-->

موجة جفاف تاريخية، تضرب اسبانيا تهدد مستقبل مواردها المائية

 


مدريد – أ ف ب: في ظل موجة جفاف تاريخية، تتساءل اسبانيا حول مستقبل مواردها المائية التي يخصص قسم كبير منها لريّ الأراضي الزراعية في حين يهدد التصحّر 75% من البلاد.
وفي مواجهة شحّ الأمطار، حذرت وزيرة الانتقال في مجال البيئة تيريسا ريبيرا مؤخراً بالقول «علينا أن نكون في غاية الحذر والمسؤولية بدلا من أن نغمض عيوننا» متوقعة «فترات من التوتر الشديد».
شهدت شبه الجزيرة الإيبيرية على غرار فرنسا وإيطاليا في الأشهر الأخيرة موجات حر شديد بعد فصل شتاء على قدر غير اعتيادي من الجفاف. وأدى ذلك إلى تراجع احتياطات المياه في اسبانيا في مطلع آب/أغسطس إلى 14.4% من قدراتها، ما يقل بعشرين نقطة عن متوسط السنوات العشر الأخيرة في الفترة نفسها.
ودفع هذا الوضع السلطات إلى اتخاذ تدابير عاجلة للحد من استهلاك المياه ولا سيما في كاتالونيا والأندلس (جنوب) حيث لا يتعدى مستوى خزانات المياه 25% من سعتها بدل 56.5% في حوض الوادي الكبير الذي يؤمن ريّ المنطقة بكاملها.
وقالت روساريو خيمينيث، أستاذة الهيدرولوجيا في جامعة خاين في الأندلس، أن «الوضع خطير» سواء بالنسبة لـ»المياه السطحية» أو «المياه الجوفية»، مشيرة إلى أن الوضع يزداد خطورة إذ يندرج ضمن اتجاه عام تنسبه روساريو خيمينيث إلى الاحتباس الحراري.
يذكر أن شُحّ المياه ليس أمرا جديدا على اسبانيا، بل أن البلد بات نموذجاً للتكيّف مع أمطار غير منتظمة، بفضل عمليات نقل المياه بين أحواض الاحتجاز وإلى خزانات عديدة أقيمت لتأمين إمداد المدن والأراضي الزراعية.
وفي هذا السياق أقامت اسبانيا خلال القرن العشرين 1200 من السدود كبيرة، ما يمثل رقما قياسيا في أوروبا بالنسبة إلى عدد السكان.




تراجع احتياطيات المخزون إلى 14٪ من سعتها
وتوضح وزارة الانتقال البيئي على موقعها الإلكتروني أن هذا «سمح لاسبانيا بزيادة مساحة الأراضي المرويّة من 900 ألف هكتار إلى ثلاثة ملايين و400 ألف هكتار»، معتبرة أن «نظام إدارة المياه في اسبانيا مثال للنجاح».
لكن العديد من الخبراء يرون أن هذا النظام يكشف هذه الأيام عن وصوله إلى حده الأقصى. وأوضح خوليو باريا مسؤول حملة الفرع الإسباني لمنظمة «غرينبيس» أن هذه السدود «كانت لها فائدتها» لكنها في المقابل «شجعت على الاستغلال المفرط» للمياه وتراجع نوعيتها، فضلاً عن عرقلة المجرى الطبيعي للأنهار وتجددها.
واعتبر المجلس العلمي لحوض رون-المتوسط، وهي هيئة فرنسية تضم خبراء في الهيدرولوجيا، أن «النموذج الإسباني» يكون مجدياً «فقط حين تكون الموارد المائية متوافرة بشكل كاف لملء أحواض احتجاز» المياه. ويضيف «لكن يبدو أننا شارفنا على بلوغ هذه الحدود المادية».
وقال في تقرير حديث أن «التطورات المناخية الجارية والتي ستستمر في العقود المقبلة، ستزيد من خطر التعثر الذي قد يتوقف مدى حدّته أيضاً على ضعف إمكانات التكيف» للنموذج الحالي.
ويعتبر الخبراء أن المشكلة تكمن في استخدام الموارد في بلد غالبا ما يتم ري الحدائق فيه في وسط النهار خلال فترات القيظ، كما هي الحال حاليا في مدريد.
وعلق خوليو باريا مبديا استياءه «لم يتوقف الاستهلاك عن التزايد في حين أن الماء التي في متناولنا تزداد ندرة، هذا غير منطقي».
والسبب خلف ذلك هو ازدهار السياحة مع إقامة بُنى تحتية مستهلكة للمياه مثل ملاعب الغولف وأحواض السباحة، وكذلك الزراعة المكثفة التي تمتص أكثر من 80% من الموارد المائية لريّ مزروعات غير ملائمة إطلاقاً في بعض الأحيان للطقس الجاف، مثل الفراولة والأفوكادو، وموجهة إلى السوق الأوروبية.
وقالت خوليا مارتينيث، المديرة الفنية لمجموعة «نويفا كولتورا بور إيل أغوا» الناشطة من أجل إدارة أفضل للمياه، أن «استخدام الري في اسبانيا غير عقلاني. لا يجوز أن نكون بستان أوروبا» في حين أن «هناك حالات انقطاع للمياه عن السكان».
وسعيا لمعالجة مشكلة شُحّ المياه أقرت الحكومة في منتصف تموز/يوليو خطة إستراتيجية يفترض أن «تكيّف نظام إدارة المياه المعتمد مع مفاعيل الاحترار المناخي» من خلال تدابير تشجع على «إعادة التدوير» وعلى استخدام «فعّال وعقلاني» للموارد.
لكن الخبراء يرون أن التقدم الذي يتحقق لا يزال محدوداً، في حين لا تزال العديد من المناطق تراهن على زيادة الأراضي المروية. وأكد خوليو باريسا «نحن بحاجة إلى تدابير أكثر شدّة» تمر عبر «إعادة هيكلة النظام الزراعي» الإسباني.

وتشاطره الرأي خوليا مارتينيث التي تذكر بأن «اسبانيا هي البلد الأوروبي الذي يمارس أكبر قدر من الضغوط على موارده المائية»، محذرة «ثمة قرارات لا يريد أحد اتخاذها، لكن لا يمكننا مواصلة هذا الهروب إلى الأمام».

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *