أي متغيرات في منطقة شمال افريقيا يحملها تجدد أصوات مدافع الجيش الصحراوي؟
بقلم: الديش محمد الصالح
كل المصائب التي حلت بمنطقة المغرب العربي وشمال افريقيا عامة، كانت وراءها فرنسا التي جندت عملاءها من الأنظمة في المنطقة ضد البلدان المناهضة لهيمنتها وسياساتها القذرة الرامية الى تعطيل حركة تنميتها وتكاملها وإبقاء استقلالها ناقصا، وليست لها قرارات سيادية. وتخوفا من ظهور دولة أخرى، على غرار الجزائر وليبيا معمر القذافي على ضفة المحيط الأطلسي، وضعت فرنسا العراقيل تلو العراقيل أمام عملية تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية، المستعمرة الاسبانية السابقة، التي ادرجتها الأمم المتحدة سنة 1963 ضمن لائحتها للأراضي التي لا تتمتع بحكم ذاتي. ففرنسا هي من خطط لتأجيل تنظيم استفتاء تقرير المصير سنة 1974 إبان الوجود الاستعماري الاسباني، وهي من ضغط على اسبانيا للتآمر مع المملكة المغربية وموريتانيا المخطار ولد داداه لاحتلال الصحراء الغربية سنة 1975 ، والدخول في حرب مسلحة مع هذا الشعب الصحراوي الأبي، وأخيرا فرنسا هي من عرقل تنظيم الاستفتاء سنة 1992 في ظل الاحتلال المغربي ولازالت تعرقله.
جاء هذا التآمر مباشرة بعد إعلان اسبانيا نيتها عن الانسحاب من الصحراء الغربية اثر تزايد مطالب الشعب الصحراوي بالاستقلال بقيادة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ( بوليساريو) التي كانت تأسست سنة 1973، وخاضت معارك ضارية ضد الاستعمار الاسباني. وعشية انسحاب اسبانيا من الصحراء الغربية، أعلنت جبهة البوليساريو عن الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية لملأ الفراغ القانوني والسياسي الذي احدثه هذا الانسحاب، والتي هي الآن عضوا كامل الحقوق في الاتحاد الافريقي.
إن الحقيقة المرة التي لم تهضمها فرنسا ولا عملائها من الانظمة التي تورطت في احتلال الصحراء الغربية، هي ان مخططاتهم ذهبت أدراج الرياح بعد الهزيمة العسكرية التي منيت بها جيوش الانظمة العميلة على ايدي مقاتلي الجيش الصحراوي رغم قلة عددهم ومحدودية إمكانياتهم مما أدى إلى انسحاب موريتانيا، بعد الاطاحة بنظام المخطار ولد داداه سنة 1978. ولولا أن أخذ الملك الحسن الثاني بنصائح اجهزة الاستخبارات الامريكية بعدم ربحه للحرب، وحثها له على التعجيل بالدخول في مفاوضات مع جبهة البوليساريو، للحق بالعرش في المغرب ما لحق بنظام المخطار ولد داداه في موريتانيا.
لقد انتهى وقف إطلاق النار يوم 13 نوفمبر الجاري، بعدما خرقت القوات المغربية توقيفه بالإعتداء على المدنيين الصحراويين المتظاهرين سلميا ضد الثغرة غير الشرعية في الكركرات، التي كان يستغلها المغرب في تدفق التجارة والثروات المنهوبة من الصحراء الغربية والمخدرات عبرها إلى إفريقيا. بلا شك أن فرنسا خططت لما حدث في الكركرات، وأهدافها أبعد بكثير من تلك النقطة، وهي توريط المنطقة في صراع متعدد الاطراف تتقاسم فيه الادوار باريس، تل أبيب وبعض دول الخليج.
