في زمن الميديا وتزييف الحقيقة.. اقتباسات من رواية جورج أورويل تنطبق على عالمنا
في عمله الذي ينتمي لأدب الديستوبيا أو "الواقع المرير" يبدأ الأديب البريطاني جورج أورويل أحداث روايته "1984" بمذكرات يكتبها بطل الرواية ونستون سميث عن فيلم شاهده.
يكتب سميث واصفا مشهدا سينمائيا رآه في فيلم تظهر فيه سفينة مليئة باللاجئين تتعرض للقصف في مكان ما بالبحر الأبيض المتوسط، ويستمتع الجمهور بمشهد الرصاص الذي يخترق جسد أحد اللاجئين الذي يحاول السباحة بعيدا عن طائرة مروحية، ثم يختلط الماء بالدم ويغرق.
ويبدو مشهد ضرب سفينة اللاجئين في الرواية =-لتي تغير اسمها من "الرجل الأخير في أوروبا" إلى "1984"- شبيها نوعا ما بمشاهد سفن خفر السواحل اليونانية التي ظهرت في مقاطع فيديو وهي تحاول منع قوارب اللاجئين من الوصول لسواحل الجزر اليونانية، بينما تتعرض القوارب لإطلاق نار ومحاولات لإغراقها.
وفي مقالها الذي نشره موقع "لورنينغ مايند" الأميركي، قالت الكاتبة شيري هورد إن اقتباسات جورج أورويل تنطبق على معايير عالم اليوم السياسية والاجتماعية، وكتب روايته الشهيرة "1984" لتكون وسيلة الضوء على "الكُليانية" أو النظام الاستبدادي المطلق، ولطالما سعى لإسقاط الأجندات السياسية والاجتماعية "الخفية" في عصره.
وتدور أحداث الرواية في إمبراطورية أوقيانوسيا الخيالية، حيث تخضع لسلطة الحزب الواحد الذي يشرف عليه الأخ الأكبر، وكل شخص في الرواية مراقب.
ورغم أن الرواية كتبت في نهاية أربعينيات القرن الماضي فإن العديد من الأفكار التي أوردتها لا تزال موجودة في عالم اليوم، وتقول الكاتبة إننا لسنا متحررين من أنظار "الأخ الأكبر" ولسنا أحرارا كما يبدو، وأورد التقرير نماذج من أبرز اقتباسات جورج أورويل في رواية "1984":
1. "الأخ الأكبر يراقبك"
بالحديث عن الحقائق يشير هذا الاقتباس بشكل مباشر إلى أنك لا تملك أي حرية أو خصوصية على الإطلاق، وكل خطوة تخطوها تراقبها الحكومة.
وفي رواية أورويل "1984" كان هذا الاقتباس بمثابة تحذير من عدم معارضة الحكومة وتذكير المجتمع بأنه تحت المراقبة بشكل دائم، وعلى الرغم من عدم وجود قوانين فإن هناك "شرطة الفكر".
وتشبه الفكرة الخيالية في الرواية قيام مواقع التواصل الاجتماعي بإزالة المشاركات لأسباب سياسية أو فكرية بحجة أنها تشكل تهديدا أو تنافي سياسات الموقع أو المجتمع، وكأن الأخ الأكبر يراقبنا على الدوام ويقوم بحظر المنشورات.
وفي الزمن الحالي تستخدم شركات مواقع التواصل الاجتماعي جيوشا كبيرة من المشرفين البشريين وتقنيات الذكاء الاصطناعي لمراقبة مستخدميها على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، ليقوموا بالإبلاغ عن أولئك الذين يرتكبون "جرائم فكرية" ويحذفون منشوراتهم من الوجود الافتراضي، وكثيرا ما يتم حذف المنشورات بدون أي تدخل بشري، ودون القدرة على الاعتراض
وفي أحداث الرواية يعمل سميث في وزارة الحقيقة، ومهمته هي إعادة كتابة التقارير صحف الماضي لتتوافق مع الواقع الحالي، ويعيش سميث في حالة دائمة من عدم اليقين، حتى أنه ليس متأكدا من أن العام الذي يعيش فيه هو في الواقع عام 1984.
وعلى الرغم من أن الرواية الرسمية -في الرواية- هي أن أوقيانوسيا كانت دائما في حالة حرب مع أوراسيا فإن سميث يتذكر جيدا أنه قبل بضع سنوات فقط كانوا في حالة حرب مع إيستاسيا التي يجري الإعلان عنها -حاليا في زمن الرواية- كحليف دائم ومخلص.
