لماذا غيبت إسبانيا حقوق كثر للصحراويين؟
بقلم: أزعور ابراهيم.
يمثل إخفاء هوية سكان الصحراء الغربية،وحتى الإعتراف بعددهم الأصلي،التحدي الأعظم ليس بالنسبة للمغرب كقوة مارست عليهم فعل الإحتلال والتوسع، بل حتى بالنسبة لإسبانيا،القوى الإستعمارية السابقة،التى تسارع الخطى اليوم لمحو أي أثر لعلاقتها مع هذا الشعب، والتي امتدت لأكثر من إثنان وتسعون عاما،لأن الإعتراف سيكلفها الكثير في المستقبل.
بالنسبة للمغرب.الادعاء بأصول الصحراويين "المغربية" إلى جانب محاولة إثبات وجود "روابط تاريخية" تجمعهم بملوك هذا البلد، يحتاج أدلة كثيرة لا يمكن لها أن تتوفر،لهذا كان المغرب بحاجة دائمة إلى دعم إسبانيا في هذا الجانب،لذا ظل تاريخ علاقة إسبانيا بالمغرب،وبسبب الصحراء الغربية،حافل بمواقف التضامن والتماهي والتأييد دون خجل ولا خوف!!
تاريخيا.إسبانيا ساعدت المغرب في منع البوليساريو(ممثلة السكان الأصليين) من إعادة قضية الصحراء الغربية إلي جذورها الاستعمارية من خلال احتفاظ السكان الأصليين بأوراقهم الثبوتية،وهذا يعني إسقاط حلقة مهمة مليئة بالأدلة التي تؤكد حقيقة أن الأرض مع سكانها،لم تكن سوى المقاطعة رقم 53 بحسب التقسيم الإداري والجغرافي للمملكة الإسبانية،حتى فبراير من سنة 1976,تاريخ جلاء إسبانيا عن الأرض،وأنها كانت ممثلة من طرف نواب محليين في البرلمان الإسباني،أي: Cortes) Generales).
وكانت إسبانيا قد تعمدت عدم إجراء أي إحصاء للسكان الأصليين طيلة قرن من تواجدها كقوة استعمار على أرض الصحراء الغربية حتى سنة 1974،أي قبل سنتين،فقط،من رحيلها،عندما قامت بمحاولة شابها الكثير من الأخطاء،نظرا لأن إسبانيا لم توفر إمكانيات مادية ولا بشرية كافية للقيام بتلك المهمة بشكل دقيق،إلى جانب الممارسات الخاطئة التي كان يقوم بها موظفو مصلحة الإحصاء الإسبان،الذين وجدوا صعوبة بالغة في تتبع السكان،خاصة،من البدو الرحل عبر تخوم الصحراء الوعرة،لذلك، كثيرا ما كانوا يعتمدون بعض المعطيات بخصوص عائلات من جيرانهم وأقاربهم، وممن يجدون في طريقهم،دون معاينة!!
وحتى عندما سمحت إسبانيا لعدد كبير من سكان مستعمراتها السابقة بحمل جنسيتها،وقفت أسباب سياسية وأخرى إقتصادية دون تمتع سكان الصحراء الغربية، باعتبارها مستعمرة إسبانية،بنفس الحق!!
في هذا الشأن.إستصدرت الحكومة الإسبانية،مؤخرا، قانونا يسمح لثلاثة ملايين ونصف المليون من أحفاد اليهود (السفارديم) الذين طردوا من إسبانيا قبل خمسمائة سنة،باسترجاع الجنسية الإسبانية،بشرط وحيد،هو إثبات سلالة النسب!!.كما يسمح القانون الجديد نفسه بإعادة الجنسية لأشخاص من المستعمرات السابقة مثل: الفلبين وغينيا الاستوائية وبعض بلدان أميركا اللاتينية،لكنة يتجاهل،وبكل وضوح،سكان الصحراء الغربية،آخر مستعمرات إسبانيا الأفريقية!!
كما قامت السلطات الإسبانية ببعض الخطوات المشبوهة في الشأن ذاته،منها :إغلاق «دار إسبانيا» بالعيون المحتلة،والتي تعد آخر امتداد للإدارة الإسبانية على التراب الصحراوي ونقل صلاحياتها لمقر سفارتها بالرباط،وهذا الإجراء الشكلي يشبه قيام إسبانيا بنقل تدريجي للإدارة في أفق تسليمها بشكل نهائي للمغرب.
وكان ل «دار إسبانيا» دور القنصلية الإسبانية على تراب الصحراء الغربية،نظرا لاحتوائها الأرشيف العام،والذي يضم كل البيانات والمعطيات الرسمية للصحراويين خلال فترة الإستعمار الإسباني،إذ كانت تقوم بتسلم شهادات الولادة ووثائق السفر والهوية، وكل الإجراءات المطلوبة لاكتساب الجنسية الإسبانية بالنسبة للصحراويين المولودين في الصحراء الغربية خلال فترة الإستعمار أو نقلها من الآباء إلى الأبناء،أي بما يعرف بإثبات علاقة النسب.
عدم التزام إسبانيا ووفائها بحقوق الصحراويين،هو تهرب من الاعتراف بماضيها الاستعماري في هذا الجزء من أفريقيا،لأن الإقرار بهذا الماضي سيتطلب من إسبانيا تعويض السكان عن إثنان وتسعون عاما من الإستعمار واستغلال الثروات إلى جانب
صرف حقوق مسكوت عنها،من أشهرها، حقوق العمال الصحراويين، الذين عملوا ولسنوات طويلة في شركات إسبانية.وعليها أيضا تدبير ملفات المعاشات والتقاعد والتغطية الصحية لعدد كبير جدا من المجندين الصحراويين المتقاعدين من صفوف قواتها المسلحة.
في جانب آخر.نكتشف أنه وفي بادي الأمر أن البوليساريو لم تنتبه إلى أهمية احتفاظ الصحراويين بوثائقهم الاسبانية،إلى حين يتم تقرير مصير الأرض،لذا قامت بخطوة غير واعية،تمثلت في جمع الأوراق الإسبانية من المواطنيين،نهاية سبعينيات القرن الماضي،معتبرة ذلك نوع من التخلص من "إرث الاستعمار"مما نتج عنه تلف وفقدان أغلب تلك الوثائق!!
وحتى عندما أصبحت النوايا المغربية والإسبانية واضحة في هذا الصدد،لم تقم البوليساريو بما هو مطلوب لحمل إسبانيا على تحديث الوثائق التي يتوفر عليها عدد كبير من الصحراويين،خصوصاً الوثائق المتعلقة بالإحصاء الأخير لسكان الصحراء الغربية، الذي أجرته السلطات الإسبانية قبل جلائها منها، الذي اعتمدته الأمم المتحدة أساساً لتنظيم استفتاء تقرير المصير قبل عقود.
ولكى استدرك البوليساريو ما فاتها من توثيق الصراع بربط أجزائه بعضها بالبعض،يجب أن تعمل على تحريك المنظمات الحقوقية والعمالية والنقابية،وأعضاء البرلمان،وأحزاب اليسار الإسبانية والدولية،لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.