تصريحات بيدرو سانشيز تفجر ازمة دبلوماسية وسياسية في اسبانيا .. استدعاء سفير الجزائر بمدريد وانقسام الحكومة الإسبانية
أعلنت وزارة الخارجية، استدعاء سفير الجزائر في مدريد فورا للتشاور. وقالت مصالح الخارجية، في بيان لها، السبت، إن السلطات الجزائرية “تفاجأت بشدة من التصريحات الأخيرة للسلطات العليا الإسبانية بشأن ملف الصحراء الغربية”.
وأضاف نفس البيان أن الجزائر تستغرب “الانقلاب” المفاجئ وتحول موقف إسبانيا تجاه القضية الصحراوية.
وتأتي الخطوة الجزائرية ضد مدريد ساعات فقط بعد إعلان الحكومة الإسبانية، الجمعة، “مرحلة جديدة” في “العلاقة مع المغرب” بعد نحو عام من نشوب أزمة دبلوماسية بين البلدين مرتبطة بقضية الصحراء الغربية.
وصدر هذا الموقف الإسباني، بعد صدور بيان عن الديوان الملكي المغربي أشار فيه إلى رسالة وصلت من رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز زعم فيها الأخير أن مبادرة “الحكم الذاتي” المغربية المقترحة للإقليم المتنازع عليه “بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف”، ما يعني انقلابا على الشرعية الدولية التي لا تقر سيادة المغرب على الأراضي الصحراوية، والتأكيد أن الصحراء الغربية إقليم منفصل تماما عن التراب المغربي، كما أن خطوة مدريد تعني إسقاط حق الصحراويين في تقرير مصيرهم، وهو الخيار الذي تدعمه الأمم المتحدة، وعدد كبير من دول العالم.
وطيلة سنة كان هنالك خلاف دبلوماسي كبير بين مدريد والرباط، بسبب استقبال إسبانيا الرئيس الصحراوي إبراهيم غالي للعلاج بعد إصابته بفيروس كوفيد-19، وتلا ذلك في ماي الماضي تسهيل الرباط وصول المئات من المهاجرين المغاربة إلى سبتة، وقد استدعى المغرب سفيرته في إسبانيا للتشاور، ولم تعد إلى مدريد حتى الآن.
وأدانت جبهة البوليساريو الانقلاب الإسباني في مواقف مدريد، فيما هونت مستشارة الرئيس الصحراوي نانا لبات الرشيد، من الموقف الإسباني الجديد، وقالت في تعليق نشرته على صفحتها في فايس بوك “لا جديد في رسالة رئيس الحكومة الإسبانية لملك المغرب، فقد عبثت إسبانيا بالصحراء الغربية حين دست اتفاقية مدريد، وأتاحت للاحتلال المغربي اجتياح الصحراء الغربية مقابل سكوته عن سبتة ومليلة واستمرار حصتها من نهب ثروات الشعب الصحراوي”.
وربطت المسؤولة الصحراوية ما قامت به إسبانيا كحل تتخلص به من معضلة المهاجرين الذين تلقي بهم الرباط في سبتة ومليلة، وذكرت “إسبانيا ضاقت ذرعا بآلاف الأفارقة المحتجزين بالمغرب، في انتظار إشارة إطلاقهم نحوها، فالمغرب يفتح في كل مرة السياج الفاصل بين مدنه ومدينتي سبتة ومليلة ليتدفق الأفارقة السمر ومن معهم من أطفال المغرب إلى المدينتين الإسبانيتين، نكاية بالمملكة التي لم تتبع تغريدة ترامب بأخرى مثلها، فاختارت إشهار دعمها مقترح الحكم الذاتي لعل صنبور الهجرة يغلق ولو إلى حين”.