2. "أنت متمرد فقط من الخصر إلى الأسفل"
يقع وينستون (بطل الرواية) في حب امرأة تدعى جوليا، وكانا معارضين لنظام دولتهما الشمولي.
وبينما كان وينستون رجلا مثقفا يسعى جاهدا للتمرد ولتغيير الواقع وتنوير عقول الآخرين كانت جوليا ببساطة متمردة لمصلحتها الشخصية فحسب، وبعبارة أخرى لا يتطلب كونك "متمردا من الخصر إلى الأسفل" تمردا فكريا، وتستهزئ جوليا بكلمات وينستون التي تثبت أيضا أن علاقتهما لن تنجح أبدا.
وتقول الكاتبة إن هذه المواقف والعلاقات نفسها موجودة اليوم على أرض الواقع، ولا تساهم في أي تغيير حقيقي يذكر.
3. "لن يتمردوا أبدا إلى أن يصبحوا واعين"
تطرقت الكاتبة إلى مثال آخر على حالة جوليا، ومثال كذلك على الأشخاص "العاجزين" في عالمنا الآن، إذ يتحدث وينستون عن الناس كما لو أنهم نائمون، ويعني عدم إدراك ما يحدث حقا النوم وعدم الاستيقاظ على الإطلاق، فكل ما تراه وتسمعه وتجربه هو مجرد حلم، إنه ليس حقيقيا، ومع ذلك فقد تم تدريبك على رؤية الوهم على أنه الحقيقة.
وتظهر في الأحداث حقيقة أن مجتمع الرواية تمارس فيه السيطرة الاجتماعية من خلال التضليل والمراقبة، وحتى الأفكار والعقول يجري التلاعب بها.
كما أدرك أورويل أن الأنظمة القمعية تحتاج دائما إلى أعداء، وفي "1984" أظهر كيف يمكن إنشاؤهم بشكل تعسفي عن طريق إثارة الشعور الشعبي من خلال الدعاية.
وإلى أن تستيقظ من الحلم وتدرك الحقيقة كاملة فلن تتمرد أبدا على القوالب الجاهزة، وسيبقى دماغك مغسولا وستتعامل مع الأشياء بكل دوغمائية، ويؤسفني أن أخبرك بهذا، لكن أورويل كان يعرف جيدا كيف ستكون حياتنا اليوم، وكيف يكون كثير منا فاقدين للوعي ومنساقين مع القطيع، بحسب تعبير الكاتبة.
4. "لأول مرة أدرك أنه إذا كنت تريد الاحتفاظ بسر يجب عليك أيضا تحفظه من نفسك"
على الرغم من أننا نعتقد أنه يمكننا الاحتفاظ بسر فإنه لا يمكننا الاحتفاظ بهذا السر بنجاح إلا إذا أخفيناه عن أنفسنا.
وبعبارة أخرى، يجب أن نصدق الأكاذيب التي نقولها لأنفسنا ونتظاهر بأننا لا نعرف الحقيقة، وهذا يعني فصل جزء من نفسك عن الآخر كما لو أن الجزء المنساق في الحياة اليومية لا يعرف السر، وبطريقة ما يشبه الأمر غض الطرف عن الحقيقة.
5. "الحرب هي السلام.. الحرية هي العبودية.. الجهل قوة"
في رواية "1984" يبدو أن أورويل فهم جيدا كيف نجحت الدولة في غسل أدمغتنا ودفعنا لقبول الواقع كحقيقة ثابتة، وحتى اليوم يرى كثيرون أن شن الحرب يؤدي إلى السلام، ويرون كذلك أن الحرية تتمثل في إبقاء الآخرين تحت القمع تحت دعاوى الحفاظ على "سلامتنا".
كما نشهد أيضا حقيقة أن يكون البقاء جاهلا مصدر قوة، وذلك عندما نكون خائفين من الإفصاح عن الحقيقة والتغريد خارج السرب وعندما نواصل اتباع هذه الأكاذيب الثلاث والسير على منوال الأغلبية، ونغمض أعيننا عن الحقيقة بشكل تام.
وختمت الكاتبة مقالها بأنه لأمر محبط عندما ندرك أننا نرضخ للحكم الاستبدادي الصارم يفكر نيابة عنا بدلا من التفكير بأنفسنا، ودون الوعي بذلك -تتابع الكاتبة- "يجب أن نستيقظ وندرك حقيقة وضعنا" لعلنا نحدث بعض التغييرات في عالمنا اليوم شيئا فشيئا، على الأقل يمكن أن نتحلى بالمزيد من الأمل والقوة.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية