-->

المعلم الصحراوي بين إرهاصات الواقع وإرادة التميز


في الخامس من تشرين/أكتوبر يحتفل العالم باليوم العالمي للمعلم، ويعتبر ذلك إحياء لذكرى توقيع توصية اليونيسكو ومنظمة العمل الدولية لعام 1966 بشأن أوضاع المدرسين. ورغم أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة المعروفة اختصارا ب(اليونيسكو/UNESCO) لا تضع الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ضمن مجال انتشارها العالمي ـ وذلك اعتبارا للوضع القانوني للإقليم الذي يصنف ضمن لوائح المنظمة الأم كقضية تصفية استعمار ـ إلا أن التعليم الوطني بمخيمات العزة والكرامة والمناطق المحررة قدم أنموذجا متميزا لم تصل إليه دول ذات سادة تامة على أراضيها.
ويعود الفضل في ذلك إلى المعلم الصحراوي الذي واجه إرهاصات الواقع المرير والصعب الذي فرضته قوى الإحتلال المغربي وأزلامه التي تكالبت على شعب الساقية والوادي واستعمرت أرضه ونهبت خيراته ونكلت به، وقد تجلت المواجهة من طرف المدرسين الصحراويين في رفع التحدي من خلال تجاوز التعريف النمطي للمعلم وحصر مهامه في التربية والتعليم حيث أصبح المعلم الصحراوي آلة متعددة الخدمات تشكل المؤسسة التعليمية التربوية بكل مفاهيمها وجوانبها من تدريس وخدمات وبناء وترميم وتدريبات رياضية وفنية ثقافية بل تجاوز ذلك إلى لعب دور الآباء والأمهات بالمؤسسات الوطنية من خلال السهر على كل الجوانب الحياتية للتلاميذ.
إن تجربة المعلم الصحراوي كانت مميزة في كل حيثياتها وقدمت ترسانة بشرية ضخمة ذات تكوين عالي ترافع اليوم عن عدالة الشعب الصحراوي في كل بقاع العالم، بعدما ترك الإستعمار الإسباني رصيدا شحيحا جدا من المثقفين.
اليوم يستمر المعلم الصحراوي في نفس الأسلوب القائم على مواجهة الصعاب لإنتاج واقع التميز من خلال فكر جبهوي وتصرفات مثالية تقايض الأعداء من منطلق إنتاج النوع لمجابهة الكم، ورغم تزايد الإكراهات بسبب طول الأمد وتجليات واقع اللجوء الصعبة وتأثير ذلك على القطاع بصفة عامة إلا أن المؤسسة التعليمية الصحراوية ظلت فريدة من نوعها من خلال تجارب إستثنائية تعتبر مكتسبات يجب الحفاظ عليها، ومنها التعليم المجاني والشامل في كل المراحل التعليمية، و تجربة الروض النادرة جدا في أغلب الدول المستقلة، وكذلك التميز الأخلاقي والسلوكي للتلاميذ بمؤسساتنا التربوية مقارنة مع الظواهر المشينة التي ظهرت وانتشرت في العديد من الدول المتقدمة وكذا دول العالم الثالث من مخدرات وعنف وغيرها.


إن الخامس من أكتوبر ليشكل بالنسبة لنا كمدرسين صحراويين فرصة لنقف وقفة إجلال وإكبار لأولئك الذين شيدوا المنظومة التربوية الصحراوية في ظروف استثنائية جدا انطلاقا من المحطة الأولى والتي كانت في آخر يوم من سنة خمس وسبعين تسعمائة وألف بآكليبات الفولة حين تم تنظيم الملتقى الأول للتعليم هذا من جهة، ومن جهة أخرى يذكرنا بالتواطؤ المكشوف للأمم المتحدة مع قوى الظلم والإحتلال ضد قوى الحق والحرية حيث أن اليونيسكو التي تحتفل هذه السنة بهذا الحدث تحت عنوان " المعلمون: القيادة في أوقات الأزمات ووضع تصور جديد للمستقبل" ضمت قبل أيام مدينة العيون المحتلة ضمن برنامج انتشارها على أساس أنها مدينة مغربية ورغم أنها تراجعت عن القرار إلا أنها تتناسى وضع المعلمين الصحراويين الذين يمارسون مهامهم في ظروف صعبة بعيدا عن وطنهم ودون أن يستفيدوا من ثروات بلادهم مع أن توصية 1966 التي يتم بموجبها تخليد هذا اليوم جاء في إحدى بنودها " إن شروط عمل المعلمين يجب أن تكون من النوع الذي يشجع للحد الأقصى فعالية التعليم ويسمح للمعلمين بالتفرغ الكلي لمهمة التعليم" ومع أن المنظمة تعي واقع المعلم الصحراوي وتعلم طبقا للمنظمة الأم الوضع القانوني للقضية ومع ذلك تتجاهل التجربة الصحراوية في القطاع.
إننا مضطرين لأن نجعل من هذا اليوم يوما وهميا غير موجود ازدراء من أولئك الذين وضعوه ولم ينصفونا، ولنجعل منه محطة لنذكر العالم أن المنظومة التعليمية الصحراوية أنجبت وستنجب إطارات بمواصفات عالمية وسيأتي اليوم الذي يذكرهم أحد هذا الإطارات بمقراتهم الفاخرة أن من يتحدث أمامهم وليد مدرسة تعليمية تربوية لا يعترفون بها، وأنهم مجرد منظمة وهمية تحمل شعارات رنانة وعلى أرض الواقع تحمي مصالح قوى استعمارية ظالمة.
النصر والمجد والخلود لكل من حمل فيده طباشير من أبناء هذه الشعب الأبي ليكتب به حرفا لأجيال قادمة تحتاج الزاد والعتاد لمجابهة الغزاة المحتلين.
بقلم: حمادي جامع

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *