هل تمهد ايام التنظيم السياسي الدراسية لمؤتمر استثنائي يستجيب لفهم المرحلة؟
بقلم: الديش محمد الصالح
اطلعتنا بعض وسائل الإعلام الوطنية على عزم أمانة التنظيم السياسي تنظيم ايام دراسية بهدف تعميق فهم المرحلة الجديدة التي اعقبت استئناف الكفاح المسلح يوم 13 نوفمبر 2020 ورغم ان باب التفاؤل مفتوح دوما عل وعسى ان نهتدي الى صيغ تنظيمية يقترن فيها قولنا بفعلنا، الا ان كابوس عدم جدية ولامبالاة قادتنا طيلة الثلاثين سنة الماضية سيظل يطاردنا كلما سمعنا باجتماع أو ملتقى أو ندوة أو مؤتمر لان النتائج، ومهما وصل مستوى النقاش فيها، لن تتعدى حبرا على ورق، والتي كان آخرها اضاعتنا لفرصة المؤتمر الخامس عشر الذي كان من المفترض أن يكون محطة لرسم معالم مرحلتنا الحالية.
يجدر بنا هنا استعراض نقدي لتجربتنا في ميدان القيادة والتسيير حتى لا نلوم أنفسنا مجددا ونقف على الأهمية من عدمها في عقد مؤتمر استثنائي لرسم استراتيجية الظرف الاستثنائي الذي نعيشه.
لقد حرصت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، التنظيم السياسي الجامع لكل الصحراويين، في بداية تجربتها السياسية على إعطاء بعد حضاري للمشروع الوطني الذي تكافح من أجله من خلال اشراك القاعدة الشعبية في قيادته وصناعة قراراته، خططه وبرامجه. فلقد دأب تنظيمنا السياسي على تنظيم محطات للتقييم والمحاسبة السياسية يجتمع فيها القادة بالقاعدة في جو صريح، موضوعي وهادف، مما خلق ثقة متبادلة وتكاملية في الادوار وتحققت في ظل ذلك انتصارات ومكاسب عظيمة والتي كان محركها المعنوي بالطبع تفوق مقاتلونا البواسل على جنود جيش العدو المغربي الجبناء.
وما ان خيم وقف إطلاق النار في الافق حتى انقلبت سياساتنا على اعقابها، حيث بدأت ظواهر النرجسية، المحاصصة القبلية والولاءات تتفاقم في اوساط القادة الذين سارعوا الى أحكام بقائهم في السلطة للاستفادة من كعكة "السلام المنتظر"، الامر الذي أدى إلى انفلات في النظام العام، تراجع في إنجاز البرامج والأهداف المسطرة وانتشار فاحش للظواهر المشينة، وأصبحت انشغالات وانتقادات القاعدة هي أسوأ ما يسمعه القادة إلى درجة ان بعضهم وصفها "بالهراء" و "الجهل" تارة، او "بالترويج لدعاية العدو" تارة اخرى. وقد اسست احداث 1988 لمرحلة "انفصال الرأس عن الجسم" و "قدسية القادة" تحت مبرر انهم "هم المنزهين" واتسعت الهوة بينهم والقاعدة، وعلى هذا الاساس بدأت عملية محو اي أثر قانوني لصوت هذه الاخيرة على التوجهات العامة، بما في ذلك المؤتمرات العامة التي اصبحت مخرجاتها تحسم مسبقا دون ايلاء اهتمام لرأيها وحتى ان تضمنته بعض مقرراتها فلا يعمل به. وإذا كان الغاء المؤتمرات الشعبية الأساسية التي لعبت دورا بارزا في "لعبة شد الحبل" بين القادة والقاعدة جاء من هذه الخلفية، فإن المجلس الوطني، هو الاخر أفرغ من محتواه وأصبح هيكلا صوريا لأنه هو الاخر غير مرغوب فيه.
فكم منا لا يتذكر سيول الانتقادات التي وجهتها القاعدة الشعبية للقادة لينصب عليها الماء في المؤتمر وتصبح في خانة "الكذب" ويخرج هم "معززين مكرمين". وكم من اقتراحات وافكار القاعدة المفيدة في البناء المؤسساتي والمجتمعي تم حذفها أو تجاهلها، لا لشيء سوى نتيجة ارتماء القادة في دوامة الأداء غير المثمر والعقم الفكري. وكم من الكفاءات همشت أو هجرت وبالمقابل وظفت أشخاص على الاسس القبلية، المحسوبية والولاء، لأن القادة يتعاملون مع المؤسسات من منطلق التملك. ولماذا عرقل القادة سياسة بناء الاطر والتواصل؟ فقط لعدم تسليمهم بحتمية التداول وواجب تأهيل الخلف.
وبدا واضحا ان اتخاذ القيادة السياسية لجبهة البوليساريو في نهاية أكتوبر 2019 للقرار القاضي "بمراجعة تعاطي الجبهة مع العملية السياسية برمتها التي ترعاها الأمم المتحدة في الصحراء الغربية" لم يكن بقناعة منها، بل فرضته الضغوط المتكررة للقاعدة الشعبية والحاحها على وضع نهاية لحالة الجمود الماضية التي كادت ان تشل كفحنا التحريري. والدليل على ذلك ان هذا القرار ظل حبيس التردد لولا انتشال القاعدة الشعبية له بخطوتها الجريئة في الكركرات، والتي شاء الله ان ينتهي على يدها وقف إطلاق النار والعودة للكفاح المسلح يوم 13 نوفمبر 2020.
كنا نعتقد ان العودة للحرب ستعالج الامراض التي ظلت تنخر في جسمنا الوطني على مدار ما يقارب الثلاثين سنة، لكن يبدو أن علاج ما اصاب القادة منها صعب للغاية. ففي الوقت الذي تنادى فيه شبابنا من كل حدب وصوب في هبة غير مسبوقة للالتحاق بجبهات القتال واحتدام المواجهة المسلحة مع العدو المغربي، يظهر القادة متأخرين عن الركب تاركين الحبل على الغارب غير مبالين بما يحدث في ساحة المعركة؛ فالوضع الداخلي يزداد سوءا، والعمل الخارجي في سبات عميق، والمناطق المحتلة تنتظر فك الحصار عنها.
ان الرجوع بتواضع للجماهير، مصدر القوة وسر النجاح، بهدف استعادة ثقتها التي غيبتها السنوات العجاف، هو العلاج الصحيح الذي من شأنه انتشالنا من حالة الوهن وأحراز التقدم المطلوب وتفويت الفرصة على الأعداء. بالتالي فإن اية خطوة لا تأخذ بعين الاعتبار التطورات الحاصلة في المجتمع من خلال اشراك كفاءاته المختلفة وخاصة الشباب ستكون مآلها الفشل. لذلك، فعلى قادتنا ان يدركوا العواقب الوخيمة لاستمرار هذا الوضع إذا ما سارعوا في علاجه، وخير ما يقدمونه في آخر أعمارهم هو اتاحة فرصة حقيقية وجادة للقاعدة الشعبية لإعادة القطار إلى سكته نحو النصر النهائي بإذن الله من خلال مؤتمر استثنائي يستجيب لفهم المرحلة.