-->

خمسينية الجبهة : التجربة الوطنية والحكمة المطلوبة

 


ليس من المصادفة تزامن ذكرى تأسيس جبهة البوليساريو و ذكرى إندلاع الكفاح المسلح في شهر ماي من سنة 1973. ..لقد اجبرت تلك الظرفية التاريخية القيادة الوطنية على اتخاذ هذا القرار المصيري والحاسم لقطع الطريق أمام كل محاولات الطمس والإلغاء والتكالب الإستعماري الذي كان يتحين الفرصة للإجهاز على كل أشكال التطلع للتحرر من ربقة الخنوع والإستعباد…فإنطلاق حرب التحرير الوطني تتويجا لهذا التوجه كان أمرا محسوبا بدقة وبكل الجزئيات والتفاصيل كما شكل في الآن ذاته الرهان الذي لامناص منه لفرض اختيارات شعبنا في الحرية والكرامة بل المكسب الذي تعزى له كل انتصاراتنا طوال مرحلة حرب التحرير الوطنية…
ومن نافلة القول أن هذا يعني أن الجبهة ستظل هي العمود الفقري والعنوان الدال على صمود شعبنا في غمرة كفاحه الشرس والمستديم… وبدون الجبهة ما كانت هذه الثورة التي استنهضت الجسم الصحراوي في بداية السبعينيات وفرضت اسم الشعب الصحراوي كمعادلة غير قابلة للتجاوز والإلغاء وكرست النضال الصحراوي كقضية تحرر وطني معترف بها على المستوى الخارجي والداخلي على حد سواء…
و لا شك أن تأسيس جبهة البوليساريو هو عصارة تفكير عميق لرجال عظماء كرسوا جهدهم وحياتهم حتى ترى الحركة النور ويصلب عودها على مر الزمن وهو ما تطلب معاناة جلى وتضحيات جسام…لتكون الانطلاقة في العاشر من ماي 1973 إيذانا في الدخول لعهد جديد من أشكال المقاومة والنضال وفي أرقى الصور والملاحم… ليستمر الزخم في ظل ظروف وتحديات تفاقمت مع مرور الوقت حفاظا على عظمة الهدف و قدسية الغاية و نبل المسعى ، فلا يمكن وصف ذلك القرار إلا بالعظيم مع عظمة أولئك الرجال الذين أسسوا له بزعامة ملهم الثورة ومفجرها القائد التاريخي الشهيد الولى مصطفى السيد ..
اليوم ترسخت تلك الحقائق خلال خمسين سنة من عمر الجبهة و أثبتت أنها هي رمز وحدة هذا الشعب و عنوان عزته وكرامته …
ونحن اليوم كأفراد من هذا الشعب الأبي مجبرون على تقدير هذه الإنجازات و أن ننحني إعجاباً أمام عبقرية و بطولة أولئك الرجال الذين ضحوا من أجل هذه الأهداف النبيلة و ساهموا في تحقيق تلك المكاسب التاريخية … ومن حقنا الآن ونحن نشيد بالتوجهات آنذاك وثمرتها الميدانية أن نسائل الذات : هل نحن مرحليا في مستوى تطلعات الأمس…؟وهل التنظيم السياسي استطاع الحفاظ على إيقاع وروح حرب التحرير؟ام اننا بدأنا نذوب بين تموجات الشد والجذب بين مجموعة من وحدات الجسم الواحد إلى درجة تصنيف البعض منها بالمارقة؟ وهل أننا فقدنا السيطرة على التحكم في مؤشرات البوصلة التي تقودنا إلى بر الأمان؟ …كثيرة هي التساؤلات والانشغالات والتوجسات في ظل مرحلة ميزها في الكثير من الأحيان الإنفلاش والتراخي والإختلاف!!!! .