وتوقعت النانة لبات الرشيد، فشل الموقف الإسباني الجديد، وأن يحدث له ما حدث مع ترامب الذي اعترف “بمغربية الصحراء” لكن إدارة بايدن جمدت ما قام به سلفه، وأن رئيس الحكومة الإسبانية ستتم الإطاحة به، وأوردت في هذا الخصوص “على غرار تغريدة ترامب البائدة التي اشترى بها التطبيع المغربي مع إسرائيل، ورأينا كيف جمدت فحواها الإدارة الأمريكية الجديدة، ولم يعد من حديث أمريكي عن الصحراء الغربية إلا ما انسجم مع قرارات الأمم المتحدة، سيكون مصير رسالة سانشيز نفسه، فقد دخلت السياسة الإسبانية حالة الانقسام حول موقف سانشيز الأحادي، وغدا يقف أمام البرلمان للمحاسبة، وقد يطيح به تزلفه للمغرب”.
تستعد الكتل البرلمانية الإسبانية المختلفة هذا الإثنين في مجلس النواب تقديم طلبا لمثول رئيس الحكومة ، بيدرو سانشيز ، لتقديم توضيحات حول التغيير الذي عبر عنه في موقف الحكومة فيما يتعلق بالصحراء الغربية خلال رسالة بعث بها إلى ملك المغرب محمد السادس.
وترد العريضة على الأخبار التي نُشرت يوم الجمعة بأن سانشيز استسلم لضغوط المغرب ، الذي طلب توضيح موقف إسبانيا بشأن الصحراء الغربية ، من خلال تأييد خطته للحكم الذاتي للمستعمرة الإسبانية السابقة باعتبارها "أساسًا جادًا وموثوقًا"، وهو ما يتجاوز الموقف التقليدي لاسبانيا والداعم لحل سياسي على اساس احترام حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير وفق القانون الدولي.
مساءلة البرلمان الإسباني لرئيس الحكومة يفتح نقطة خلاف جديدة مع شركائه في بوديموس ويهدد بظلاله على العلاقة مع الجزائر في لحظة حرجة بسبب أزمة الطاقة.
من جهة أخرى عبرت نقابات ولجان عمالية إسبانية عن إدانتها الشديدة لخطوة رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيث ضد الشرعية الدولية في الصحراء الغربية، في رسائل تضامنية مع الشعب الصحراوي وكفاحه العادل وفي بيانات توصل بها إتحاد عمال الساقية الحمراء ووادي الذهب اليوم السبت.
ونددت هذه النقابات والهيئات، عن إدانتها للموقف الذي يشكل تنصلا واضحا وفاضحا من قبل مدريد من إلتزاماتها التاريخية والسياسية والقانونية والاخلاقية والإنسانية في الإقليم المحتل، الذي لازال على ذمة إسبانيا الرسمية في نظر القانون الدولي حتى يتمكن الشعب الصحراوي من حقوقه المشروعة في تقرير المصير والإستقلال ويظل وحده المخول للإختيار.
وأعربت الهيئات النقابية الإسبانية، عن قلقها البالغ إزاء ما وصفته بالإنزلاق الخطير والموقف المناويء والمناقض لمواثيق القانون ومقتضيات الشرعية الدوليين، بل وغير المنسجم مع المواقف الشعبية الإسبانية الداعية للانتصار للحق في الصحراء الغربية .
وأبرزت منظمات (Comisiones Obreras) و UGT, Confederación, Intersindical, (LAB) (ELA, AIC, CIG و USO في بياناتها وردود فعلها حيال الخطوة الإسبانية المفاجئة وغير المحسوبة بأنها تأتي عكس تيار مساعي التكفير عن أوزار الأمس في المستعمرة الإسبانية السابقة، فعوض أن تتجه الجهود إلى تحقيق تسوية نهائية عادلة وعاجلة للنزاع الذي طال أمده بفعل تخلي حكومات قصر المونكلوا المتعاقبة عن مسؤولياتها، معتبرة أن ما ذهبت إليه الحكومة الحالية يساهم بشكل ممنهج في تأزم الوضع الحالي وديفع إلى مزيد من التصعيد أكثر مماهو عليه أصلا، ويذكي التوتر ويبتعد بمدريد عن جادة الشرعية الدولية .
وأشارت الهيئات النقابية الإسبانية إلى تطلعها لِأن تلعب بلادها الدور المنوط بها وفق ما تستدعيه التزاماتها، ليس فقط لدورها في المنطقة وإنما بضلوعها في المسألة ووضعيتها الحالية.