-->

هل يغير مجلس الامن تعامله مع قضية الصحراء الغربية لتجنب مزيدا من التصعيد؟


بقلم: الديش محمد الصالح 

كادت قضية الصحراء الغربية أن تجد طريقها للحل الصحيح نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات لولا غياب ارادة جادة من جانب الأمم المتحدة، خاصة مجلس الامن، في تطبيق القرار 1514 (XV) القاضي بمنح الشعوب المستعمرة حقها في تقرير المصير والاستقلال. لقد جاءت خطة التسوية لسنة 1990، التي وافق عليها كل من جبهة البوليساريو والمملكة المغربية، كثمرة لمساعي حثيثة مشتركة للأمين العام للأمم المتحدة وحينها الرئيس الدوري لمنظمة الوحدة الافريقية/ الاتحاد الأفريقي الآن، بعد تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 40/50 (1985) لمضامين قرار رؤساء الدول والحكومات الافريقية 104 (1983) الذي أرسى اسس الحل العادل والشفاف من خلال مفاوضات تفضي الى تنظيم استفتاء لتقرير مصير شعب الاقليم.

 وما ان أقر مجلس الأمن الخطة حتى سارع الى إرسال بعثة على الفور   للإشراف على الاستفتاء، التي صرعان ما انحصرت مهمتها في المحافظة على وقف إطلاق النار ليتسنى للمبعوثين الدخول على الخط للمماطلة بالحل. ومن المعلوم ان إرسال مبعوثين إلى بؤر التور عبر العالم هو أسلوب دأبت عليه الأمم المتحدة بتوجيه من اعضاء مجلس الامن الخمس الدائمين أو بعضهم، وغالبا ما تتركز مهامهم على التهدئة واطالة عمر الحل والتسويف على وصفات العلاج التي لا تراعي الحق بقدر ما تحددها موازين القوى. 

وفي هذا الإطار، كان أولى مهام المبعوثين الى الصحراء الغربية هو إبعاد المنتظم الأفريقي كشريك في العملية السياسية لإفراغ الخطة من مرجعيتها الأصلية، مع ان جل هؤلاء المبعوثين فضل الانسحاب بعد ما اكتشفوا النوايا المبيتة في تحريف مسار الحل، بل ذهب بعضم إلى حد اتهام مجلس الأمن نفسه بالعرقة مثل جيمس بيكر، كريستوفر روس وغيرهما. لقد تمكنت تلك القوى النافذة في مجلس الامن من تمريغ أنف القانون الدولي واستبعاده كأساس للحل، لتقدم وصفتها الخاصة بها والمتمثلة فيما يسمي ب "الحل المتفق عليه" الذي لا أصل له ولا فصل، اللهم الا إذا كان فرض امر واقع احتلال المملكة المغربية اللاشرعي لأراضي الصحراء الغربية ونهب ثرواتها الطبيعية ضدا على ارادة شعبها، وفي ظل صمت وتواطؤ لبعثة الأمم المتحدة على الأرض.

 لقد شجع ذلك النظام المغربي الى حد تحدي الأمم المتحدة من خلال عرقلة زيارة كان ينوي القيام بها الأمين العام السابق بأن كي مون للإقليم وطرد المكون المدني للبعثة الاممية، بل ذهب به الامر في الاخير إلى خرق وقف إطلاق النار واحتلال أجزاء من الأراضي الصحراوية المحررة. ورغم خطورة هذا الفعل لم تصدر اية ادانة بشأنه من مجلس الامن. وللأسف الشديد، لا يتذكر الشعب الصحراوي، ابسط اشادة أو اعتراف من طرف مجلس الامن بصبره الطويل وتحمله الكبير ولا بحجم تنازلاته الكثيرة وحرصه على السلام في المنطقة الذي يعود له الفضل في استتبابه خلال كل تلك الفترة الماضية. وبدلا من تطبيق الشرعية الدولية، إنجر المجلس أو بعض أعضائه، وراء وهم نظام المخزن المغربي ودعايته حول عدم قدرة الصحراويين على رفع التحدي من جديد، ليحصد المنتظم الدولي في الاخير نتائج سياسة الكيل بمكيالين التي ادت إلى اندلاع الحرب وما لذلك من خطورة على الأمن والسلام العالمين.

ومن المنتظر ان يصادق مجلس الأمن خلال فترة تجديد عهدة بعثة الأمم المتحدة من اجل الاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو) شهر أكتوبر القادم على تعيين الايطالي – السويدي ستيفان دي ميستورا كمبعوث شخصي جديد بعد ان قبله طرفي النزاع جبهة البوليساريو والمملكة المغربية. 

ويأتي هذا التعيين في ظل عودة القضية إلى مربعها الأول، اي إنهاء وقف إطلاق النار وعودة التصعيد الذي قد يتسع مجاله، الأمر الذي يستدعي من مجلس الامن وايضا من المبعوث الشخصي ادراك ان الالتفات الى الوراء اصبح من سابع المستحيلات بعد السنوات العجاف الثلاثين الماضية.

 وبالتأكد ان دي ميستورا لن يقطع قيد انملة واحدة في مهمته ما لم يأخذ مجلس الأمن بعين الاعتبار الحقائق والمعطيات القائمة التي اولها؛ إجماع الصحراويين على رفض العودة للوضع الماضي وتشبثهم بمواصلة الكفاح المسلح حتى التحرير الكامل للأجزاء التي تحتلها المملكة المغربية من ارضهم، والدليل على ذلك الهبة الشعبية غير المسبوقة للصحراوين في مختلف تواجدهم حال الإعلان عن استئناف الكفاح المسلح يوم 13 نوفمبر 2020 والتحاق آلاف الشباب بجبهات القتال. وثانيها؛ الحقيقة التي لا رجعة فيها للدولة الصحراوية، لا من حيث تجربتها الفريدة واستجابتها لتطلعات شعبها، ولا من حيث مكانتها الدولية كمؤسس للاتحاد الافريقي او التأييد الدولي الواسع الذي يحظى به كفاحها المشروع فحسب، بل لأنها عامل توازن واستقرار في منطقة شمال افريقيا. وثالثا؛ الخطر الذي أصبح يشكله النظام المغربي على استقرار المنطقة، خاصة بعد استقوائه بقوى خارجية معروفة بعدائها للحق والعدل، والذي تجاوز احتلال الصحراء الغربية ليصل حد الاعتداء على بلدان المنطقة والتدخل في شؤونها بهدف زعزعة استقرارها، تمويل الإرهاب وتشجيع الجريمة المنظمة. 

 لقد انكشفت اللعبة واستعاد الشعب الصحراوي زمام المبادرة في توجيه مستقبل قضيته بعد إعلان 13 نوفمبر 2020، لذلك اصبح من المفروض على مجلس الأمن إن يغير من أسلوب تعاطيه مع قضية الصحراء الغربية لتجنب مزيدا من التصعيد وذلك بالاحتكام للشرعية الدولية عبر تطبيق القانون الدولي والضغط على النظام المغربي للانسحاب الفوري من الاجزاء التي تحتلها المملكة المغربية من اراضي الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية. إن هذا هو الحل الذي ينسجم مع القانون الدولي ويلبي تطلعات شعوب المنطقة في الالتحاق بركب التنمية ويضمن دوام السلام والامن .

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *