-->

مقابلة الدكتور عبد الحميد صيام الخبير في شؤون الأمم المتحدة والناطق السابق باسمها مع جريدة الخبر الجزائرية حول صفقة المقايضة الأمريكية-المغربية التي تروم تصفية القضيتين الفلسطينية والصحراوية

 


ما قراءتك لخلفيات وأهداف تطبيع المغرب علاقاته مع الاحتلال الإسرائيلي إذا ما احتسبنا توقيت الخطوة؟

الحقيقة أن هناك علاقات بين النظام المغربي والكيان الصهيوني منذ عام 1961 وكانت في البداية تقوم على التعاون الاستخباراتي وتهجير اليهود المغاربة إلى إسرائيل والذين ظلوا يشكلون المكون الأكبر للسكان في إسرائيل إلى غاية وصول المهاجرين الروس بعد عام 1991. العلاقات لم تنقطع وبدأت في السنوات الأخيرة تظهر هذه الاتصالات والزيارات والتبادل التجاري على السطح بكل وضوح، لكن المطلوب كان تقنين هذه العلاقة وقد لعبت دولة الإمارات دور الوسيط الذي ربط بين الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية واتفاقية التطبيع. إنها صفقة تخدم النظام المغربي أساسا الذي كان يبحث عن فرصة للتطبيع دون أن يثير الشارع المغربي.  

النظام المغربي وجد أن فرصة الإعلان عن التطبيع المرفوض شعبيا لدى الشعب المغربي سيُربط بقضية الاعتراف بمغربية الصحراء وبذلك يمتص النقمة من الشارع المغربي، ما سنشهده  في المستقبل أن التطبيع مع إسرائيل سيستمر وأما الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية فلا قيمة قانونية له.

هذه الهدية المعنوية التي أعطتها أمريكا للنظام المغربي تهدف أساسا للتغطية على جريمة التطبيع التي يرفضها الشعب المغربي، ولو تم الإعلان عن اتفاقية التطبيع مع الكيان الصهيوني فقط لانطلقت المظاهرات في المغرب بالملايين، لكن الملك استطاع أن يستوعب الموقف بهذه الهدية المسمومة ألا وهي اعتراف الرئيس الأمريكي بمغربية الصحراء، لقد جاء التوقيت في أيام ترامب الأخيرة الذي ظل ملتزما بتقديم كل ما تريده إسرائيل وكأنه كان يخدم الكيان الصهيوني أكثر مما يخدم بلاده الذي عمق فيها الانقسامات وأساء التعامل مع جائحة كورونا لتصيب الملايين وتفتك بعشرات الألوف.

ولكن ألا ترى أن تخاذل السلطة الفلسطينية في مواقفها تجاه الاحتلال والدول المطبعة سهل على ترامب مهامه وخلق مبررا لانضمام المزيد من الحكومات إلى مسار التطبيع؟

مصيبة الشعب الفلسطيني التاريخية في قياداته التي لا تحسن إدارة الصراع ولا تستخدم مواقع قوة الشعب الفلسطيني ضد نقاط ضعف الكيان الصهيوني. وقد توصل الشعب الفلسطيني الآن أكثر من أي وقت مضى معرفة مدى الكارثة التي جرتها اتفاقية أوسلو على الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، لقد فتحت تلك الاتفاقية شهية الدول العربية المرتبطة بالفلك الأمريكي أن تتملص من التزاماتها بالقضية الفلسطينية وتفتح قنوات الاتصال السري والعلني مع الكيان الصهيوني وصولا إلى التطبيع. وقد كان رد السلطة الفلسطينية باردا على اتفاقيات التطبيع فقد سحبت السفيرين الفلسطينيين من أبو ظبي والمنامة وما لبثت أن أعادتهما وكأن شيئا لم يحدث، وقد كان رد فعل السلطة على التطبيع السوداني نوعا من العتب وعلى التطبيع المغربي الصمت، لقد أعطت هذه المواقف الباردة المبرر للدول السائرة على طريق التطبيع أن تعجل في خطواتها مستغلة وجود ترامب من جهة والانقسام الفلسطيني وتخاذل السلطة من جهة أخرى. هذه السلطة ما فتئت تغطي على عيوب تلك الأنظمة التي طعنت الشعب الفلسطيني في الظهر مرة وراء مرة دون أن تتعلم شيئا..

بالعودة إلى ملف الصحراء الغربية، برأيك لماذا يبحث المغرب عن اعتراف الغير بسيادته على أراض يقول أنها ملكه، وما قيمة اعتراف صادر عن إدارة في آخر أيامها ؟

لو كان المغرب مطمئنا بأن الصحراء الغربية هي أرض مغربية دون أي نزاع قانوني لما احتاج أن يجعلها قضيته الحيوية الأولى ويسعى لجذب الاعتراف بها بأنها ارض مغربية.  لكن المغرب يعرف أن هذا الملف موجود على جدول أعمال مجلس الأمن منذ 1991 ولم يحسم لحد الآن وإلا لماذا يوجد بعثة أممية اسمها "مينورسو" ومبعوث دولي يأتي وآخر يذهب وقرارات مجلس الأمن تعتمد سنويا ومفاوضات مباشرة وطوائل مستديرة.  