أسئلة تبقى معلقة . لكنه بعيدا عن أشكال المناكفات التي اصبحت تصاحبنا ، إلا أنه يجب الإقرار أنه يتهرب عن الواقع من يجهل اليوم او يتجاهل عن قصد وسابق إصرار ان واقعنا الحالي مستفز للغاية، و أن وضعنا الداخلي يحتاج لسياسة حكيمة مخافة الإنزلاق نحو ما لا يحمد عقباه علما أنه رغم كل هذه المحاذير والإكراهات تظل الكثير من القضايا و”الأزمات” قابلة للإصلاح شريطة الإقرار والإعتراف بأننا عبثنا كثيرا كثيرا برصيدنا النضالي وأسأنا إلى التجربة ،بفعل عوامل الهدم الداخلي الذي مارسناه ضد أنفسنا وهو ما من شأنه أن يحيد بنا عن الهدف الأسمى لندخل في دوامة حمى الصراعات البينية المغرقة في ذاتيتها وهوسها المحموم نحو السلطة والإستفراد بها استعلاءا على القيم والقانون لنطوح في النهاية بالمشروع الوطني نحو المجهول!!! ولا أظن أن أيا كان إذا حكم ضميره الوطني والتزاماته الثورية أن يقبل بهذا المئال…
وما من شك أنه لا نجدال في جملة المكاسب و الإنتصارات للقضية الصحراوية ؛ لكن الواقع الصحراوي بأمسّ الحاجة للحكماء منا و أن لا نتهرب من الاعتراف بحجم الكساح الذي أصاب واقعنا الداخلي ، فمن يرى هذا الواقع اليوم لا بد أن يصاب بصدمة الراهن، وربما يدرك حجم التراجع الحاصل في العديد من الأمور . صحيح أن هناك ظروفا إقليمية و دولية غاية في القسوة ولكن يجب أن نعترف بأننا لم نقم بما فيه الكفاية بالمبادرات المطلوبة لدرء المحاذير وتجنب الدخول في صراعات ثانوية وتافهة…إن مشروعنا الوطني في السنوات الأخيرة قد أصيب بالوهن خاصة بعد وقف إطلاق النار ؛ و إن ذلك مرده غياب مرجعية فكرية تناسب التحولات الطارئة وخطة استراتيجية تستجلي آفاق القضية وتتحسب لمعضلاتها الداخلية والخارجية بالكثير من النضج والعمق في الدراسة والتحليل..وهذا يتطلب الإعداد له بجدية بإشراك كل الطاقات الوطنية المشهود لها بالإستقامة ونظافة اليد وبعد النظر….
وضعنا الراهن يحتاج لقيادة منسجمة و لأطر وطنية نزيهة من الحكماء الحريصين فقط على المصير ،و ليس الانتهازين لإسداء النصيحة التي تجعل المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، حكماء يتصفون بالرؤية والرأي السديد في القول والفعل، و الحكمة تعني وزن الأمور بميزانها الصحيح.
فالوضع الداخلي أضعف المناعة الوطنية إلى حدها الأدنى وجعل الجسد الصحراوي قابلا للإستهداف و الاختراق… وتلك حقيقة علينا الاعتراف بها دون أن نستمر في رحلة الخداع…..
واقع الحال أننا نعيش حالة من التضاد في تعريف المشروع الوطني بحده الأدنى المشترك، وهو افتراق واختلاف يرقى إلى حالة من الانقسام في الفكر و التدبير و التصور، وخلاصة القول أن ما انبثق عن مرحلة ما بعد وقف اطلاق النار من ارتجال، أصبح يكرر أخطاء الماضي حتى أضحى يترافق موضوعيا مع أجندات الاحتلال المغربي ويتماهى معها!!!!!؟؟ …
إن تنشيط الجبهة كعمود فقري حاسم في كفاحنا الوطني أمر لا بد من العودة إليه ، و استنهاض الواقع الوطني أصبح ضرورة ملحة بل واجبا وطنيا مقدسا، وهذا الأمر بحد ذاته أمانة مناطة في اعناق قيادتنا الحالية و الاطر الوطنية الصادقة؛ ونحن الآن أمام اختبار حقيقي ومفصلي امام الشعب والتاريخ…..
بقلم:لحسن بولسان

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *