العظماء لا يموتون
قال تعالى: (يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية فأدخلي في عبادي وأدخلي جنتي (صدق الله العظيم).
رحلت عن دنيا الزوال سيدة صحراوية عظيمة جعلت من حياتها شمعة احترقت من اجل حرية و استقلال وطن ولدت و ترعرعت على ترابه الطاهر.
وطن دافعت عنه بكل ما ملكت و جعلته حاضرا في كل تفاصيل حياتها اليومية بجهد متفان و روح مخلصة و وفاء نادر و أمل مستمر و ايمان قل نظيره بحتمية انتصار الحق.
و برحيلها تكون الفقيدة و المناضلة الفذة لالة ددي سيدي مولود اعطت مثالا رائعا في الاخلاص و التضحية و كيف تكون نهاية المرأة العظيمة.
نهاية ينطفى فيها نور لطالما اضاء حياة من حولها بخيرها و عملها الدؤوب الذي إستمر حتى اخر رمق.
قد لا يعرف الكثيرون مسيرة المناضلة لالة ددي سيدي مولود التي شكلت حياتها مثالا ناصعا على عظمة المرأة الصحراوية و قدرتها على التحدي و الاصرار و المساهمة الفعالة في بناء المجتمع و تربية اجياله المختلفة في زمن عصفت به الشدائد و المصاعب من كل اتجاه.
و لدت الفقيدة و المناضلة الكبيرة لالة ددي سيدي مولود في 3 ماي 1953 في منطقة السمارة المحتلة بالصحراء الغربية.
تعتبر من اوائل الشابات الصحراويات اللواتي انخرطن في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب.
انضمت الى التنظيم السياسي لجبهة البوليساريو كعريفة في بداية سنة 1974 لتصبح بعد ذلك عضوا في لجنة التكوين المشرفة على تاطير العراف و تعبئة النساء في الخلايا من سنة 1975 الى 1977.
و على مدار مسيرتها النضالية التي دامت اكثر من أربعة عقود تدرجت الراحلة في مهام نضالية كثيرة و تولت مسؤوليات وطنية متعددة حيث تم انتخابها رئيسة لجنة الصناعة من 1977 الى 1985 ثم رئيسة لجنة القضاء الى غاية سنة 1995. و من 1995 الى 1998 رئيسة بلدية ثم امينة سياسية الى غاية 2010 و عضو و ناشطة حقوقية بجمعية اوليا المعتقلين السياسين الصحراويين.
تم انتخابها رئيسة بلدية انخيلة في و لاية الداخلة في 2010 و هو المنصب الذي تقلدته الى غاية يوم وفاتها في 8 ابريل 2021.
و أثناء توليها منصب رئيسة بلدية انخيلة كان لها دورا بارزا رحمة الله عليها في ترقية الإدارة و الرفع من مستوى اداء المؤسسة المحلية الحديثة حيث حرصت على ان يكون لكل موظف و مؤطر في البلدية شهادة اثبات عمل و بطاقة احصاء لكل مواطنين البلدية و بذلت جهدا جبارا في تاطيرهم و الحرص على ضمان حقوقهم كاملة غير منقوصة.
لعبت دورا كبيرا في التواصل بين الاجيال حيث حرصت على تأطير الشابات و تشجيعهن على العمل النضالي و مواصلة رسالة الامهات لمواصلة المسيرة الكفاحية للشعب الصحراوي حيث كانت تحرص على منح شهادات تقدير لكل الشابات المنخرطات معها في البلدية دعما و تحفيزا لهن.
جسدت معنى الانسانية في أعظم تجلياتها و كانت مثالا يحتذى به في الكرم و الأخلاق النبيلة والصبر والعطاء و الحنان والحلم مع كل من عرفها.
تركت الوالدة الكريمة التي كانت بحق ام و اخت لكل الصحراويين اينما تواجدوا ارثا نضاليا مليئا بالعطاء و نكران الذات و سطرت أروع الامثلة و رسمت ابهى الصور عن كيف تكون عظمة المرأة الصحراوية القائدة والقدوة الحسنة التي عملت بكل تفان و اخلاص و ساهمت بعرقها و فكرها و نضالها في بناء مؤسسات الدولة الصحراوية و قيادة الاجيال من اجل الاستمرار في مواصلة درب الشهداء المعبد بالتضحيات الجسام و الدماء الزكية حتى تحقيق النصر او الشهادة.
درب افنت الراحلة شبابها و عمرها كله من اجله حيث أدت واجبها كما ينبغي و ظلت وفية لعهد الشهداء الابرار حتى وافاها الاجل المحتوم بسبب وعكة صحية مفاجئة في مخيمات اللاجئين الصحراويين.
رحلت الام الصحراوية الكريمة و المناضلة العظيمة لالة ددي سيدي مولود و لكن رسالتها الانسانية النبيلة و حلمها بوطن صحراوي حر مستقل جامع لكل للصحراويين على كامل تراب الساقية الحمراء و وادي الذهب سيبقى راسخا في ذاكرة الاجيال الصحراوية من بعدها.
كما ان ارثها النضالي و الإنساني سيظل حاضرا في ذاكرة تاريخ شعبها وقلوب كل من عرفها تحصد وهي التي رحلت عنا امتيازات مكارمها التي لن تزول.
و إن كان لا بد من الرحيل وإن أبت القلوب فان رحيل الفقيدة لالة ددي سيدي مولود رحيل باقي في الوجدان و الروح و العقل و القلب لا يزول.
"الراحلون وإن طال الغياب بهم....باقون في القلب ماغابوا ولا رحلوا."
اللهم اننا ذقنا مرارة الفقد في أحب خلقك الى قلوبنا فعوضنا لقاء بها في الفردوس الاعلى من الجنة.
اللهم اغفر لها و ارحمها و جميع موتانا و موتى المسلمين.
المجلد و الخلود لشهدائنا الابرار و اننا على دربهم سائرون وعلى ما ضحوا من أجله ثابتون.