-->

بعد الجدل الذي اثارته تصريحاته حول تأسيس جبهة البوليساريو القيادي الليبي عبد السلام جلود يوضح

 


في رده على الجدل الذي اثاره لقاؤه مع فرانس 24 وخاصة ما تعلق منه بالقضية الصحراوية كتب عبد السلام جلود هذا التوضيح الموجه إلى الشعب الصحراوي وفيما يلي نص الرد :
يظهر أن الإخوة في جبهة البوليساريو وفي الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية قد أخطأوا في الفهم التاريخي لتأسيس الجبهة. وأريد في هذا المقام أن أضع الأمور في نصابها بكل أمانة وصدق.

في الأشهر الأولى من سنة 1972 زارنا المناضل الشاب والمجاهد الكبير الولي الرقيبي مع بعض رفاقه ونقلوا لنا قرارهم بتأسيس جبهة البوليساريو – الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب- من الإستعمار الإسباني، وأنهم يريدون مناقشة هذا القرار معنا، ويريدون أن تتبنى ثورة الفاتح قضية الشعب الصحراوي وأن تتبنى الجبهة وتحتضنها وتتكفل بتقديم السلاح والمال لها. وفعلا تبنت ثوره الفاتح الجبهة بقرارها القومي والثوري. ووقفت بكل حزم وقوة مع الجبهه، ودعمتها بالسلاح والمال، ناهيك عن الدعم السياسي والدعائي. وفي الوقت الذي أُؤكد فيه أن الشعب العربي الصحراوي ومقاومي ومجاهدي الجبهة همو اللذين قاوموا وقاتلوا في الميدان، وكان منهم الجرحى والشهداء من أجل تحرير الصحراء الغربية، فإنني أجزم، في الوقت ذاته، أنه لولا القرار القومي والثوري لثورة الفاتح لما تحررت الصحراء الغربية من براثن الإستعمار الإسباني ولظلت رغبة وقرار تحرير الصحراء الغربية مجرد أُمنية بعيدة المنال.
وبعد عدة أشهر من ذلك اللقاء التاريخي في طرابلس بين ثورة الفاتح والمجاهد الكبير الولي الرقيبي ورفاقه أعلن الشعب الصحراوي قيام جبهة البوليساريو.
ونتيجة للمواجهة العسكرية، السياسية، الإقتصادية والدعائية الطويلة والقاسية مع أمريكا وفرنسا ومن ورائهما السادات وصدام والنميري والملك الحسن وموبوتو، والتي وصلت ذروتها في عهد ريغان ولمحاولة فك الطوق عنا، عملنا على عقد مؤتمر منظمة الوحده الافريقية في طرابلس واختيار معمر لرئاسة المنظمه. لكن إدارة ريغن قررت أن لا يعقد المؤتمر في ليبيا وضغطت بل وأمرت معظم الرؤساء الأفارقة والعرب بأن يعارضوا عقد المؤتمر في ليبيا ومنع معمر من رئاسة المنظمة. وأذكر، في هذا السياق، ونحن نبذل قصارى الجهد لعقد المؤتمر في ليبيا، أنني استقبلتُ الرئيس نيريري في مطار طرابلس الدولي وقال لي بالحرف الواحد “إنكم لن تتمكنوا من عقد المؤتمر في طرابلس بسبب الفيتو الأمريكي، وأنكم لن تحصلوا على النصاب القانوني لعقد المؤتمر. وأضاف نيريري؛ “ما كنت لأحضر إلى ليبيا لأنني أعرف أن المؤتمر لن يعقد في طرابلس. ولكن جئتُ إلى ليبيا لأن أمريكا طلبت مني أن لا آتي”.
وخلال محاولة عقد القمة اشترطت معظم الدول الافريقية، وخاصة الرجعية منها، عدم حضور الجمهورية الصحراوية المؤتمر. وقد ذهبت إلى الجزائر لأُقنع الإخوة في الجزائر أن ينصحوا الأخ محمد عبد العزيز بعدم حضور المؤتمر، لكن الإخوة في الجزائر لم يوافقوا. وقد اجتمعتُ مع الأخ محمد عبدالعزيز في طرابلس وقلت له؛ “يا أخ محمد، الصحراء الغربية لا يحررها حضوركم أو عدم حضوركم المؤتمر، بل يحررها كفاح الشعب الصحراوي والموقف القومي والثوري لثورة الفاتح والدعم اللامحدود من ثورة الفاتح بالسلاح والمال”. وأكدتُ له؛ “إنكم بإصراركم على الحضور إنما تخاطرون بخسارة هذا الموقف، ولا تنسوا أن ثورة الفاتح تُعاقبُ اليوم بسبب مواقفها الثورية ومن بينها موقفها من قضية الصحراء الغربية”. ولكن محمد