بعد محاولة الانقلاب.. هل تختفي آثار ترامب التدميرية برحيله؟
في الحملة التي يديرها ترامب منذ هزيمته في الانتخابات، وافق على دفع كل ثمن من أجل الحفاظ على رؤيته الذاتية كمنتصر. فقد قام بتخريب حملة حزب، مثلما أدرك الديمقراطيون هذا الأسبوع، في جورجيا. ولكن الأكثر من ذلك، عمل ترامب على هز ثقة المواطنين بطهارة الانتخابات. الكثيرون كانوا يأملون أن مفاجآته المدمرة ستختفي معه، لكن مواجهات واشنطن التي وصلت إلى محاولة انقلاب عنيفة، قدمت مثالاً واضحاً على ضرر طويل المدى يتوقع أن يتركه خلفه.
بدأ هذا مثل يوم دراماتيكي في الولايات المتحدة، الذي حدث فيه حادثتان سياسيتان كبيرتان. في الصباح كانت العيون شاخصة نحو جورجيا التي تواصل فيها فرز الأصوات في سباقين انتخابيين مصيريين لمجلس الشيوخ. والمرشح الديمقراطي رفائيل فيرنو، توج في السابق كفائز في أحد هذين السباقين، واعتبر انتخابه حدثاً تاريخياً لأنه الشخص الأسود الأول الذي انتخب لمجلس الشيوخ في هذه الولاية في الجنوب. وكانت المعركة الثانية متقاربة جداً، لكن يظهر فيها أيضاً أن هناك فوزاً للمرشح الديمقراطي جون أوسوف. وإذا فاز الاثنان فسيكون هناك توازن قوى في مجلس الشيوخ، 50: 50. ومع وجود نائبة الرئيس كمالا هاريس مرجحة لهذا التوازن، فستنتقل السيطرة فعلياً إلى أيدي الديمقراطيين، الأمر الذي سيمنح جو بايدن مجالاً أكبر للمناورة.
ولكن في موازاة الدراما السياسية التي تحدث في جورجيا، تستعد واشنطن لمعركة أخرى: جرت في الكونغرس عملية رسمية للمصادقة على تصويت المجمع الانتخابي لانتخاب الرئيس مثلما يقتضي الدستور. أخرى ومثل هذا يعتبر في أي جولة انتخابية حدثاً إجرائياً لم يكن ليحظى باهتمام الجمهور الواسع، وبصعوبة من قبل المشرعين أنفسهم. ولكنها بالنسبة لترامب كانت فرصة لاستغلال الإجراءات لصالحه. منذ خسارته وهو يستغل معظم الإجراءات الرسمية ويحاول تحويلها إلى حملة انتخابات بديلة. وبالنسبة له، كان التصويت أمس محاولة أخيرة للاحتجاج على إرادة الناخب.
12 سناتوراً جمهورياً و140 عضو كونغرس أعلنوا مسبقاً عن ولائهم لترامب، وأعلنوا بأنهم سيعارضون العملية، مع معرفة واضحة بأن هذه ليست سوى خطوة رمزية. ولم يفعلوا ذلك لاعتقادهم بإماكانية تغيير نتائج الانتخابات، بل العكس. وهم يستعدون الآن للانتخابات القادمة في العام 2022 أو 2024، وهذا يتعلق بالمنصب. وكل رغبتهم هي الوصول إلى يوم الناخب وهم في الطرف الجيد لمصوتي ترامب.
استغل ترامب مسيرته التهديدية لتسوية الحساب مع كل من أدار ظهره؛ فقد أدخل إلى مربع “اليساريين المتطرفين” عدداً من السناتورات الجمهوريين مثل ميت رومني، وحاكم جورجيا براين كامب، ووزير الخارجية براد ريفنسبيرغر.
استجاب جمهور ترامب لدعوة الرئيس، وتجمع في مركز واشنطن ولم تشغله القضايا القانونية، رغم أن نتائج الانتخابات سبق وتحددت في تشرين الثاني وصادق عليها المجمع الانتخابي في كانون الأول، إلا أن ترامب أقنع الجمهور بأنها فرصة أخيرة لقلبها. ومثلما أوضح عشرات القضاة لكثير من محاميه، فليس لديه دليل على أن “اليسار المتطرف” زوّر الانتخابات، لكن المتظاهرين يؤمنون بذلك من أعماق قلوبهم.