لقد أدار النظام المغربي، وطبعا بإيعاز من فرنسا، ظهره مجددا للقانون الدولي وللخطة التي قبلها سنة 1988، وصادق عليها مجلس الأمن في قراره 658 (1990) الرامية الى تنظيم استفتاء حر، عادل وشفاف لتقرير المصير يختار فيه شعب الصحراء الغربية بين الاستقلال أو الانضمام إلى المغرب. وبموجب هذه الخطة تم توقيف إطلاق النار بناء على قرار مجلس الأمن رقم 690 (1991) الذي ظل ساري المفعول لأزيد من ثلاثين سنة. وهكذا اندلعت الحرب مرة ثانية في الصحراء الغربية، التي لن تكون بالتأكيد مثل الأولى، فإذا كان الملك الحسن الثاني سارع الى تجنب نهاية عرشه في الأولى وقبل بالاستفتاء، فإن محمد السادس لن ينجو هو وعرشه من الثانية، لأنه اغتال ما قبل به ابيه، وستتحمل الدولة المغربية تبعاتها الخطيرة على كل جوانب الحياة.
اما بالنسبة للشعب الصحراوي، فإنه في مستوى عال من الجاهزية والاستعداد لخوض الحرب مجددا، حيث تضاعف عدد الصحراويين وازداد إصرارهم على مواصلة كفاحهم المشروع، وايمانهم قوي في النصر، ويمتلكون من المقاتلين والعتاد الحربي ما يكفي لإلحاق اشد الهزائم بالقوات المغربية. وما ان أعلن عن نهاية اطلاق النار حتى تنادى الصحراويون من كل حدب وصوب، بمن فيهم الذين في الشتات، للالتحاق بجبهات القتال..
على المستوى الاقليمي، فإن صراع النفوذ والهيمنة أصبح يفرض على المنطقة أن تحكم نظامها الخاص بها، في إطار النظام العالمي بما يصون استقلالها ويضمن استدامة استقرارها وامنها واندماجها السياسي والاقتصادي. في هذا الاطار، فان الجزائر هي المحور المؤهل لقيادة قطار هذه المنطقة، نظرا لمكانتها الدولية المرموقة وقوتها الوازنة ودورها الموفق في حل الأزمات. وبالرغم من محاولات فرنسا المستمرة لزعزعة استقرارها بهدف اضعافها تارة باستهدافها من الداخل وتارة اخرى بإشعال الحروب في جوارها مثل ما حدث في مالي وليبيا، إضافة الى الصحراء الغربية، إلا أن كل ذلك لم يمنع الجزائر من أن تكون محل استقطاب لجميع الشركاء الدوليين وبوابة العبور لشمال افريقيا.
اما على المستوى القاري، وفي غياب وقف اطلاق النار، ستصبح المملكة المغربية في مواجهة مع الاتحاد الافريقي لخرقها ميثاقه التأسيسي الذي وقعت عليه والتزامها باحترام سيادة الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية وحدودها الموروثة عن الاستعمار. وباعتبار الدولة الصحراوية عضو في الاتحاد الافريقي، فسيكون مؤاتي لها طلب التدخل العسكري الى جانبها من الاتحاد الافريقي أو من بعض دوله الأعضاء.
وعلى المستوى الدولي، فان عدم جدية الأمم المتحدة وتحكم الفيتو الفرنسي في توجيه عملها، سيجعل من العودة للحرب فرصة لتصحيح المسار عبر تخليص القرار الدولي من القيود المفروضة عليه. كما أن الضبابية في مواقف البعض، وعدم الجرأة في اتخاذ مواقف متقدمة تجاه القضية الصحراوية، كلها ستتلاشى مع تقدم مقاتلي الجيش الصحراوي في الميدان .
وما دام انتهى وقف إطلاق النار، يعني أن كل شيء مما كان متفقا عليه قد انتهى هو الآخر، وأصبح الحل بيد الطرف الصحراوي، وهذا الأخير سوف لن ينهي الحرب الا بعد الانسحاب الكامل للقوات والادارة والمستوطنين المغاربة من الأجزاء المحتلة من الجمهورية الصحراوية. هذا هو منطق وشكل النظام الذي تتطلع له شعوب ودول المنطقة، بما يعني استكمال بناء المغرب العربي بانضمام الجمهورية العربية الصحراوية كدولة كاملة السيادة.
الديش محمد الصالح، مدير ديوان الرئيس الراحل محمد عبد العزيز وسفير سابق للجمهورية الصحراوية الى جمهورية زيمبابوي.