-->

الوحدة الوطنية .. ولـــكن ؟



الوحدة الوطنية تُطرب الآذان عند سماعها و تتلذذ الألسنة بنطقها، ولكن أية وحدة لاتصنع حقائقها من داخلها وتخلق دينامكية تفاعلية تتجدد في المكان و الزمان هي وحدة مآلها التقزيم ثم الإضمحلال والإندثار.
لقد تطرق رفيقا الدرب، القامتان المحترمتان "علين حبيب الكنتاوي و مصطفى الكتاب"، بالتمحيص و التدقيق الى موضوع الوحدة الوطنية، فعرج الأول في مقاله الى دروس من التاريخ لاغنا عن الإستفادة منها، بينما سلط الثاني الضوء على أهمية الحدث بالنسبة للصحراويين بشرح دواعيه و أهدافه و النتائج المرجو منه و بالتالي كان هناك نسق تكاملي في انسجام تام للمقالين من حيث الشكل و من حيث الرؤية و الإدراك العميق لماهية وحدتنا الوطنية و الضرورة القسوى لتقوية عودها.
وأستسمح رفيقيَّ أن أدلي بدلوي وأبحث في سؤال، في إعتقادي أنه بالإجابة عليه تكتمل الإحاطة بالموضوع من كل جوانبه 
والسؤال هو كيف يمكن خلق دينامكية متجددة داخل روح الوحدة الوطنية تضمن صقل، صيانة واستمرارية هذه الوحدة بما يقضي على أسباب التفرقة و التشرذم؟
أعتقد انه بدون خلق آليات تفاعلية تتكامل في ما بينها أفقيا و عموديا داخل الجسم الوطني الصحراوي مرتكزة على نقد التجربة والتفكير الإستراتجي، آليات تُمكن كلا من المؤسسة والأسرة و الفرد من لعب دورها في نسج و صياغة وعصرنة أسس ديمومة الوحدة الوطنية، فإن مصيرهذه الوحدة لن تكون بأفضل من مآلت اليه في الماضي وحدة عرب الجزيرة و المغول ثم المرابطون و جمهورية يوغزلافيا و الإتحاد السوفياتي و غيرها بالأمس القريب، التي أصبحت جميعها في خبر كان.
إن كان العامل الخارجي – غزو وإحتلال أو غيرهما – عاملُ تسريع في تحقيق مفهوم الوحدة الوطنية وهو الحال بالنسبة لنا سنة 1975، فإنه كما علمنا التاريخ، لا يكفي لإستمرار تلك الوحدة لا في الزمان و لا في المكان. فالأمة الفارسية والأمة الصينية و همتا من أقدم الحضارات حافظتا عبر العصورعلى إنسجام شعوبهما وو حدتهما رغم التعدد الأثني و العرقي و الديني و اتساع الرقعة الجغرافية و التعداد السكاني إضافة الى المحيط المعادي، و قريب منا تجربة جمهورية رواندا التي انبعثت من رماد التناحر القبلي الرهيب الى دولة شعب يطمح الى غزو الفضاء حافظوا على وحدتهم ووجودهم وتطوير مجتمعاتهم، بإعتماد هذه الدول على شيئ واحد هو علو شأن مواطنيها و تمكينهم من أسباب الفخر و الإعتزاز بالإنتماء للوطن وذلك برسم سياسات متعددة الأوجه إجتماعية، إقتصادية و ثقافية تستهدف ترقية المواطن وتعزيز الثقة في نفسه وتقوية ارتباطه بمؤسسات الدولة. فالوحدة الوطنية الصحراوية ليست شعارا مناسباتيا كما أنها ليست حقيقة ظرفية تستهدف السلم الأجتماعي ولا هي إجماع على مشروع توافقي مرحلي ولاهي يافطة يرفعها البعض لتحقيق أهداف خاصة. إنها بالنسبة للشعب الصحراوي القليل العدد الكثير الأعداء هي الوجود أوالإندثار هي البقاء كعنصر بشري أو الفناء، وبالتالي هي الإنصهارالكلي فإطار الجبهة الشعبية التي تحملت على عاتقها منذ تأسيسها تحرير الوطن و فرض الإستقلال و التي هي من هندست للوحدة الوطنية و رفعت شعار: "لاوجود لغير الشعب و لا تنظيم إلا التنظيم السياسي"، فبالتالي تقع المسؤولية كاملة على النخب الصحراوية بصفة عامة و أطر و كوادر الجبهة الشعبية بصفة خاصة في تجذير مفهوم وحدتنا الوطنية فكرا و ممارسة و ذلك ب:

- خلق مناخ إيجابي بين لأفراد و المؤسسات بتشكيل ثقافة الإنتماء الى الدولة باحترام قوانينها وفرض هيبتها من خلال عوامل عدة من بينها نسج خيوط الثقة بين الفرد و المؤسسة والحفاظ على جو من الأمن و الأمان و ذلك بالنهوض بالقطاعات العامة التي تمس حياة المواطن و الحد من المشاكل الداخلية و الخلافات في المجتمع سواء كانت إجتماعية أو إقتصادية التي بتراكمها تسبب الضرر و التصدع في لحمة المجتمع و الدولة على حد السواء الشيء الذي سينعكس ايجابا على الأسرة الصحراوية التي هي نواة الوحدة الوطنية و أهم ركازها إذ هي المسؤولة على تنشئة الفرد و تلقينه مباديء الوحدة و الإلتحام مع ابناء شعبه وحبه و إعتزازه بالوطن و تشجيع اختلاط و امتزاج أفراد الشعب و فئاته من خلال المصاهرة و التزاوج بين مختلف مكوناته العرقية.

- الإعتماد على المؤسسة التعليمية في سعيها ايجاد أفضل البرامج لغرس حب الوطن لدى الأطفال و زرع في نفوسهم التمسك بالهوية الوطنية و الشعور بالفخر و الإعتزاز بالوطن ولعل معرفة تاريخ المقاومة الوطنية و قصص ملاحم جيش التحرير الشعبي و زيارات منتظمة للأراضي المحررة وغيرها تفتح أعين المتمدرسين على معنى تقديس الوطن و الوفاء في الدفاع عنه.
- و يُعد الإعلام من أهم المؤسسات المؤثرة في تحقيق الوحدة الوطنية الصحراوية إذا تمت إدارته على النحو الأفضل و ذلك بتحصين المجتمع أمام سموم دعاية العدو وشحد هممه و تقوية عزيمته، الشيء الذي يضع النخب الصحراوية المثقفة امام مسؤولياتها التاريخية في أن لا تجعل من أقلامها معاول هدم لما بناه شعبها بالمعاناة و العرق و الدماء.
إن تجديد فكرة الوحدة الوطنية بعد خمسة و اربعون عاما ممكن متى استخلصنا النتائج واستعبنا العبر من تجربتنا الماضية و ادركنا ان ظروف 1975 عندما اعلنت الوحدة الوطنية كان الهدف الأول هو الرد السريع على الإجتياح العسكري القادم من الشمال و الجنوب و ما يشكله من خطر ملموس على حياة الشعب، فإن ظروف 2020 التي عليها الشعب الصحراوي - و إن كان الخطر نفسه لازال قائما - تختلف تماما عن غيرها و الكل يدرك ذلك مما يستدعي إعادة بناء مفهوم الوحدة الوطنية بما يضمن صلابة النسيج الإجتماعي وتوحيد كل الطاقات و توجيهها نحو مواجة الإحتلال و الحكرة المغربية.

بقلم: محمد فاضل محمد سالم

Contact Form

Name

Email *

Message *