الموقف الإسباني الجديد يفرض مراجعة العمل الدبلوماسي
يفرض الموقف الجديد للحكومة الإسبانية بدعم المقترح المغربي في نزاع الصحراء الغربية، والمخالف لمقتضيات الشرعية والقانون الدوليين، على جبهة البوليساريو مراجعة عملها الدبلوماسي، والاستجابة الفورية لمتطلبات المعركة الراهنة في خضم التآمر الدولي لتصفية القضية الصحراوية على غرار ما يحدث في فلسطين وتجليات صفقة القرن على القضايا العادلة، واستغلال الاحتلال المغربي للهرولة العربية نحو الكيان الصهيوني برعاية امريكية لمقايضة إبطال حق فلسطين بتشريع احتلاله للصحراء الغربية.
وهنا قد يتساءل البعض عن اوراق الضغط المتاحة امام جبهة البوليساريو في معركة غير متكافئة، بين حركة تحرير ـ سلاحها الابرز عدالة القضية التي تناضل من اجلها والقانون الدولي ولوائح الامم المتحدة التي تقر بحقها ـ واحتلال ارتمى في احضان من يملكون الامم المتحدة ويتحكمون في توجيه قراراتها.
لا شك ان العلاقات الدولية تحكمها المصالح المتبادلة والتحالفات السياسية والاقتصادية والروابط الايديولوجية والثقافية والدينية، ما فتح المجال لتسابق الدول للإنخراط في التكتلات والاتحادات والهيئات القارية والدولية وخلق عناصر القوة للدفاع عن مصالحها ومن هذا المنطلق عملت جبهة البوليساريو منذ تأسيسها على نسج علاقات دولية وخلق حلفاء يعول عليهم في معركة التحرير التي تخوضها باسم الشعب الصحراوي وقد نجحت في هذا المسعى الى حدود تتجاوز المستحيل في سنوات العطاء الذي يترجم الخطاب الثوري الصادق ويعتمد على التضحية والوفاء لا غير، وكللت نجاحات الدبلوماسية الصحراوية بحصد إعتراف اكثر من ثمانين دولة وفتح مكاتب دبلوماسية في مختلف بقاع العالم فضلا عن عضوية منظمة الوحدة الافريقية وتضييق الخناق على المغرب وإخراجه من عمقه الافريقي والقاري.
هذا الرصيد التاريخي للثورة الصحراوية وبريق عملها الدؤوب يستدعي المراجعة الشاملة والبحث في مكامن الخلل الذي كبل العمل الدبلوماسي وجعله يحصد الفشل في مختلف محطاته وتفرغ فرسانه لمصالحهم الشخصية، وهو ما انعكس سلبا على مكانة القضية الوطنية في الساحة الدولية وجعلها تواجه الحرب الشرسة والعدوانية للاحتلال المغربي بسفارات وتمثيليات فارغة المحتوى والمضمون ما سهل اختراق المغرب لهذه الساحات الشاغرة، خاصة منظمة الاتحاد الافريقي التي التزمت الصمت حيال القنصليات التي عمد الاحتلال المغربي الى فتحها لعديد الدول الافريقية في المناطق الخاضعة لسيادة الجمهورية الصحراوية في مخالفة صريحة للقانون التأسيسي للاتحاد الافريقي وهو ما شجع المغرب على دعم عضوية الكيان الصهيوني في المنظمة الإفريقية لولا المساعي الدبلوماسية الحميدة، التي قادتها الجزائر لتعليق هذه العضوية المسيئة لسمعة الإتحاد الذي يناضل من اجل قيم الحرية والعدالة وتقرير المصير.