عبد العزيز ظل على موقفه. وعندما فشلت محاولة عقد القمة في ليبيا. شكّل الرؤساء الأفارقة لجنة لدراسة الموضوع. وكانت اللجنة تتكون من رئيس تنزانيا، زامبيا، كينيا، اثيوبيا وليبيا. وقد عقدت اللجنة اجتماعها في كينيا وقد مثلتُ أنا ليبيا في هذا الاجتماع . واتفقت اللجنة أن يعقد المؤتمر في مقر المنظمة في أديس أبابا. وخلال اجتماع المنظمة في أديس أبابا تم اختيار الأخ معمر رئيسا للمنظمة. وطلب مني الرؤساء، بل وألحوا عليَّ، أن أُقنع الأخ معمر بالحضور إلى أديس أبابا . وفعلا ذهب الأخ معمر إلى القمة الافريقية. لكن الجميع خذلنا واستسلموا للتهديدات والأوامر الأمريكية، حتى اللذين أعطونا وعدا مثل مانغستو ونيريري وكاوندا وغيرهم، الجميع خذلنا رغم تضحياتنا الهائلة من أجل إفريقيا. خذلونا في مواجهتنا الطويلة والقاسية والشرسة وغير المتكافئة مع أمريكا وفرنسا، ومن ورائهما الأنظمة الرجعية العربية والإفريقية. وقد اقترنت هذه المواجهة بثورة مضادة قادها كسنجر وجسكار دستان بتأسيسهما مؤسسة الطاقة في مواجهه الأوبك. هذه الثوره المضادة كانت ضد ثورة النفط التي قادتها ثورة الفاتح، بل وثورة الدول المالكة للخامات. وقد أمرت أمريكا السعودية بضخ 14 مليون ونصف مليون برميل من النفط يوميا قصد إغراق السوق . وفعلا تهاوت الأسعار بشكل درامي حتى وصلت سنة 1983 إلى سبعة دولارات بعد أن كانت أربعين دولارا!
ونتيجة لهذا الانهيار في أسعار النفط فقد الشعب الليبي الرفاهية التي كان ينعم بها وأصبحنا غير قادرين على ضمان مستوى الرفاه الاجتماعي وإدامة البنية الأساسية وتوقفت التنمية بالكامل وعجزنا عن تعزيز دعم قواتنا المسلحة، كما عجزنا عن تمويل حرب تشاد، وكذالك عجزنا عن تمويل الحركات الثورية في العالم.
وكان الهدف من انهيار الأسعار هو إسقاط النظام الثوري في ليبيا وأصبح هاجس معمر كيف يحافظ على كرسيه بعد أن أصبح شيخ قبيلة وملك ملوك افريقيا يلبس الخواتم في يديه والقلائد في رقبتة والتاج فوق رأسه، وأصبح مستعدا للتنازل عن الثوره وعن المبادىء وعقد صفقة خسيسة وقذرة مع الملك الحسن. وقد أقام قناة اتصال سرية مع الملك الحسن وعيّن ضابطين من أقاربه لإدارة هذه القناة السرية. وقد كنتُ متوجسا من هذه الاتصالات السرية. إلتزم القذافي بموجب هذه الصفقة بالتخلي عن دعم الجمهورية الصحراوية، وفي المقابل التزم الملك الحسن بالتخلي عن دعم هبري وكذلك عن ما سمي ب “المعارضة الليبية” التي كان الملك الحسن يوفر لها ملاذا في المغرب، بالإضافة إلى تسليم الأخ عمر المحيشي إلى معمر.
وأذكرُ أنني سافرتُ إلى مدينة سبها، في الجنوب، لحضور مؤتمر الشعب العام، حيث كان معمر موجودا هناك، وقد استقبلني في المطار العقيد السيد قذاف الدم وقد احتضنني بقوة وعيناه منهمرتان بالدموع، وبصدره يعتملُ ألم ممضٍ ومرارة يفوقان التحمّل. فقال لي – فيما يشبه البوح- ؛ “يخطر عليك ياخوي ياعبدالسلام أن الملك الحسن الثاني سلّم عمر المحيشي إلى معمر وقد وصل فعلا قبل مجيئك بساعة”. وصل المحيشي إلى مطار سبها على طائرة خاصة، وقد حقنته السلطات المغربية بجرعة كبيرة وقوية من المخدّر لم يتحملها جسمه المنهك. وقد وصل في حالة صحية يرثى لها؛ كان يستفرغ ما في معدته والبول ينساب منه وهو في غيبوبة كاملة.
انتابتني ثورة غضب شديدة. وذهبتُ على الفور لمقابلة معمر. وعندما دخلتُ عليه قلت له: “لقد انتهيت يا معمر بعقدك هذه الصفقة الخسيسة والقذرة مع الملك الحسن ..” استمع معمر لكلماتي الغاضبة ثم ابتسم ولم يعلق!.

المصدر: الضمير

Contact Form

Name

Email *

Message *