استغل ترامب مسيرته التهديدية لتسوية الحساب مع كل من أدار ظهره؛ فقد أدخل إلى مربع “اليساريين المتطرفين” عدداً من السناتورات الجمهوريين مثل ميت رومني، وحاكم جورجيا براين كامب، ووزير الخارجية براد ريفنسبيرغر، الذي تم نشر تسجيل عن محادثاته معهم في “واشنطن بوست” جمهوريان متعصبان، لكن أثناء فرز الأصوات في ولايتهما فضل الامتثال للدستور وليس للطلبات غير الديمقراطية لزعيم حزبهما – وتم شطبهما.
انقض ترامب أيضاً على معظم الجمهوريين في مجلسي الشيوخ والنواب لأنهم لم ينضموا لجوقته، كل واحد لأسبابه الخاصة، وأقسم على النضال ضدهم عندما سيتنافسون لفترة ولاية أخرى. “جمهوريون ضعيفون”، كان أحد الصفات التي ألصقها بهم، “يثيرون الشفقة”، هذا كان وصفاً مهيناً آخر.
حتى النائب المخلص لترامب الذي تنازل في السنوات الأربع الأخيرة عن كرامته الشخصية وعن مبادئه لإرضاء الرئيس، وجد نفسه في الطرف غير الصحيح.
حتى النائب المخلص لترامب الذي تنازل في السنوات الأربع الأخيرة عن كرامته الشخصية وعن مبادئه لإرضاء الرئيس، وجد نفسه في الطرف غير الصحيح. “آمل أن يفعل مايك بينس الأمر الصحيح، لأنه إذا فعل سنفوز في الانتخابات”، قال ترامب، لكن تعابير وجهه أظهرت أنه لم يعد يثق به مثلما كان في السابق. قبل فترة قصيرة من المسيرة والتصويت في الكونغرس، أبلغت معظم وسائل الإعلام بأن بينس لا ينوي معارضة المصادقة على فوز بايدن.
من اعتقد أن الانقسام الداخلي للحزب الديمقراطي، والذي قاده ترامب في الأشهر الأخيرة سيبقى مقتصراً على منتخبي الجمهور، فقد خاب أمله. تجمع المتظاهرون الذين شاركوا في المسيرة في البداية قرب النصب التذكاري في واشنطن. ولكن بعد ذلك، اخترق المئات منهم حواجز الشرطة وبدأوا بالركض نحو تلة الكابيتول. بعد ذلك، اندلعت مواجهات بين المتظاهرين ورجال الشرطة وسيطرت الفوضى على مبنى الكونغرس.
حسب التقارير، بعض رجال الشرطة الذين قاموا بتأمين المنطقة لم يستطيعوا الوقوف أمام هذا الاندفاع العارم، ولم تساعدهم قنابل الدخان. نجح عدد من المتظاهرين في اجتياز الحماية واندفعوا إلى داخل المبنى، ثم دخلوا إلى اجتماع مجلس الشيوخ. الذعر الذي شعرت به واشنطن، وتردد صدى صور الانقلابات في دول أمريكا الجنوبية اشتد عندما أعلن رئيس البلدية عن حظر تجول عام ومنع سكان المدينة من الخروج إلى الشوارع من الساعة السادسة مساء وحتى السادسة صباحا. في هذه المرحلة، وعندما خرجت الأمور عن السيطرة، غرد ترامب لمؤيديه وطلب منهم الامتثال لرجال الشرطة. وبهذا حاول إبعاد نفسه عن الجمهور الذي هو نفسه أثار حماسته قبل فترة قصيرة من ذلك، وجهاً لوجه وبدون أقنعة.
ورغم بيانه التصالحي، بقي الخطر الذي يجسده ترامب كبيراً. لديه أسبوعان إلى حين أداء بايدن القسم، وهذا وقت يكفي ويزيد لزرع المزيد من الفوضى والتشويش. قوات الأمن في واشنطن، كما يبدو، ستستخلص الدروس في الأيام القريبة القادمة، لكن ترامب ومؤيديه ما زالوا غاضبين ويمكنهم الانقضاض. حتى لو أصبح الشر وراءنا وحتى إذا كان العنف في واشنطن مجرد تشنج آخر من تشنجات احتضار رئاسة ترامب، إلا أنه تذكار لتراث رعب الرئيس الـ 45. بايدن وزعماء الجمهوريين مثل السناتور مايك مكونال، أصبحوا يدركون أن ترامب يورثهم خطراً واضحاً وفورياً.
بقلم: نتنئيل شلوموبتس
هآرتس 7/1/2021