لقد شكل الموقف الاسباني دعما معنويا للاحتلال المغربي وعزز اعتماده على تغريدة ترامب التي لاتزال ادارة بايدن تغض الطرف عنها وتتجاهل الغائها وسط تشجيع دول اوروبية على السير على نفس المنوال وتقويض القانون الدولي بشعارات براقة مثل "العيش الكريم" والضغط على الشعب الصحراوي للرضوخ لواقع الاحتلال والخنوع والقبول بتجاوز حقه المشروع في تقرير المصير والاستقلال، وقد مهدت القوى الكبرى لهذه المؤامرة باستدراج جبهة البوليساريو للمشاركة في الطاولة المستديرة التي شكلت ملامح التيه الدبلوماسي وغياب الاستشراف لمحاولات التوريط التي وقع فيها الطرف الصحراوي من دون وعي بخطورتها حتى تحول الطرفان في ادبيات وقرارات مجلس الامن والامم المتحدة الى "الاطراف" بفعل انخراطنا الطوعي في عمليات عبثية لم تقدم للقضية الوطنية سوى المزيد من التعقيد في اروقة الامم المتحدة مثلما هو الحال في عجزنا عن استصدار قرارات ادانة من الاتحاد الافريقي لدوس اعضائه على سيادة اراضينا المحتلة وفتح قنصليات دبلوماسية لجالية غير موجودة ومصالح معدمة.
هذه الوضعية من الركود جعلتنا نعتبر مجرد المشاركة في قمم الاتحاد الافريقي او القمم المشتركة مع الاتحاد الاوروبي بالانتصار رغم انه حق مشروع لكل الدول الاعضاء والتي لا يوجد من بينها من يعتبر مجرد المشاركة انتصارا من دون احراز نتائج ملموسة في تعزيز مكانة وقوة هذه الدول وتبوئها مناصب هامة داخل هياكل وهيئات الاتحاد الافريقي والتأثير في قراره السياسي بما يترجم تطلعات شعوبها.
ان الاسترسال في الشواهد والأدلة على انكماش الدبلوماسية الصحراوية وتحولها من حالة الانتشار والتوسع الى حالة التبرير والتقوقع كثيرة ولم تعد تخفى على العيان وما يهمنا هاهنا هو السبيل الامثل لاستعادة مكانتها الرائدة وعكس توجهات المرحلة التي دشنها الشعب الصحراوي بعد 13 نوفمبر 2020 ووضع استراتيجية تنسيق مشترك مع الحلفاء، فمثلا الاتفاقيات الثنائية التي يبرمها الاصدقاء مع دول ذات تأثير في قضية الصحراء الغربية كاسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة الامريكية وروسيا والصين وبريطانيا، من الممكن ربطها بشرط احترام القانون الدولي في الصحراء الغربية كأحد بنود الاتفاقيات الثنائية مثلما تضع هذه الدول شروطها والتي ليست بالضرورة من صميم مجال الاتفاق كالتنصيص على احترام حقوق الانسان في صفقات الاسلحة وغيرها وفي هذه الحالة تكون الدبلوماسية الصحراوية تجنبت الموقف السلبي المعبر عنه من رئيس الحكومة الاسبانية التي ابرمت اتفاقا لتزويدها بصادرات الغاز الجزائري دون هذا الشرط.
ورغم القرار السيادي للجزائر وغيرها من الدول الصديقة والذي نحترمه ونقدر الموقف المبدئي والثابت رغم المتغيرات الدولية والعواصف التي غيرت خارطة الحلفاء والأصدقاء والاعداء، فإن الفلسفة التي تسير بها سياستنا الخارجية تحتاج الى مراجعة ورسم استراتيجية تستجيب للتحولات التي يعرفها العالم والارتقاء بتصوراتنا في ترتيب منهجية عملنا الدبلوماسي وأولوياته وشخوصه وفق معايير الفعالية والكفاءة والنتائج المحققة مع تفيعل مبدأ المحاسبة وتشجيع المبادرة الفردية للنخب الفاعلة بجاليتنا الوطنية بالخارج ودعم الدبلوماسية الشعبية والبرلمانية وفتح الجسور مع المجتمعات المدنية والاحزاب والشخصيات المؤثرة والمنابر الاعلامية واستشعار المسؤولية الجماعية لكل الصحراويين في معركتهم المصيرية كل من موقع عمله وتواجده.
حمة المهدي 23 مارس 2022