة التي يرمي إليها الإتحاد الإفريقي ، لجأت مصر إلى تقديم شكوى ضد إثيوبيا لمجلس الأمن الدولي ، دون أي إعتبار لهيئات الإتحاد الإفريقي المخولة للبت في النزاعات التي تحدث بين دول القارة ، وهو ما تناسلت على إثره العديد من الأسئلة المحيرة ، خاصة لدى الذين يعلقون أمالا كبيرة على دور الإتحاد الإفريقي في فك الإرتباط بالسياسات الإستعمارية القديمة والحديثة ، وإيجاد سبل للسلام والوئام ، وللرقي والإزدهار ، الذي ما زالت تفتقد إليه بعض دول القارة .
1- فهل رؤية مصر لحل مشكلة السد عن طريق مجلس الأمن ، هي خطوة في الإتجاه الصحيح ، أم أنها إحتقار للإتحاد الإفريقي وتشكيك في قدرته على فض النزاعات الكائنة بين دوله ؟
2- هل الإتحاد الإفريقي ليس إلا ميثاق ونصوص قانونية ، وجملة من القرارات والمبادئ والقيم التي لا أثر لها في الواقع ؟
3- لماذا يعجز الإتحاد الإفريقي عن حل مشاكل دوله الأعضاء دون تدخل من الخارج ؟ ألا يوحي ذلك بشئ من الضعف على مستوى البنية الداخلية ، ويشي بنوع من التبعية التي مازالت عالقة بالخارج ؟ خاصة إذا علمنا أن الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ، وحتى محكمة العدل الدولية تنحصر تدخلاتهم في خدمة مصالح الدول المتنفذة في العالم أولا وقبل كل شئ .
مادام الأمر كذلك ألا يجدر بدول الإتحاد الإفريقي فهم الدرس على بساطته ؟ أم أن الغاية ما زالت تبرر الوسيلة لدى البعض في هذا الصدد ؟
إن تصرف دولة مصر غير المدروس وما يشابهه من طرف بعض الدول الإفريقية ، يضع سمعة الإتحاد الإفريقي على المحك ، خاصة في ظل ما تشهده ليبيا من تدخل سافر وتجاذبات خارجية مسعورة ، وما يقوم به المغرب من محاولات إخراج النزاع الدائر بينه وجبهة البوليساريو من إطاره الإفريقي ، والعمل على حصره فقط في يد الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ، دون تدخل من الإتحاد الإفريقي ، الذي بذل وما زال يبذل جهودا معتبرة في هذا الشأن ، سعيا لتصفية الإستعمار من الصحراء الغربية آخر مستعمرة في إفريقيا ، هذا علاوة على الكثير من التلاعبات الأخرى بقوانين وقرارات هذا الإتحاد ، والإستهزاء بها سرا وعلانية .
أظن أنه أصبح من الضروري للدول الإفريقية دون إستثناء ، إحترام مواثيق وقرارات الإتحاد الإفريقي ، هذا إذا كانت بالفعل مؤمنة بهذا الإتحاد وبقدراته على صنع التحول المنشود ، الذي من شأنه الرفع من مكانة القارة السمراء ككيان له وزنه على الساحة. الدولية ، ويحسب له حسابه . فالتصرفات المعاكسة لتوجهه العام ، سوف لن تترك له مجالا لإثبات ذاته على الساحة الدولية ، بل ولا يتيح له الفرصة لبلورة قدراته في ما يتعلق بخدمة أهداف وتطلعات الدول والشعوب الإفريقية ، إنطلاقا من آلياته التي وجدت لهذا الغرض
إنه لمن المخجل حقا ، أن تظل الدول الإفريقية أسيرة لأجندات خارجية ، لم توفر لها يوما من الأيام الأمن والاستقرار في محيطها بقدر ما أعادت نوايا الإستعمار تجاهها بقناع آخر ، والدليل ما سببته التدخلات الأجنبية في بعض الدول الإفريقية ، من إستهداف ممنهج لأنظمتها الراشدة ، ومن ٱنتهاك لحقوق الأنسان بها ، وهشاشة في أوضاعها الإقتصادية ، وإستغلال مبرمج لمواردها الطبيعية ، والأكثر من ذلك المحاولات المتكررة لإطفاء أي بصيص من الأمل قد يظهر لها في آخر النفق المظلم ، الذي شيده الإستعمار على مدى طويل من الزمن .
الإجابة على كل هذه الأسئلة وغيرها ، نتركه للمستقبل ، في إنتظار أن يثبت الإتحاد الإفريقي جديته وقدرته على التعاطي مع الأمور التي تخص القارة من عدمها .
بقلم : محمد حسنة الطالب .