-->

علاقة الروس بالإسلام بعيون الرحالة وفي ادبيات الكتاب والشعراء والروائيين الروس


منذ زمن طويل، لعب كل من الأدب العربي والآداب الإسلامية المكتوبة بلغات آسيوية أخرى دورا كبيرا في تعارف الثقافات العربية الإسلامية والروسية الأرثوذكسية، وألهمت الحضارة الإسلامية العديد من الشعراء والروائيين الروس، وسجل الشاعر الروسي إيفان بونين (1870-1953) -الذي كان أول أديب روسي يحصل على نوبل للآداب عام 1933- جولته في مصر وسوريا وفلسطين مطلع القرن العشرين، وكتب قصائد "ليلة القدر" و"الهجرة" و"امرؤ القيس" و"القافل" و"أحفاد الرسول" وغيرها.
ونشر موقع صحيفة "نيو ستريتس تايمز" (New Straits Times) السنغافوري مقالا للمؤرخ والمستشرق والمترجم الروسي الدكتور فيكتور بوغاداييف عن علاقة الروس بالإسلام وإعجابهم به، خاصة مشاهير الرحالة والتجار والسفراء والكتاب.
رحلات التجار
وقال بوغاداييف، المختص بتاريخ وثقافة جنوب شرق آسيا، إنه في النصف الثاني من القرن 15، بدأ التجار والرحالة وسفراء روسيا نشر انطباعاتهم عن الإسلام. وربما كان التاجر أفاناسي نيكيتين أول روسي يزور الهند (قبل 30 عاما من دخول المستكشف البرتغالي فاسكو دي غاما) وبلاد فارس وإثيوبيا والجزيرة العربية في القرن 15، وصور كتابه "المغامرات عبر البحار الثلاثة" حياة المسلمين وهو يتساءل عما إذا كان يجب على المسيحيين تقييم الديانات الأخرى.
وكتب نيكيتين كيف كان خان (أمير) جنار في الهند يحاول إقناعه باعتناق الإسلام، ووعده بمكافأة قدرها ألف قطعة نقدية ذهبية، وكيف صام مع المسلمين رغم أنه كان قلقا دائما خشية التعارض مع دينه.
ووصف التاجر الآخر فيدوت كوتوف في كتابه "مغامرات في بلاد فارس" (1623) بالتفصيل بعض الاحتفالات الإسلامية، ولم يكن يسعى لتمجيد الإسلام عبر كتابه.

الشعراء الروس
وأول من تحدث عن الإسلام باحترام كبير كان الشاعر غافريلا ديرزافين (1743-1816)، الذي قضى طفولته في المنطقة الإسلامية بمدينة كازان في جمهورية تتارستان الروسية. وينعكس الحنين في سطر قصيدته "حتى الدخان حلو ولطيف عندما يكون دخان الوطن".
وتطرق أدباء آخرون إلى عناصر التشابه بين المسيحيين والمسلمين، ومن أبرز تلك الأعمال رواية "آيات عش الحمام" للشاعر والمسرحي الروسي الكلاسيكي بافل كاتينين (1792-1853)، حيث أشاد بولادة الإسلام وذكر أن انتشار الدين بين العرب كان مفيدا للناس.
كما أظهر الشاعر الدبلوماسي الروسي ألكسندر غريبويدوف (1795-1829)، والأمير الشاعر بيتر فيازيمسكي (1792-1878)، والشاعر يوجين مورافييف (1794-1866)؛ اهتماما كبيرا بالإسلام.
وألهمت الثقافة الإسلامية الشاعر الكبير ألكسندر بوشكين (1799-1837) الذي قال في إحدى قصائده "يسعدني جمال القرآن"، وكشف عن تفاعله الشخصي مع مسلمي جنوب روسيا في قصائد "نافورة بخشيساراي" و"السجين القوقازي". وفي قصيدة "تاسيت" صور حرب الشيشان الدموية والعناصر التقليدية لثقافتهم المرتبطة بالعناصر الإسلامية.


إن أهم ما يميز إبداع بوشكين المستوحى من الإسلام هو قصيدة "تأملات القرآن" (1824). وكانت الفلسفة والجوانب الأخلاقية في القرآن مثيرة للاهتمام بشكل خاص لبوشكين، وذات مرة قال إن "الكثير من المبادئ الأخلاقية معروضة في القرآن بأسلوب شاعري مقنع للغاية".
يتجادل بوشكين مع فولتير، "لا تطلب الجنة دماء العزَّل، بل الحب والثقة". واعتاد الكاتب الشهير فيودور دوستويفسكي (1821-1881) أن يقول إن بوشكين لديه قدرة فريدة على فهم الجوهر الحقيقي للحضارة الشرقية.
بالإشارة إلى تأملات القرآن على وجه الخصوص، هتف دوستويفسكي "ألا نرى هنا مسلما، روحا حقيقية للقرآن، وسيفا وعظمة وقوة إيمان قوي؟".
ولاحقا كتب بوشكين قصيدة "النبي"، وجاء فيها "أعطاه الله عينين ليرى كل شيء إلا أنه لم يكن شاعرا
ووضع بيمناه التي يقطر منها الدم
لسان حية حكيمة
في ثغري الأصم
وشج صدري بسيفه
وانتزع القلب المرتعب
وغمد في جوفه
جمرة تلتهب.
استلقيت كالجثة في البيداء
وصوت الرب ناداني:
قم، أيها النبي، وأبصر
وأنصت
ونفذ إرادتي
وأجج بالكلمات قلوب البشر"
وصوّرت حياة المسلمين من قبل الأدباء الروس بستوجيف مارلينسكي (1797-1837)، وبوليجيف (1805-1838) (أمالات-بك، وحريم، وسلطان، إلخ). وأصبح ظل العالم الإسلامي الشرقي بجماله الخلاب مصدر إلهام للشاعر ليرمونتوف (1814-1841)، وأثار أليكسي تولستوي (1882-1945) مشكلة مصير الإنسان في مذكراته عن القرم.

ابتكر نيكولاي نيكراسوف (1821-1877) شخصية الجمال الشرقي في زوجته التركية، بينما وصف الكاتب نيكولاي غوغول (1809-1852) العمارة الإسلامية بأنها "مليئة بالزهور"، وفي مقال "المأمون" تحدث بإعجاب عن حاكم بغداد (813-833).


الأدب الحديث
كان للفيلسوف الروسي فلاديمير سولوفييف (1853-1900) رأي مهم في دور النبي محمد عليه الصلاة والسلام، والإسلام في تطور الحضارة العالمية، قائلا "من المؤكد أن الإسلام سينمو وينتشر أكثر لأن اللبن الروحي للقرآن ضروري للجنس البشري".
الكاتب ليو تولستوي (1828-1910)، الذي درس التقاليد الإسلامية والنبي محمد، كان أيضا يحترم القرآن والثقافة الإسلامية بشكل عام، والتقى مع المفكر المصري الراحل محمد عبده (1849-1905). ويظهر البطل الرئيسي في روايته الحاج مراد (1910)، العديد من سمات مسلمي جبال القوقاز في حقبة مقاومة الداغستانيين المسلمين للروس الأوروبيين.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

Contact Form

Name

Email *

Message *