لكن دعني أقول من الناحية القانونية فلا قيمة لهذا الاعتراف لأن الصحراء الغربية ما زالت حسب القانون الدولي أراضي متنازعا عليها تخضع للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن العديدة وكان آخرها 2548 الذي اعتمد بتاريخ 30 أكتوبر والذي ينص في نقطته الرابعة على ضرورة استئناف الحوار بهدف إيجاد حل دائم وعادل وباتفاق الطرفين بحيث يكفل لشعب الصحراء الغربية حق تقرير المصير. فماذا يعني هذا القرار؟  هل الأمر محلول؟  ثم من قال إن الاعترافات الأحادية تحسم الأمور؟  كم دولة تعترف بتايوان وبكوسوفو؟  اعتراف مجلس الأمن هو الأساس والذي يوصي الجمعية العامة بهذا الاعتراف ليتم التصويت عليه ويصبح قانونا معترفا به دوليا إذا ما فاز بغالبية الأصوات.

في المحصلة الاتفاقيات الثنائية لا تصنع القانون الدولي ولا تلغيه. اتفاقية التطبيع ستبقى وأما اعتراف ترامب بمغربية الصحراء فلن يغير من الوضع القانوني في وسينساه الكثيرون بعد رحيل ترامب لأنه خرق فاضح للقانون الدولي.

كخبير في شؤون الأمم المتحدة، كيف تفسر فشل المنظمة الأممية في حل القضية الصحراوية بعد عقود على وضعها في سجلاتها ؟ 

عجز الأمم المتحدة عن حل مشكلة الصحراء وعن حل مشاكل عديدة آت نتيجة انقسام داخل مجلس الأمن، لا يوجد موقف موحد تماما من مسألة الصحراء وخاصة الموقف الفرنسي الذي ظل قريبا من الموقف المغربي، بينما كانت تقف دول الاتحاد الأوروبي وخاصة إسبانيا أقرب إلى التوازن ودول الاتحاد الإفريقي في غالبيتها تتعاطف مع قضية الاستفتاء وحق تقرير المصير للشعب الصحراوي واعتبار الصحراء قضية "تصفية استعمار". وكانت الولايات المتحدة تاريخيا تقف في المنتصف. وبما أن الصراع تجمد عند وقف إطلاق النار عام 1991 ولم يكن هناك ما يدعو مجلس الأمن للقلق، انصب اهتمام المجلس على قضايا أكثر سخونة وأكثر تهديدا للسلم الإقليمي أو الدولي، وأصبحت قضية الصحراء قضية ثانوية في سلم اهتمامات مجلس الأمن ما دام لا يوجد مجابهات ولا صوت انفجارات ولا سقوط ضحايا.

واليوم كيف ترى تأثير خطوة ترامب على مجلس الأمن خاصة وأنها صادرة عن دولة دائمة العضوية فيه ؟ 

 لن تؤثر على موقف مجلس الأمن. مثلها مثل قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل أو الاعتراف بأن الجولان جزء من إسرائيل. فقد صوت 14 عضوا من أعضاء مجلس الأمن لوضعية القدس كما نصت عليها قرارات الأمم المتحدة والصوت الوحيد الخارج عن السرب هو صوت الولايات المتحدة التي استخدمت الفيتو. قد يشجع هذا القرار دولة مثل فرنسا أن تشذ عن الموقف الأوروبي وتتخذ خطوات أكثر صراحة في الاقتراب من الموقف المغربي، لكن عندما يتعلق الأمر بالقانون الدولي فلا نرى أن مجلس الأمن سيلغي نفسه و يعود ويتراجع عن قراراته.

في ظل فشلها في إنصاف القضية الفلسطينية، وحل نزاع البوليساريو مع المغرب، أي دور بقي للأمم المتحدة في حل النزاعات الدولية ؟

 الأمم المتحدة منظمة دول وليست منظمة شعوب. وموازين القوى فيها مختلة لصالح الدول العظمى الخمسة. ومجلس الأمن يعكس موازين القوى لهذه الدول، فإذا كان هناك توافق كان هناك حل وإذا لم يحدث توافق يتعثر الحل. فكم من قضية حلت في مجلس الأمن بسبب التوافق مثل كمبوديا وتيمور الشرقية وناميبيا والسلفادور ونيكاراغوا وهايتي وليبيريا وسيراليون وغيرها الكثير. أما عندما يكون هناك انقسام فالحلول تتعثر ليس فقط في فلسطين والصحراء الغربية بل أيضا في قبرص وكشمير وسوريا واليمن وليبيا والقرم. نعم، للأمم المتحدة أدوار وليس فقط في مجال حل النزاعات بل في الميادين الإنسانية والقانون الدولي وحقوق الإنسان والتنمية والمناخ وغير ذلك الكثير ولو لم تكن الأمم المتحدة موجودة لاضطر العالم أن ينشئ منظمة شبيهة بها حتى لو لم يسمها الأمم المتحدة وذلك لتنظيم الجهود الجماعية لمواجهة التحديات الكونية الكثيرة سواء ما كان من صنع الطبيعة أم من صنع الإنسان.

Contact Form

Name

Email *

Message *